18-أكتوبر-2017

محطة قطارات القدس - صورة من عام 1900

قبل 125 عامًا دخل قطار القدس – يافا الخدمة، كان ذلك بتاريخ 26 أيلول/سبتمبر من عام 1892، ليشكل ثورة يصعب تصورها في تلك الأيام، ويدخل في الوقت ذاته تغييرات جدية ملحوظة في المنظر العام بمدينة القدس، وفي الحركة، ووتيرة الحياة. ورغم الحقائق التي تؤكد إنجاز المشروع خلال السيادة العثمانية الكاملة على فلسطين، إلا أن إسرائيل تحاول سرقة الإنجاز الذي يكبرها بأكثر من نصف قرن.

تزعم إسرائيل، أن المبادرين لطرح فكرة إنشاء قطار القدس – يافا، هم الثري اليهودي البريطاني والصهيوني موسى منفيوري، ولاحقًا يوسيف نفون والد جد الرئيس الإسرائيلي الخامس إسحاق نفون، إلا أن الحقائق التاريخية تؤكد أن شركات عديدة تقدمت لنيل امتياز إقامة السكة الحديدية من السلطات العثمانية التي كانت ترفض شروط تلك الشركات، لأسباب مختلفة من بينها مبررات اقتصادية.

تحاول إسرائيل نسب قطار القدس – يافا لشخصيات صهيونية، رغم الحقائق التي تؤكد أنه كان قرارا عثمانيا كاملا

كانت الشركات المبادرة بمشاريع إنشاء سكة الحديد تطالب السلطات العثمانية بتقديم ضمانات اقتصادية لها، إذ توقعت جني نسبة ما من الأرباح، وأرادت الحصول على ضمانات في حال لم تحققها، لكن السلطات العثمانية ردت دائمًا بالرفض، وقد كان من بين الذين حاولوا الحصول على الامتياز؛ الصهيوني نفون، لكن طلبه قوبل بالرفض لأنه لم يكن يملك المال لإنشاء هذا المشروع.

اقرأ/ي أيضًا: سجن الفارعة.. هل تنهي التحديثات عذابات عقود

في نهاية الأمر، أخدت شركة فرنسية على عاتقها تنفيذ المشروع بعد رضوخها للشروط العثمانية، بعد أن أجرت دراسة جدوى للمشروع؛ أظهرت أن الاستثمار في قطار القدس حتى بدون الحصول على ضمانات من السلطات العثمانية سيحقق أرباحًا، وكان ذلك مشروع رأسماليًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فحصلت الشركة الفرنسية على الامتياز، وكانت نسبة الدولة من الأرباح محفوظة.

الشرط الآخر، الذي كان سببًا في رفض مقترحات الشركات التي طرحت على العثمانيين إنشاء سكة الحديد، هو الفترة الزمنية التي حددتها الدولة العثمانية لإنجاز المشروع، إذ كانت الدولة تشترط إنجاز المشروع في فترة زمنية لا تتجاوز عامًا ونصف، وبالفعل نجحت الشركة الفرنسية في الوفاء بهذا الشرط.

حفل إطلاق القطار في أيلول/1892

يقول يرون لندن، وهو مقدم برامج سياسية مخضرم في إسرائيل، إنهم حتى الآن، لا ينجحون في إسرائيل في إنجاز مشروع بهذا الحجم في سنة ونصف، علمًا أن مشروع القطار الخفيف داخل أحياء القسم الغربي المحتل من القدس، الذي أقيم بعد 120 عامًا من إنشاء سكة الحديد، استغرق أضعاف الفترة المذكورة.

إنشاء سكة حديد يافا – القدس انتهى خلال وقت قياسي تحتاج إسرائيل حتى يومنا هذا أضعافه من أجل إنهاء مشاريع أقل منه

وكانت سكة حديد القدس - يافا مشروعًا غير مسبوق في فلسطين، وقد كان من الصعب العثور على عمال ذوي خبرة في هذا المجال، فتم جلبهم من مصر والسودان، وجرى جلب القطار الأول محمولاً على سفينة ضخمة، ولم يكن في فلسطين ميناء يتسع لها، فأقيمت سكة حديد خاصة ومؤقتة داخل ميناء يافا، اخترقت مياه البحر من أجل الوصول إلى السفينة لإنزال القطار وجره للمحطة الأولى.

مد سكة حديد من ميناء داخل البحر لإنزال القطار من السفينة

وسكة الحديد بين يافا والقدس، كانت من أوائل مثيلاتها في "الشرق الأوسط"، وقد كان قياس السكة يتسم بالضيق نوعًا ما، حيث تم إنشاؤها على قياس 1000 ملم (3 قدم 3 3/8 بوصة) مع وجود العديد من المنحنيات الضيقة والانحدارات. وقد كان الجزء الشرقي من الخط بين دير آبان (بيت شمش وفق التسمية الإسرائيلية بعد احتلالها) والقدس يتسم بالمسارات الحادة والمتعرجة.

اختصر قطار القدس – يافا الوقت الذي يحتاجه المسافرون بين المدينتين، وأسهم في نقل بضائع من الجانبين، وتطوير العمران في القدس

وفي ذلك الحين، استغرقت الرحلة بالقطار من يافا إلى القدس، من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وفي حال وقوع أعطال كانت تمتد الرحلة إلى ست ساعات، في حين كان السفر من خلال عربات الخيل يستغرق تسع ساعات.

ازدهار محطة القطار في القدس - صورة من عام 1905

وإلى جانب ذلك، كان القطار يحتوي على عربات مخصصة لنقل البضائع من يافا إلى القدس، ثم في طريق العودة، كان القطار يحمل المياه من قرية بتير لتخزينها قرب يافا في خزانات كبيرة.

وكان تأثير القطار كبيرًا على القدس، وقد أحدث تغيرّا وتطورًا جذريًا في نمحط البناء بالمدينة، إذ اتجه نحو العصرية بفضل مواد البناء الجديدة التي حملها القطار من ميناء يافا إلى القدس.

محطة القطار في الرملة قيد الإنشاء عام 1891 – المصدر:  HISTORICAL RAILWAY IMAGES
 محطة القطار في دير ابان قيد الإنشاء عام 1891 – المصدر: HISTORICAL RAILWAY IMAGES
محطة القطار في يافا – المصدر: HISTORICAL RAILWAY IMAGES
سكة الحديد قرب بتير – المصدر: HISTORICAL RAILWAY IMAGES
قطار القدس – يافا بين دير الشيخ ودير ابان – المصدر: HISTORICAL RAILWAY IMAGES

اقرأ/ي أيضًا: 

معركة الدريجات.. قاتلوا حتى نفذت ذخيرتهم

ثورة البراق.. حين قال الفلسطيني كلمته

اغتيال عند باب الأسباط