10-مارس-2020

لم يعد حديث الأزمة المرورية المعتاد وتذمر السائقين داخل مركبات النقل العام في بيت لحم حاضرًا خلال الأيام الاخيرة، فمنذ أن أعلُنِتَ حالة الطوارئ على خلفية الإصابات التي سجلت بفايروس كورونا، وشوارع المدينة تبسط يديها لكل مركبة تعبرها على غير العادة، فهذه بيت لحم بصورة أخرى تشابه ربما أيام الجمعة والأحد في مدينة السلام، أو ربما أعادت الذاكرة إلى أيام "الاجتياح"، إبان الانتفاضة الثانية، ولكن هذه المرة على هيئة المدينة التي تقاوم شبح "الكورونا".

أحوال بيت لحم في هذه الأيام، أعادت الذاكرة إلى أيام الاجتياج، إبان الانتفاضة الثانية

"أبو حسن"، سائقٌ على أحد خطوط النقل العام لإحدى بلدات المحافظة، داخل مركبته يتهامس الجميع حول فايروس كورونا، بينما هو يتذمر من قلة حركة الركاب، ويؤكد أنه واثنين من زملائه فقط عملوا اليوم على هذا الخط. أما الركاب فيتناقلون المعلومات في ما بينهم. إحدى الراكبات تلقي باللوم على وزيرة السياحة وتتساءل: " ليش ما وقفوا السياحة من قبل؟"، بينما سيّدة أخرى تقلل من خطر المرض، وتضيف:" لكن الحذر واجب".

سألت الراكبة "أبو حسن" ممازحة إياه: " ليش مش لابس كمامة؟"، فضحك وقال: "جربت ألبسها شوي بس ما تحملت"، وعلى ما يبدو أن الجميع أفسح المجال لنفسه للاجتهاد حول المرض ذاته والإجراءات الرسمية المتخذة.

اقرأ/ي أيضًا: آنجل - كورونا: شهادات من داخل أشهر فندق في فلسطين

يلحظ المتجول في شوارع المدينة أن نسبة كبيرة من المحلات التجارية أغلقت أبوابها استجابةً لتعليمات المحافظة الهادفة إلى الحد من الاختلاط والاحتكاك، وكذلك البنوك والمؤسسات الحكومية، والكنائس والمساجد والفنادق وغيرها.

محيطا فندقي "انجل" في بيت جالا و"برادايس" في بيت لحم عزلا عن الحركة المرورية وحركة المواطنين، ونشرت الأجهزة الامنية عناصرها هناك.

وعلى صعيد الحركة والتنقل، لم تتغير تعليمات المحافظ بإغلاق كافة المداخل المؤدية إلى بيت لحم، على أن يكون الدخول والخروج للحالات الطارئة فقط. والصورة ذاتها لدى المداخل المؤدية لمناطق الريفين الشرقي والغربي للمدينة.

فندقا "انجل وبرادايس"

قرب فندق "برادايس"، التقينا رئيس بلدية بيت لحم المحامي انطون سلمان الذي كان في جولة تفقدية، حيث أكد لنا أن الأمور تحت السيطرة، وحالة التوتر والذعر بين صفوف المواطنين بدأت تتراجع قياسًا بالأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت إعلان الإصابات، وخاصة بعدما أظهرت الفحوصات الأخيرة أن النسبة الأكبر من العينات التي تم فحصها أظهرت عدم اصابة إصحابها.

وأكد سلمان، أن الإجراءات الاحترازية مطلوبة، "والهدوء والصبر هما مفتاح تجاوز الأزمة".

رئيس بلدية بيت لحم يؤكد أن حالة التوتر والذعر في بيت لحم تراجعت، والأمور تحت السيطرة

في ذات الموقع، تواجد مدير شرطة بيت لحم العقيد طارق الحاج للإشراف على إجراءات عناصر الشرطة عن قرب، وخلال ذلك استمع إلى ملاحظات بعض المواطنين هناك.

