21-فبراير-2021

صورة توضيحية - gettyimages

سنة قاسية قل مطرُ شتاؤها في الفترة الأولى، وما انفكت الرياح الشرقية تنشف العروق والزروع، غير أن التعويل كان على القسم الثاني من الشتوية والمعروف بالخمسينية.

تسمى الرياح بأسماء الجهات الأربع التي تهب منها، الشرقية (الصبا)، والغربية (الدبور)، والجنوبية (القبلية)، والرياح الشمالية (الشامية)

ولعل أكثر ما ميز شتاء هذا العام هو كثرة هبوب الرياح الجافة التي نعرفها باسم (الشرقية)، وهي ظاهرة طبيعية في بلادنا نُعاني منها كل شتاء، إلا أنها في هذا العام كانت شديدة الوطأة تهب كثيرًا مع تأخر وعدم انتظام لسقوط المطر.

رياح فلسطين

تهب الرياح في شتاء فلسطين مرافقة للمنخفضات الجوية، أو سابقة ولاحقة لها. وقديمًا كان يُنظر لهذه الرياح ويتم مُراقبتها لمعرفة طبيعة الأمطار والأجواء المرافقة لها، غير أن دوائر الأرصاد اليوم أغنت الناس عن هذه المُهمة وصارت تقدم لهم تنبؤًا بالحالة الجوية لأيام وأسابيع.

فلسطينيًا، تهب رياح كثيرة في الشتاء منها المحلي، ومنها الآتي من بعيد محملًا بالأمطار والعواصف. وتسمى الرياح بأسماء الجهات الأربع التي تهب منها، الشرقية (الصبا)، والغربية (الدبور)، والجنوبية (القبلية)، والرياح الشمالية (الشامية). 

يقولون عن الرياح الجافة التي لا تحمل الغيوم بأنها رياحٌ عقيمة، غير أن أرق الرياح وأخفها تٌسمى: النسيم

كما أن للرياح أسماءٌ بحسب قُوة هُبوبها، فأشدّها هُبوبًا: النافجة، وإذا ارتفعت من الأرض كالعامود نحو السماء قالوا عنها: إعصار أو زوبعة، والرياح الباردة تُسمى: صرصر، ويقولون عن الرياح الجافة التي لا تحمل الغيوم بأنها رياحٌ عقيمة، غير أن أرق الرياح وأخفها تٌسمى: النسيم.

وفي أغاني البكائيات والتناويح يقولون:

نسـمت يا ريح من جنـب الأحباب وَفُحت

ذكرتني يا ريح بزمان اللي مضى وَرُحت

ومن المعلوم بأن لكل من هذه الرياح تصنيف من حيث علاقتها مع المطر. فالرياح الغربية تكون عادة عاصفة ماطرة ومُشبعة بالرطوبة، وفي المثل الشعبي يقولون: "الغربية بتجيب المطر"، ومثله قولهم: "إِن هَبَّتْ غَرْبي يا سَعْد قَلْبي"، وذلك فرحًا واستبشارًا منهم بالمطر الآتي مع هذه الرياح.

وفي أهازيج النسوة نسمع:

يا طالعة ع السلالم والهوى غربي

قربت الشتوة قربت يا خوف قلبي

أما الرياح الشرقية التي تهب قبل مرور المنخفضات الجوية وتكون باردة جافة، فتسبب انخفاض درجات الحرارة، فإنها رياح غير ماطرة، وهي قاسية شديدة غير مُرحب بها. ولأنها تهب قبل المطر قيل عنها: "الشرقية مِحراك المطر"، أي أنها تحرك الأجواء لتأتي بالأمطار لاحقًا.

اقرأ/ي أيضًا: شبَّة النار: رفيقة الفلسطينيين في شتائهم وسمرهم

كما أن مناخ فلسطين يشهد رياحًا شمالية باردة (جايه من شامه)، فتزيد من انخفاض درجة الحرارة  لكن من غير مطر أو رطوبة، ولقسوتها قيل: "إنْ هَبَّت شَمالي يا ضيعْة عيالي"، وقيل عنها أيضًا: "الرَّيح الشَّمالي بُطرُد المَطر"، ولذا لا عجب أن يُقال: "كُلشي من الشَّمال مْليح إلا الرِّيح".

وفي أغنية دلعونا تناشد المحبوبة الريح قائلة:

يا ريح الشمال يا ريح الشمال .. منك حبيبي ما قطعت الأمل

قالولي حبك شو سوى وعمل .. راح وتركني أسـمر اللـونا

أما الرياح الجنوبية (القبلية) فهي رياح ماطرة، ونسمع في غناء اللالا قولهم:

جـاي مطـر من قِبلِه .. والغيـم لم طرافـو

أنا مفارق محبوبي .. دخيل الله مين شافو

شراقي الخريف

يُسمي الفلاحون الرياح الشرقية الجافة والباردة التي تهب أواخر الصيف بداية الخريف بـ"شراقي الخريف"، أو "شراقي الصليب"، وهبوبها يُشكل علامة فارقة بين الفصلين، كما لها علاقة بمواقيت الزراعة. ويُعتقد شعبيًا أن هذه الشرقية إذا بدأت قبل النهار فإنها سرعان ما تتلاشى، لكن إذا بدأت بعد طلوع الشمس، فسيستمر تأثيرها ثلاثة أيام.

