21-أغسطس-2019

تدور في أروقة وزارة التنمية الاجتماعية منذ أشهر، معركةٌ على السيادة وإصدار القرار بين القائمين على شقّيها في رام الله وغزة، تفجّرت تحديدًا بعد تولي أحمد مجدلاني زمام أمور الوزارة، ووصلت تداعياتها إلى حد التلويح بوقف صرف "مخصصات الشؤون"، وهي المساعدات النقدية التي تُصرف مرة كل ثلاثة شهور للعائلات الفقيرة، وفق ما ورد في بيانات الوزارة في رام الله، خاصة بيانها الأخير الصادر في الثامن من آب/أغسطس الجاري.

منذ تسلم أحمد مجدلاني وزارة التنمية الاجتماعية، تفجرت معركةٌ على إدارة الوزارة مع غازي حمد، الوكيل الذي عيّنته حماس في غزة

الوزارة حذرت في بيانها الأخير، حركة حماس، من "المساس بموظفيها"، وحملتها مسؤولية "عرقلة عملها" في مساعدة الأسر الفقيرة. وأضافت على لسان الوكيل المساعد لشؤون المديريات الجنوبية أكرم الحافي، "إن استدعاء الموظفين المعينين من الوزير مجدلاني وعرقلة عملهم يترتب عليه تداعياتٌ خطيرة على عمل وبرامج الوزارة خاصة برنامج التحويلات النقدية، وسيكون لها رد غير مسبوق على هذا التمادي" حسب قول البيان.

اقرأ/ي أيضًا: سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق

ويستهدف برنامج التحويلات النقدية نحو 111 ألف أسرة فقيرة من قطاع غزة والضفة الغربية، بمبلغٍ إجماليٍ 130 مليون شيكل تقريبًا، ويتلقى المستفيدون دفعة كل 3 شهور بمبلغ حده الأقصى 1800 شيكل حسب حالة الفقر.

ما الذي يجري؟

ما الذي يحدث داخل الوزارة؟ وما هي اللجنة التي فاقمت الخلاف؟ وما مدى قانونيتها أو قانونية منع عملها من قِبل الوزارة في غزة؟ والأهم، هل فعلًا أن الإجراءات التي ستتخذها رام الله قد تطال برنامج التحويلات النقدية الخاص بالأسر الفقرية في قطاع غزة؟ الترا فلسطين بحث عن إجاباتٍ لهذه الأسئلة مع طرفي الأزمة الجديدة.

أحمد مجدلاني شكّل لجنة لإدارة وزارة التنمية في غزة، وحماس منعتها من العمل

وكيل الوزارة في رام الله داوود الديك قال: "حكومة الأمر الواقع في غزة استدعت أعضاء اللجنة المشكلة من الوزير لمتابعة عمل الوزارة من غزة، ومنعوهم من التواصل مع رام الله وحظروا عملها".

وبيّن الديك، أن اللجنة "شكّلها الوزير بعد توليه الوزارة، ومن يوم الانقسام قبل سنوات وهو معروف أن هناك لجنة مشكّلة لمتابعة عمل الوزارة، لضمان استمرار برامجنا بدون تحيّز خاصة برنامج التحويلات النقدية وبرنامج المساعدات المالية والبرنامج الاقتصادي".

سألنا الديك: "هل فعلا مُنِعَ الأعضاء من الاتصال بكم على أرض الواقع؟ فامتنع عن الإجابة وقال: "السؤال الذي بعده".

واتهم الديك، الوزارة في غزة، بتعيين الموظفين وتصنيف الفقراء حسب توجههم السياسي، وقال: "غزة منطقةٌ الفقر فيها عال جدًا، لكن المشكلة ليست في وجود الفقر من عدمه، بل في التمييز بين الفقراء، ونحن لدينا شكاوى من مواطنين بأرقام هواتفهم وهويّاتهم بهذا الخصوص".

وزارة التنمية الاجتماعية: حماس تُصنف الفقراء في غزة حسب توجههم السياسي

واعتبر أن استمرار منع عمل اللجنة المشكّلة من شأنه عرقلة عمل برامج الوزارة في غزة، رغم قوله قبلها، إن الوزارة تحاول تجنيب البرامج والمستفيدين منها -خاصة الأسر الفقيرة- الخلافات الحاصلة.

خطوات عدائية وسحب موظفين

توجهنا إلى الوزارة في غزة طالبين إجاباتٍ على اتهامات الوزارة في رام الله وبياناتها المتلاحقة، لكن وكيل الوزارة، وهو من يدير شؤونها، غازي حمد قال: "لن أعقّب على أي تصريح للوزير مجدلاني".

مسؤولٌ رفيع المستوى في الوزارة تحدث بالتفصيل لـ الترا فلسطين عن ما يجري، لكنه رفض الكشف عن هويته. قال: "الوزير أحمد مجدلاني ومنذ أن تسلّم منصبه في الوزارة خالف كل ما كان يسير عليه الوزراء السابقون الذين نشهد لهم بتعاونهم وعلاقتهم الطيبة بين غزة ورام الله، وهو ما كان يضمن عمل الوزارة بكل موضوعية".

