22-مايو-2018

أراقب منذ وقت ليس بقصير، الشد والجذب حول صحة الرئيس محمود عباس، وأرى وأسمع أن البعض يتمنى له السلامة "لأن سلامته من سلامة الوطن"، وآخرون يتمنون عكس ذلك. لكن بعيدًا عن هذا الجدل، هناك قضايا لا ينتبه إليها كثيرون في هذا السياق، رغم أنها تهمنا جميعًا، بل تُحدد مستقبل ما تبقى من هذه البلاد.

إن فكرة ربط الوطن والمستقبل والحياة بشخص مزعجة ومخيفة، وهي مرفوضة في الشركات والمؤسسات، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية، لأن هذه الصفة ليست مصدر قوة إطلاقًا، بل بالعكس هي نقطة ضعف قاتلة، إذ أن استهداف هذا الشخص سيكون سهلاً أو على الأقل واضحًا للأعداء - على فرض أن الأعداء قد خلت من أيديهم أي حيلة سوى القتل المباشر - ناهيك عن إمكانية "انتهاء الوطن" بسبب فايروس أو التهاب أو مرض خبيث! هل من المنطق أن ينتهي نضالنا بسبب فايروس؟ أو التهاب؟ فكرة مضحكة ومبكية.

هل من المنطق أن ينتهي نضالنا بسبب فايروس؟ أو التهاب؟ فكرة مضحكة ومبكية.

صارت الشائعات عن موت الرئيس خبرًا يوميًا - تقريبًا - في الفترة الأخيرة، وهذا النوع من الأخبار مزعج لأكثر من سبب. لكن الغريب؛ وعلى الرغم من كون السياسي الفلسطيني مقتنع بأن المشروع الوطني مرتبط بصحة الرئيس لكنه لم يجد بديلاً في حالة عدم أهلية الرئيس لاستمرار القيادة! وكأنه يقول أنه وبعد الرئيس لن يوجد فلسطين، ولا قضية، أو أنه آنذاك سيحلها ألف حلال!

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس يعاني التهابًا رئويًا لكنه يتماثل للشفاء

هل من المنطق أن يذهب الكل برحلة في حافلة يُقال إن صحة سائقها ليست على ما يرام، وكل ساعة هناك إشاعة تقول إنه مات، والركاب صامتون كأن لا شيء يعنيهم؟ حتى في قوانين السير والمرور في العالم كله، فإن الأولوية في الجلوس بجانب السائق تكون لشخص لديه رخصة قيادة، فما بالك بدولة؟ أن نبقي الأمر كما هو عليه الآن فهذه فوضى ويجب أن تكون غير مقبولة.

لو تجاوزنا كل ما قلته، وافترضنا أن المشروع الوطني مرتبط فعلاً بشخص واحد، وأن تعرض هذا الشخص لأي مكروه سيُنهي هذا المشروع، ألا تستحق هذه الفكرة منا أن نضع خطة للمرحلة القادمة؟ هل يُعقل أن نترك الأمريكان والإسرائيليين والروس والفرنسيين وكل من دب على هذه البسيطة يُخططون لنا مستقبلنا؛ ونحن نتفرج كأن الأمر لا يعنينا؟ فلنجعلها خطة طوارئ مثلاً، أو رؤية، أو لنرسم سيناروهات كما في السينما! يا جماعة الخير، هذه دولة قيد الإنشاء؛ فهل يُعقل أن يظل رهن الشائعات؟

ثم إن الموت ليس عيبًا ولا تهمة، فنحن نودع كل يوم من الشهداء والمرضى و"أموات الفجأة" ما نودع، وفكرة موت الرئيس أو الوزير ليست أمرًا مستهجنًا ولا مستبعدًا، لكن العيب في أن نتعامل مع موضوع الموت كأن فيه "مزايدات"، وكأن صورة الرئيس معها تهديد لأعدائه ومن يتمنى له الأذى تكفي! كلنا يتحدث عن الانفلات، هل وضع أحدنا خطة قبل الانفلات؟ هل ينظر أحد للموت على أنه فعلا زائر لا يستأذنك ولا يستأذن المشروع الوطني؟

من غير المعقول أن يبقى منصب نائب الرئيس شاغرًا طوال هذه المدة، تحديدًا في ظل حالة الانقسام وتعطيل المجلس التشريعي

نحن - يا جماعة الخير - نتحدث عن دولة بقانون، ومن غير المعقول أن يبقى منصب نائب الرئيس شاغرًا طوال هذه المدة، تحديدًا في ظل حالة الانقسام وتعطيل المجلس التشريعي وضعف فرص الانتخابات. ومن غير المعقول أن نظل نراهن على صحة الرئيس الذي بلغ من العمر ما بلغ، دون أن يُسمى نائب له حتى وقت انتخابات عامة وشاملة!

أما إذا كانت الخلافات الشخصية حول اسم النائب تحول دون تعيين أحد في هذا المنصب، فهذا يشبه وقوفنا وسط طريق سريع ننتظر مرور أول حافلة تنهي حكايتنا؛ لأننا غير متفقين على ما سنفعله عندما نصل الرصيف!


اقرأ/ي أيضًا:

عريقات: ليبرمان ومردخاي هما من يحكم الفلسطينيين

صحيفة عبرية: المنسق هو الرئيس الفلسطيني

هل يعلم الرئيس أننا لا نهتم؟!