28-يناير-2020

 

في مواجهة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الليلة مشروعه "الشخصي" للسلام في الشرق الأوسط، المعروف باسم "صفقة القرن"، ينقسم الفلسطينيون بين توجهين: الأول يقوده المسؤولون، والثاني يقوده الشعب.

شعارات المسؤولين لم يعد يأخذها أحدٌ على محمل الجد. الأمر كله لا يتجاوز شهوة الشعار، ولن يأخذ أي شكل عملياتي آخر

أما المسؤولون، فإنهم يعتمدون على شعارات بالية حول التحدي والتصدي والمقاومة، لم يعد يأخذها أحدٌ على محمل الجد، لا لأنها من مطرب الحي الذي اعتاد الناس سماع صوته حتى ألفته آذانهم وحسب، بل لأن صوته أيضًا نشاز، ويغني بما لا يؤمن به، ويظهر عكس ما يبطن. الأمر كله لا يتجاوز شهوة الشعار، ولن يأخذ أي شكل عملياتي آخر.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل لم تعد بحاجة إلى صفقة القرن

لقد نجح المستوى السياسي الفلسطيني خلال الخمسة عشر عامًا الماضية في تقليم أظافر الشعب، بل وقطع أصابعه، وهو حائط المواجهة الأول، حتى بات حائطًا آيلاً للسقوط، بفعل كثر النخر فيه وتسلقه بحثًا عن أوهام مكاسب في معركة سياسية، راهن المستوى السياسي على ذكائه في خوضها، وعلى الحق التاريخي، الذي لا يكفي وحده، في عالم تحكمه المصالح، وتسيطر عليه قوة واحدة، على رأسها مجنون أفرزته إحدى لحظات التاريخ السمجة.

كما نجح المال السياسي والانقسام في تدجين "المعارضة" حتى تماهت مع السلطة، وباتت أكثر حرصًا على خطاب السلطة و"مكتسباتها"، بالمعنى الشخصي على الأقل. وهذا ما يجعل النغمة واحدة، والقدرة على سحب "جوكر" المعارضة، كورقة تتقن الدول اللعب بها، ولنا في "إسرائيل" المثل؛ معدومة تمامًا، فلا معارضة حقيقية يمكن الركون إلى مواقفها أمام أي منعطف سياسي حقيقي.

القوة الوحيدة التي ترى القيادة الفلسطينية أنها تملكها، هي القدرة على قول "لا"، وهي قدرة محدودة، إذا علمنا أن ثمنها غالٍ، وليس ثمة من هو مستعد لدفعه. كما أن الوقوف في منطقة الدفاع، لن يمنع الإعصار من أن يقتلعك. ومع ذلك، تظل هذه الـ"لا" أضعف الإيمان، كي لا نوقّع مرة أخرى على صك بيع ما تبقى من كرامتنا.

أما التلويح للمرة الألف بوقف التنسيق الأمني مثلاً، فهو فض مجالس لا أكثر، لإنه إذا تحوّل إلى كلام دول، فهو يعني القضاء نهائيًّا على السلطة.

التلويح للمرة الألف بوقف التنسيق الأمني مثلاً، فهو فض مجالس لا أكثر، لإنه إذا تحوّل إلى كلام دول، فهو يعني القضاء نهائيًّا على السلطة

أما الشعب، الذي ضحى دون حساب، ودفع أكلافًا عالية دون أي مردود على الأرض، إضافة إلى نجاح السلطة في نزع كل الأسلحة من يده، من فصائل ونقابات واتحادات؛ فإنه اليوم يواجه كل ما يحدث بالسخرية، وهي سخرية الضعيف الذي يضحك على نفسه عندما يسقط أرضًا بعد سحب بساط القوة من تحت أرجله، فيرى في كل هذا الهوان والانحدار والضياع، فرصة ملائمة لتفريغ كبته بالسخرية، ولتحويل الشتائم إلى طُرَف، كأقصى ما يستطيع فعله.

اقرأ/ي أيضًا: خطة الصهر اليهودي

هذا الشعب الذي أدرك أنه لن يقبل أن يعمل بالريموت كونترول، لينزل إلى الشارع بناءً على الرغبة، لا بناءً على الواقع، ويمنع بالهراوات إذا رفع رأسه من الخراب ليعلن رفضه للإدارة السياسية لقضيتنا وللفساد والمحسوبية.

لذللك كله، فإن عجز السلطة وضعف الشارع، لن يأخذا أبعادًا أكثر من الشعار الرنان الفارغ، والسخرية الممضّة وغير المنتجة.

ولذلك أيضًا، فإن رب البيت الأبيض سيعلن بكل زهو الرجل الأبيض وفخره خطته، التي يرى أن فيها مصلحة للخاسر، فهو القيّم على عدالة العالم وتحقيق الأمن والسلام فيه.

ما يحدث في البيت الأبيض لا يعدو كونه "رسملة" فقط لكل ما حدث خلال السنوات الماضية، إنه تسجيل اسم المولود في التاريخ، حتى لو كان مشوهًا، أو ميتًا، فكل ما تتحدث عنه بنود الصفقة المسربة هي حقائق على الأرض، تكبر كالغول الذي لم يعد يخاف شيئًا.

في المعارك، أفضل الخطط هي الهجوم، ونحن لا نملك من سلاح الهجوم شيئًا، والمرعب أيضًا أننا لا نملك درعًا واحدة نصدّ بها سهام المؤامرة، لا الأميركية- الإسرائيلية وحسب، بل ومؤامرة الصمت العربي، الذي لا يملك ترف قول "لا"، فالكل في عين المهداف إن خرج عن السرب، والإصبع خفيفة على الزناد، ولنا في المحيط العربي أمثلة بيّنة.


اقرأ/ي أيضًا: 

عزمي بشارة: ترامب نفذ صفقة القرن ويريد تفاوضًا على ما تبقى

ماذا بعد رفض صفقة القرن؟ سيناريو إسرائيلي

بشارة: أضلاع صفقة القرن اكتملت