مصدر خاص: أحمد مجدلاني خالف جميع ما سار عليه وزراء التنمية الاجتماعية قبله واتخذ خطواتٍ عدائية ضد غزة

واستدرك، "هذا الشخص -يقصد مجدلاني- قام منذ توليه المنصب بخطوات عدائية تجاه غزة، بدأها بسحب 117 موظفًا دون أي إنذار مبكر، منهم حراس وسائقون وعددٌ كبيرٌ منهم يعملون في مناطق ومواقع حساسة، مثل مراكز التدريب المهني وتأهيل المعاقين وبرامج الطفولة والمرأة ومؤسسة الربيع، ثم أغلق البرنامج الوطني الخاص بالفقراء، ومنع الوزارة بغزة من استخدامه رغم أنه مفتوح منذ سنوات".

اقرأ/ي أيضًا:ممالك الطوائف الفلسطينية

وأضاف المصدر، أن الإجراء الذي "أوصل الأمور إلى التعقيد" هو تدخل مجدلاني بين الموظفين حتى في التنقلات الداخلية لهم، وتشكيل لجنة موازية للوزارة في غزة". سألناه: ما هي هذه اللجنة؟ أجاب، "شكّلها على أساس أن تقوم بعمل الوزارة أي بديلًا عنها، وهي خطوةٌ عدائيةٌ واستفزازية".

واعتبر المسؤول، أن مجدلاني "استغّل علاقته بالرئيس محمود عباس ورفض التعاون مع الوزارة في غزة، بل ورفض أي وساطة لحل الإشكاليات التي سببها".

وأكد المسؤول، أن الوزارة في غزة منعت بالفعل عمل هذه اللجنة، مبررًا ذلك بأن "عملها غير قانوني، ولم يسبق أن كانت لجنةٌ مشكلةٌ من هذا القبيل"، مضيفًا أن مجدلاني هو من ابتدع هذه اللجنة، "وهدد أعضاءها في حال تعاونهم مع غزة" وفق قوله.

اللجنة التي شكلها أحمد مجدلاني لإدارة الوزارة في غزة منعتها حماس من العمل معللة ذلك بأنها "غير قانونية"

وتابع، "أعضاء اللجنة المشكلة معروفون بالأسماء، تواصلنا معهم وفهمنا منهم أنهم يودون التعاون مع الوزارة في غزة، لكن مجدلاني رفض وهددهم بالجلوس في البيت حال فعلوا ذلك"، موضحًا أن مجدلاني "أقعد" مدير الوزارة شمال غزة في بيته بسبب تعاونه مع الوزارة هناك، "وعيّن بدلاً منه موظفًا تابعًا للوزارة في رام الله، وهدده بالعقوبة ذاتها إذا تعاون مع الوزارة في غزة.

على هذا الاتهام أجاب الديك، "كيف لجهة لا تدفع راتب لموظف أن تتخذ قرارًا بنقله من مكان ومنصب إلى آخر؟ بأي حق وصفة قانونية يتم هذا؟ نحن مسؤولون عن الموظفين في غزة ممن يتلقون رواتبهم من الحكومة الشرعية -السلطة- ولدينا تعليماتٌ بذلك، أما الموظفون الذين عيّنتهم حماس فلا نتدخل بهم".

وأفاد المصدر المسؤول بأن الوكيل حمد تواصل مع أعضاء جبهة النضال الشعبي التي يتزعمها أحمد مجدلاني، وأكدوا له أنه يتخذ موقفه كأنه شخصي.

مصدر خاص: أعضاء في جبهة النضال الشعبي قالوا لغازي حمد إن مجدلاني يتخذ موقفه في عمل الوزارة كأنه شخصي

ما هو مصير برنامج التحويلات؟

المصدر المسؤول قال في حديثه لنا، إن الوزارة في رام الله تمنع الوزارة في غزة من التدخل بلوحة التحكم في برنامج التحويلات النقدية لإضافة أسماء وعائلات جديدة، "رغم أنها تنطبق عليها معايير الفقر".

 أجاب الوكيل داوود الديك على ذلك قائلاً: "لم نمنع إضافة أي اسم، لكننا لم نضف أي أسماء جديدة منذ الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، لأن لدينا سقف مالي ثابت".

وزارة التنمية الاجتماعية ترفض التأكيد إن كانت ستوقف "مخصصات الشؤون" بسبب الخلافات الحالية، لكنها لا تستبعد ذلك

المسؤول الذي تحدث لنا من غزة، أكد أن عمل الوزارة لم يكن قبل تولي مجدلاني يُدار بهذه الطريقة، مضيفًا، "إنه شخص يريد تدمير العمل الاجتماعي في غزة لأنه عدائي ويكره غزة".

طلبنا من الوكيل داوود الديك إجابة واضحة حول التهديد الذي ورد في بيان الوزارة الصادر قبل عيد الأضحى حول برنامج التحويلات النقدية، فأجاب باختصار، "كل شيء في حينه. إذا استمرت حماس بتضييقها على أعضاء اللجنة وإجراءاتها، فإن كل موقف مقابله موقف، وحسب التطورات سنتصرف".

تجدر الإشارة إلى أن الأسر الفقيرة في غزة المدرجة في برنامج الشؤون الاجتماعية، لم تتلقّ سوى دفعة واحدة من مستحقاتها لعام 2019 وذلك في 16 أيار/مايو من العام، خلافًا لما يُفترض العمل به، وهو صرف دفعة مالية كل ثلاثة شهور، فيما يُتوقع صرف دفعة ثانية خلال الأسبوع الجاري.


اقرأ/ي أيضًا: 

 الانقسام: مصلحة إسرائيلية ومستقبل فلسطيني مجهول

الديموكتاتورية نظام حكم فلسطيني

الناتج المحلي من الحنان