الرياح الشرقية التي تهب أواخر الصيف بداية الخريف تشكل علامة فارقة بين الفصلين، كما لها علاقة بمواقيت الزراعة

وقد تهب هذه الرياح الشرقية في أواخر الربيع بداية الصيف، وتكون جافة وتسمى: الخماسينية أو السموم، وهبوبها فترات طويلة يضر بالمحاصيل الزراعية عمومًا، وتؤثر سلبًا على موسم الزيتون. ويعبرون عن ذلك بقولهم: "اللّي لمّيناه ع البيدر طيّرته الشرقية".

شراقي الشتوية 

يتنبأ الفلاحون بطبيعة الأجواء خلال المرحلة الأولى من فصل الشتاء، وذلك من خلال خبرتهم ومشاهدتهم الطويلة. ومن هنا جاء المثل الشعبي: "المربعانية يا بتشَرّق يا بتغـرّق"، بمعنى أن المربعانية إما أن تكون جافة بفعل الرياح الشرقية، أو تكون مطرًا مُغرِقًا بفعل الرياح الغربية.

وفي الموروث الشعبي نجد ثراءً وتنوعًا يصف الرياح الشرقية المعروفة بـ"شراقي الكوانين"، لأنها تهب بين كانون أول وكانون ثاني؛ وتحديدًا في أيام المربعانية، وقد وصفت بقولهم: "شَراقي الكوانين ثلج"، بمعنى أنها شديدة البرودة. ولشدتها وقسوتها قيل أيضًا: "رياح كانون شيبت النسور"، وهذا الحضور لها في الموروث يعكس حجم ضررها علينا وطبيعة علاقتنا معها.

لشدتها وقسوتها قيل أيضًا: "رياح كانون شيبت النسور"، وهذا الحضور لها في الموروث يعكس حجم ضررها علينا وطبيعة علاقتنا معها

أما شراقي شباط أو شراقي الخمسينية فإنها تُعرف باسم (إمكية الحصيني)، ذلك أن الثعلب (الحصيني) يحفر جحره ويجعل بابه للشرق طلبًا لدفء الشمس في هذه الفترة من السنة، فتباغته الشرقية برياحها الجافة والباردة فتبكيه وتؤلمة، ولذا سماها الناس: إمبكية الحصيني.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة شتوية في تراث فلسطين

لاشك أن هذه الرياح الشرقية التي تهب في الشتاء تنشف العروق والوجه، وتسبب ظهور القشور في الأماكن الظاهرة من جسم الإنسان، وهي مُتعبة عمومًا للناس. وفي ذلك قيل: "الشرقية بتعمي البصر"، ومن شدّة بردها قيل: "الشرقية بتقص المسمار"، و"الشرقية بتقص قص". ويقولون للتدليل على قوة هذه الرياح وتحريكها لكل شيء: "أم سليمان بترقص رقص"، و لشدّة رياحها يُقال: "طَيَّرتنا الشرقية".

وفوق ذلك فإن هذه الرياح تُتلف الخضار المزروعة وتنذر بسنة قاسية، خاصة على الخضار والزراعة البذرية كالفول مثلاً، حيث تنشفه الشرقية وتبطئ نموه. ومعروف لدى الفلاحين أن: "السَّنة المليحَة بتنعرِف من فُولهَا وسخُولهَا".

تعتبر "الشرقية" نذير شؤم للفلاحين، ومن هنا قالوا: "إِنْ هَبَّتْ شَرقي يا ضيعْةِ ابْنَيِّي"

لذا، تعتبر "الشرقية" نذير شؤم للفلاحين، ومن هنا قالوا: "إِنْ هَبَّتْ شَرقي يا ضيعْةِ ابْنَيِّي"، والأصعب من ذلك بحسب الفلاحين هو أنك "سنة الشراقي بتدور ما بتلاقي"، أي تبحث عن الخير فيها فلا تجده بسبب المحل وضعف الإنتاج.

 وحين يخرج الأطفال لشحدة المطر في سنوات الشدّة، كانون يغنون جُملة من الأهازيج ولا يفوتهم أن يُطالبوا الشرقية بأن ترحل عنهم:

شرقيه روحي عنا .. خلي الغين يصلنا

وعلى العموم، فإن الرياح الشرقية دائمًا تُبدد الآمال بمواسم زراعية جيدة، وتجعلنا نترقب زوالها وننتظر الخير فيما يأتي بعدها من رياح وأمطار.


اقرأ/ي أيضًا: 

الشتاء في لهجتنا العاميّة

عن المستقرضات وعجوزها.. وأمطارها الغزيرة