وعلى الرغم أن حديث الشارع يدور عن وجود عددٍ من الإصابات داخل فندق "برادايس"، إلا أن وزارة الصحة لم تحدد ذلك بشكل رسمي، بينما تؤكد مصادر مطلعة وجود إصابة واحدة محجور عليها داخل الفندق، إلى جانب عدد من الخاضعين للحجر احترازيًا من غير المصابين.

شاهد/ي أيضًا: بيت لحم في زمن الكورونا

وحتى الساعة السادسة من مساء الثلاثاء، تم الإعلان عن تسجيل 28 إصابة بالفايروس في بيت لحم، إضافة إلى إصابة في طولكرم، بينهم سيدة حامل، وطفلة عمرها سنتان.

من جانبه، أكد أمين سر حركة فتح محمد المصري، أن "الحفاظ على درجةٍ عاليةٍ من المسؤولية مطلوبٌ في هذا المرحلة، والإنسان هو طبيب نفسه بالقدر الذي يحافظ فيه على التعليمات الصحية من تعقيم وحفاظ على النظافة والمسافات".

وأضاف المصري، أن تجربة بيت لحم "تطورت" خلال الأيام الأربعة الماضية، "فبعد 72 ساعة خرجنا من مرحلة الصدمة إلى مرحلة مقاومة الفايروس وعلاجه".

أمين سر فتح في بيت لحم: بعد 72 ساعة خرجنا من مرحلة الصدمة إلى مرحلة مقاومة الفايروس وعلاجه

وأشار إلى مجموعة من المستلزمات الطبية المطلوب تأمينها للحالات المرضية العادية (كمرضى الكلى والسرطان)، وللطواقم العاملة في الميدان من مواد التعقيم والكمامات.

 وانتقد عمل بعض المؤسسات الحكومية مثل المحاكم دون إجراء عمليات التعقيم.

وأضاف المصري، "من الطبيعي أن إعلان حالة الطوارئ هي إجراءات متطرفة، لكن رغم ذلك فإن هذه الإجراءات أوقفت انتشار الفايروس، وهذا هو الأهم".

ورأى أنه من المبكر تحميل جهةٍ محددة أو شخصٍ بعينه المسؤولية على انتشار الفايروس، "بل الأولى حاليًا أن نعطي وزارة الصحة المساحة الكافية لممارسة دورها، وأن لا يحاول أحد اتخاذ مكانها، فالأطباء هم الأقدر على تشخيص الحالة الصحية" كما قال.

سألنا المواطنين في بيت لحم عن الأوضاع في المدينة، وكيف قضوا أيامهم الماضية.

جبريل دعرة، صاحب أحد المتاجر القريبة أفاد لنا بضعف الحركة التجارية، لكنه أكد في الوقت ذاته أن حركة البضائع ما زالت على حالها، والمتاجر لم تشهد نقصًا في المواد اللازمة من الموردين، دون أن يخلو الأمر من بعض التشويش على تنقلاتهم الاعتيادية.

الحركة التجارية في بيت لحم ضعيفة، لكن حركة البضائع مازالت على حالها

مهدي شرباتي، صاحب متجر آخر قال لنا: "الحركة رايقة، لكن وجودنا في محلاتنا مطلوب لتلبية احتياجات المواطنين في المدينة، في حال وجودها".

محمود أبو طربوش، من سكان مخيم بيت جبرين (العزة) الذي يقع قُبالة فندق "برادايس"، اعتبر أن الإجراءات "مبالغٌ بها، وتبعاتها الاقتصادية خاصة على العمال وموظفي القطاع الخاص ستكون صعبة"، هذا مع قناعته بأن الوقاية خير من العلاج.

أما في محيط فندق "انجل"، وهو الذي تم اكتشاف أولى الإصابات فيه، فقد حظي مشهد مغادرة الوفد الأمريكي من الفندق بعد حجر استمرَّ أربعة أيام باهتمام إعلامي كبير، فالوفد المكون من 14 أمريكيًا غادر إلى بلاده بعد تأكيد خلوهم من الإصابات بالفايروس، حيث كانوا قد نشروا صورًا خلال فترة الحجر من داخل الفندق، وأرفقوها بتعليقات شكر وعرفان للشعب الفلسطيني لما تم تقديمه لهم.

