12-أبريل-2018

على  الرغم من أهمية متابعة إقرار الحكومة الفلسطينية للموازنة  في بداية كل عام، فقد أُقِرَّت هذا العام دون إشراك مؤسسات المجتمع المدني؛ في ظلّ تعطيل المجلس التشريعي أيضًا؛ بشكل يخالف القانون الأساسي الفلسطيني. لكن من بيننا لم يتساءل عن ما صُرفت عليه موزانة العام السابق، وما هي الأوجه التي صرفت بها. يُسمى هذا الحساب الختامي، والتقرير المدقق.

والحساب الختامي، وفقًا لقانون الموازنة العامة الفلسطيني، هو بيان حساب الموازنة ونتيجة تنفيذها كأرقام فعلية وحقيقية في نهاية السنة المالية. أمّا التقرير المدقق، فهو التقرير الذي يُصدره ديوان الرقابة المالية والإدراية بعد تدقيق الحساب الختامي للسلطة الوطنية، وتصدره وزارة المالية وفقًا لأحكام القانون.

آخر تقرير مدقق صدر كان للعام 2012، لكنه كان باللغة الإنجليزية، أما آخر حساب ختامي نُشر على موقع وزارة المالية كان للعام 2009

الباحث مؤيد عفانة، عضو الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، أعدّ ورقة استقصائية عن الحسابات الختامية للموازانات العامة الفلسطينية. يقول إن العمل بدأ في وزارة المالية بشكل تجريبي لإعداد أول حساب ختامي في العام 2009- 2010. فيما بعد قدّم البنك الدولي دعمًا وتدريبًا حول كيفية إعداد الحسابات الختامية وفقًا للمعايير الدولية، وصدر بعدها الحساب الختامي للعام 2011، وحُوّل إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية للتدقيق فيه، الذي بدوره قدم جملة من الملاحظات والتحفظات القانونية والإجرائية والإدارية والفنّية.

اقرأ/ي أيضًا: عقد إذعان بين السلطة وكهرباء فلسطين.. كيف حدث؟

ومن خلال متابعة موقع ديوان الرقابة المالية والادارية، فإنّ آخر تقرير مدقق صدر كان للعام 2012، وأبدى تحفظه أيضًا على الحساب الختامي، لكنّه باللغة الإنجليزية. يُبدي الباحث عفانة تحفّظه على نشر التقرير المدقق باللغة الإنجليزية، لأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في فلسطين، وفق القانون الأساسي، وبالتالي يجب إصداره بالعربية، ويُمكن بعد ذلك إصداره بالإنجليزية من أجل المانحين. أمّا آخر حساب ختاميّ نُشر على موقع وزارة المالية فكان للعام 2009.

ويُفترض أن يتم تصدير الحساب الختامي للعام 2013 إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية خلال فترة قصيرة، وفقًا لما أفاد به الباحث عفانة، بناءً على معلومات زودته بها وزارة المالية.

وتنصُّ المادة 62 من القانون الأساسي الفلسطيني على أنّه "يجب عرض الحساب الختامي لميزانية السلطة الوطنية على المجلس التشريعي في مدة لا تزيد عن سنة واحدة من تاريخ انتهاء السنة المالية ويتم التصويت عليها بابًا بابًا".

يؤكد حسن خريشة، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، أنّ عدم عرض الموازنة والحساب الختامي على المجلس التشريعي يعد انتهاكًا واضحًا للقانون الأساسي؛ تتحمله عدة جهات أولها الرئيس محمود عباس، كونه يمتلك الصلاحية وفقًا للقانون والعُرف لدعوة المجلس التشريعي للانعقاد ومناقشة الموازنة وإقرارها، ومساءلة الحكومة بما فيها وزارة المالية عن إنفاق المال العام.

وتتحمل القوى السياسية الكبرى أيضًا، وتحديدًا فتح وحماس، مسؤوليّة عدم عرض الموازنة المالية والحساب الختامي على "التشريعي"، فهما وفق خريشة قادرتان على تنفيذ المصالحة وإنهاء الانقسام، والاتفاق على تفعيل المجلس التشريعي. "أمّا القوى الوسطية؛ فتتحمل المسؤولية في إطار فشلها في تشكيل كتلة برلمانية مانعة جامعة، وقد أبقت المجلس التشريعي غائبًا ومغيّبًا" بحسب خريشة.