محمد سرحان، أحد المصابين بالفايروس، يخضع للحجر في إحدى غرف الطابق الثالث الذي خصص لهم، يؤكد أن حالته الصحية كما بقية زملائه بخير، وأنَّ أعراض المرض لم تظهر عليهم، لكنه طالب بأن يكون إشراف الطاقم الطبي عليهم متواصلاً تحسبًا لظهور أي أعراض.

وأشار سرحان إلى أن الطبيب المقيم في الفندق أجرى فحصًا لحرارة المصابين "على باب الغرفة".

لم تظهر أعراض فايروس كورونا على المصابين به في بيت لحم، ووزارة الصحة تؤكد أنهم بحاجة لمتابعة طبية لا أكثر

يأتي ذلك بينما يؤكد الجانب الطبي في وزارة الصحة أن المحجور عليهم يحتاجون فقط إلى متابعة طبية لا أكثر، طالما أن أعراض المرض لم تظهر عليهم، وأن التدخل الطبي يكون في حالة ظهور هذه الأعراض.

الإشاعات أخطر من الفايروس

خلال الأسبوع الجاري، اعتقلت الأجهزة الأمنية شخصين من الخليل وثالث من بيت لحم ورابع من نابلس، بسبب ترويج شائعات بانتشار فايروس كورونا وإصابة العشرات به.

ووفق جهاز الأمن الوقائي، فإن الاعتقال جاء على ضوء التعليمات الصارمة بملاحقة من يروج الإشاعات، "لما لها من تأثير مدمر على معنويات أهالي المحافظة".

وتُعدُّ الشائعات من أبرز المعضلات التي رافقت أزمة فايروس كورونا في فلسطين منذ بدايتها، حيث تم تداول شائعات عن إصابات كبيرة، ونشر هويات المصابين، والادعاء بانتقال المرض إلى محافظات غير بيت لحم وطولكرم.

توقيف 4 أشخاص من الخليل وبيت لحم ونابلس بسبب نشر شائعات حول انتشار فايروس كورونا

فحص كورونا ليس لمن يريد أن يطمئن

في الوقت الذي يتداول فيه كثيرون أسماءً على أنها لمصابين بفايروس كورونا، تصر وزارة الصحة على أنها الجهة الوحيدة المخولة بإعلان أعداد المصابين وتحديثها، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لن تخفي عن الجمهور أية معلومة في هذا الإطار، خاصة أن ذلك سيضعها أمام مساءلة منظمة الصحة العالمية التي تلزم "بروتوكولاتها" كل الدول الأعضاء بالإعلان عن أعداد المصابين والإصابات الجدد دون تكتم.

وفي ظل أن الفايروس يشغل كل أبناء بيت لحم، فإن هاجس الإصابة به بات يُسيطر على نسبة كبيرة من المواطنين، وهو ما تؤكده سيل المكالمات التي يطالب أصحابها بإجراء الفحص من أجل الاطمئان على صحتهم، وقد رافقت ذلك انتقاداتٌ للمديرية بعد التجاوب مع كل هذه الطلبات.

اتصالات كثيرة تتلقاها وزارة الصحة في بيت لحم لإجراء فحوصات من أجل الاطمئنان على الصحة

وفي هذا الإطار، قال مدير الشؤون الصحية في مديرية صحة بيت لحم شادي اللحام، إن فحص الكورونا يجرى فقط لمن تأكد تواصله المباشر مع أحد المصابين، وأن الوزارة تعمل ضمن منظومة خاصة في هذا الإطار ضمن محددات ومعايير طبية عالمية، مضيفًا، "نحن لا نجري الفحص لمن يريد مجرد الاطمئنان، لأن هذا يستنزف عمل الطواقم التي لديها أولويات في مواجهة الفايروس والحد من انتشار".

وأوضح اللحام، أن الإجراءات الطبية تتم "بسريّة تامة" لضمان خصوصية المشتبهين بالإصابة، مؤكدًا أن إجراءات الحجر المنزلي لا تعني أن المحجور عليه مصابٌ بالفايروس، وإنما مجرد إجراء احترازي يهدف لوقف انتشار المرض.

وزارة الصحة: الحجر المنزلي لا يعني أن المحجور عليه مصابٌ بالفايروس، وفحص كورونا لا يتم لمجرد الرغبة بالاطمئنان

السياحة توقفت بالكامل

في الساعات الأولى لإعلان حالة الطوارئ، نُشِرَت عبر مواقع التواصل مقاطع فيديو يدعي ناشروها أن الحافلات السياحية ما زالت تصل الفنادق، لكن مصادر في القطاع السياحي أفادت بأن الحافلات التي شوهدت هي فقط التي أعادتها "إسرائيل" بعد مغادرتها للفنادق الفلسطينية، بسبب عدم استكمال إجرءات السفر الخاصة بها. هذه المصادر أكدت لاحقًا، أن السياح غادروا تباعًا، وأن بيت لحم أصبحت الآن خاليةٌ من السياح استجابة للإجراءات المتبعة.

الكمامات ومعقم اليدين

على الرغم من تأكيد وزارة الصحة، في نشراتها التوعوية، أن الكمامات ليست حلاً سحريًا لمنع الإصابة بالمرض، وأن ارتداءها مطلوبٌ فقط لمن يشعر بأعراض السعال والعطس حتى لا ينقل العدوى للآخرين، إلا أن التهافت على شرائها مازال مستمرًا، مما خلق أزمة حقيقة في هذه الكمامات، كذلك الحال مع معقمات اليدين التي يكاد اليوم لا يخلو منها جيب أي مواطن في بيت لحم.

هذه الحالة جعلت من الصيدليات وبعض موردي هذه المواد عرضة للانتقاد اللاذع، في ظل شكاوى من الاستغلال في الأسعار، ومطالبات للحكومة بتوفير هذه المستلزمات على الدوام.

وكانت غرفة التجارة والصناعة في الخليل من أوائل المبادرين لإرسال شحنة تضامنية إلى بيت لحم، شملت مستلزمات مشابهة، وعلى نهجها سارت جهات عديد في خطوات تضامنية ومساعدات عينية.

أعمال تعقيم متواصلة

منذ اليوم الأول للأزمة، تداعت جهات الاختصاص إلى تعقيم المرافق العامة ووسائل النقل العام.

وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم وزارة النقل موسى رحال، أن الوزارة بدأت تعمل على تعقيم الحافلات السياحية ووسائل النقل العام، في إطار الإجراءات الاحترازية المتبعة.

يتواصل تعقيم حاويات القمامة ووسائل النقل العام في بيت لحم

من جانبه، أكد رئيس مجلس الخدمات المشتركة في بيت لحم إياد أبو ردينة، أن أعمال تعقيم حاويات القمامة تتم بشكل متواصل للحيلولة دون انتقال الفايروس.

مستشفى في 4 أيام

خلال 4 أيام تمكنت وزارة الصحة من تجهيز مستشفى خاص لاستقبال المصابين في مقر "مركز علاج الإدمان في بيت لحم". المركز تم تجهيزه بكافة الأسرّة والأجهزة الطبية اللازمة لنقل المصابين إليه في حال ظهور الأعراض عليهم.

تلاحم اجتماعي

وعلى قدر ما أظهرته هذه الأزمة من توتر عام، فقد أظهرت حجم التلاحم الاجتماعي الذي يسود الحالة الفلسطينية، فالمطاعم وأصحاب المتاجر ورجال أعمالٍ أطلقوا مبادراتٍ عديدةٍ وبدأوا يتنافسون على إرسال الوجبات أو المساعدات العينية للعائلات المحجور عليها منزليًا، أو أفراد الأجهزة الأمنية والطواقم الميدانية للمؤسسات المختلفة، في مشهد يؤكد أن هذه الأزمة ستمر وستبقى بيت لحم ثابتة.


اقرأ/ي أيضًا: 

كيف تواجه الخليل فايروس كورونا؟

يوميات في الحجر الصحي.. عائلة فلسطينية في بكين