الرئيس أبو مازن، وفتح وحماس، يتحملون مسؤولية عدم عرض الموازنة والحساب الختامي على المجلس التشريعي

تعطيل "التشريعي" واستمرار الانقسام، لا يُعفي النواب من مساءلة وزارة المالية في مجال إنفاق المال العام، وذلك بالاستناد إلى المادة 56 من القانون الأساسي الفلسطيني؛ التي تنصّ في فقرتها الثالثة على حقوق أعضاء المجلس التشريعي ومنها: توجيه الأسئلة والاستجوابات إلى الحكومة، أو إلى أحد الوزراء ومن في حكمهم.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى السوق السياحي: سمسرة وشركات وهمية

لكن خريشة يعتقد أن أي تحركات فردية من قبل أعضاء المجلس التشريعي تساوي صفرًا أمام السلطة الفلسطينية، موضحًا أن الأصل هو تحركات برلمانية جماعية مؤسساتية تقوم بالدور المناط بها، لكي يكون لها صدىً فعلي.

الترا فلسطين تواصل مع وزارة المالية، وديوان الرقابة المالية والإدارية، طالبًا إجابات على مجموعة تساؤلات في هذا الموضوع، لكن كل المراسلات - نحتفظ بها - لم تلق اهتمام الجانبين. نقتبس لكم هُنا مقابلة المحاسب العام لدولة فلسطين أحمد الصباح؛ التي أجراها الباحث عفانة خلال ورقته الاستقصائية بتاريخ 18 أيار/مايو 2017، وأكد فيها "أن هذه الفجوة الزمنية بين الحسابات الختامية ستنتهي في العام 2017 بعد إصدار الحسابات الختامية للسنوات 2013، 2014، 2015. ومن المتوقع أن يتم إصدار الحساب الختامي بشكل منتظم بعد ذلك". إلا أن العام  2017 انتهى قبل إصدار هذه الحسابات.

تكمن الخطورة في الفجوة الزمنية بين الحسابات الختامية في أنها تسبب مشكلة التقادم. يبيّن الباحث عفانة ذلك قائلًا: "على سبيل المثال، فإنّ التقرير المدقق للحساب الختامي لعام 2013 أظهر انحرافًا، ونحن في العام 2018، لا يمكن معالجة هذا الانحراف بعد خمس سنوات. كما أن الأحداث المتراكمة والمتلاحقة تؤدي إلى أن أي انحراف صغير في أي سنة من السنوات لم يتم الرقابة عليه والتدقيق فيه، سوف تترتب عليه أحداث أخرى متراكمة ومتلاحقة ستزيد من انفراج هذا الانحراف ومن مقداره مع مرور الزمن".

خطورة الفجوة الزمنية بين الحسابات الختامية في أنها تُسبب التقادم، وتؤدي لتراكم الانحرافات دون معالجتها

ولا يشكّل غياب الحساب الختامي بحدّ ذاته حالة فساد، وإنما هو غياب للشفافية والانكشاف الذي يمكن أن يغطي تحته حالات فساد. هذا ما أكدته رشا عمارنة، مدير عام الشؤون القانونية لهيئة مكافحة الفساد، مضيفةً أن غياب الحسابات الختامية قد يغيّب خللًا معيّنًا لن يتم اكتشافه، وبالتالي هو غياب أداة من أدوات الرقابة والتأكد من سلامة الإنفاق العام.

يذكر أن السلطة لم تستطع الانضمام لمبادرة الحكومات المنفتحة التي تعتمد في شروط الانضمام لها شفافية الحكومات في اعتماد موازنة عامة تشاركية وإصدار حسابات ختامية وتقارير مدققة.


اقرأ/ي أيضًا:

مليونيرية يقودون عصابات الشيكات البنكية

سيارات تأجير غير صالحة للسير على الطرقات

"فيسبوك" لتجارة السلاح في غزة.. والأمن يراقب