24-سبتمبر-2018

صورة أرشيفية: حفل زفاف رجل وامراة من اليونان لاجئين في غزة

"منذ كنا أطفالاً كانوا يقولون لنا (أولاد اليوناني) ولم أكن أفهم لماذا. عندما أصبحنا شبابًا تحدث لنا أبي بقصته الحقيقية، وأن له أخٌ راهبٌ في الكنيسة، وأخٌ قُتل من جيش ماسوليني الإيطالي. حدثنا أيضًا عن جدتي بائعة الخضار في العاصمة اليونانية أثينا". يدور الحديث هنا عن اليوناني أليس ماركيوس، الذي أتى إلى النصيرات لاجئًا في أربعينات القرن العشرين، وهناك اعتنق الإسلام وأصبح اسمه أحمد البنا، وتزوج من ابنة تاجر فلسطيني تعود أصوله لمدينة يافا.

نجله مصطفى (62 عامًا) يعيش في الإمارات منذ (40 عامًا) ويروي لنا أن والده كان يتنقل بين القدس ويافا وغزة، وقد اعتنق الإسلام في عام النكبة 1948، ثم عاش في مخيم ما بين حي الدرج وحي الشيخ رضوان، قبل أن توافيه المنية عام 1998.

لاجئون أتوا من إيطاليا واليونان إلى غزة في أربعينات القرن العشرين، أحدهم بقي فيها وتزوج فلسطينية

ماركيوس، أو أحمد البنا، هو اللاجئ الوحيد الذي بقي في غزة من بين آلاف اللاجئين الأوروبيين الذين أتوا إلى فلسطين في أربعينات القرن العشرين، أغلبهم من اليونان وإيطاليا، وقصدوا تحديدًا مدينة غزة التاريخية التي امتدت حدودها آنذاك حتى حدود بئر السبع، ويافا.

اقرأ/ي أيضًا: أكراد غزة أتوها تجارًا ومجاهدين.. كيف حالهم الآن؟

ماركيوس، سبقته إلى الاندماج بالفلسطينيين، ماريا اليونانية، وهي اللاجئة الأوروبية الوحيدة التي تزوجت فلسطينيًا، هو عبد الله أبو مهادي، غزي من مواليد 1907 من أصول بدوية، كما يقول وليد أبو عريبان مختار العائلة الحالي. وعبد الله تعود أصوله لقبائل الحناجرة البدوية، وكان ممن بنوا علاقات جيدة مع اللاجئين الأوروبيين ويعرفهم على طبيعة الثقافة البدوية.

تحدث أبو عريبان أن الجيش البريطاني أنشأ مستشفى عسكريًا كان على هضبة تكشف مناطق الشرق والغرب، وسمحوا لمهندسين إيطاليين كانوا مع اللاجئين ببناء خمسة بيوت على طريقة العمارة الإيطالية، هُدم واحد منها في الستينات، وهدمت ثلاثة منها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وبقي واحد.

[[{"fid":"74424","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":507,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

عبد الله أبو مهادي

تزوجت ماريا من أبو مهادي في ربيع 1944، وكان في الثلاثينات من عمره، وأنجب منها علي. بعد عامين وفي مطلع عام 1946 قررت الكنيسة الارثوذكسية إعادة اللاجئين، لكن ماريا لم تقبل بذلك، فاعتبرتها الكنيسة خارجة عن طاعتها، وحاول زوجها الاعتراض على الطلب، فتعرض للسجن سنة في سجن نور شمس بمدينة طولكرم، ثم بعد خروجه فقد أثرها.

ماريا، لاجئة يونانية في غزة، تزوجت فلسطينيًا، ثم أجبرتها الكنيسة على العودة لبلادها فأخذت ابنهما بينما هو في السجن

حاول أبو مهادي الوصول لزوجته ماريا على مدار أعوام، فتوجه إلى الكنيسة وأشهر مسدسه على أحد رجال الكنيسة ويُدعى فهمي حاكورة، وأجبره على أن يرسل رسالة بخط يده لها. وفي عام 1956 وصلت رسالة من ماريا لتطمئنه عليها، وتخبره فيها أنها لن تتزوج، وأنها تحبه وتعتني بابنهما علي، وتود منه أن يكون سعيدًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تكونت مخيمات اللجوء في غزة؟

يقول المختار أبو عريبان لـ الترا فلسطين: "منطقة النصيرات كانت تسكنها القبائل البدوية، لكن كانت معروفة كمنطقة آمنة من يدخلها يعيش في أمان. وعندما دخل اللاجئون الأوروبيون تعلموا من أهلها بعض كلمات العربية، ونحن تعملنا منهم بعض الكلمات اليونانية والإيطالية، لكنهم لن ينسوا كيف كانوا أسرة معنا ومنهم ودع غزة بالدموع".

لكن ما هي قصة هؤلاء اللاجئين؟ ولماذا اختاروا غزة ملاذًا لهم؟ كان ذلك في أواخر الحرب العالمية الثانية، تحديدًا عام 1944، وهم في الأصل يونانيون، وإيطاليون هربوا من نظام الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني، وقليل منهم ينتمون إلى دول شرق أوروبا، وقد هربوا من القوات الإيطالية، واختاروا عدم اللجوء لدول شمال أفريقيا التي كانت تشهد معارك ومواجهات مع القوات الألمانية بقيادة إرفين رومل الملقب بثعلب الصحراء.

أقام اللاجئون على أرضٍ تعود لعائلتي أبو عريبان وأبو مهادي في النصيرات بغزة، أقيمت عليها الخيام ومستشفى عسكري ومكان مخصص للترفيه.

اللاجئون الأوروبيون الذين أتوا إلى غزة أواخر الحرب العالمية الثانية حازوا رعاية كبيرة من أبنائها، وودعوا غزة بالدموع بعد الحرب

في كتاب "The Empire Patrol Disaster" الذي نُشر عام 1995 باللغتين الإنجليزية واليونانية، يذكر الكاتبان اليونانيان بول إي بوياتزيس، ونيكولاس جي باباس، أنه تم توفير خيام للاجئين في منطقة النصيرات برعاية بريطانيا التي كانت تحكم فلسطين وقتها، وقد اختلط اللاجئون بأبناء المنطقة الذين منحوهم طعامًا وأغطية، وقد أقام كثير من اللاجئين حفلات زفافهم في غزة، ولهم ذكريات جميلة فيها.

اقرأ/ي أيضًا: كلمات فرعونية في لهجتنا الفلسطينية

سجل اللاجئ اليوناني آرثر أثانز ذكرياته حول تلك الأيام، وقال فيها إنهم عندما وصلوا إلى منطقة النصيرات في غزة، "كانت معسكرًا كبيرًا للغاية فيه الكثبان الرملية مع خيام وأجنحة عسكرية مجلفنة، ومكثت مع والدتي وأشقائ، غليكريا وكاتينا، تقاسمنا خيمة مع عائلة أخرى، لكن في الليلة الأولى واجهنا عاصفة رملية ففقدنا الخيمة، واتجهنا للسكن بجناح عسكري قريب".

وتحدث أثانز أن الإقامة كانت جميلة بالمقارنة مع المخيمات التي أُقيمت للاجئين آخرين في دولٍ مختلفة، مبينًا أن "الناس من القبائل البدوية كانوا طيبين وعاملوهم معاملة أصحاب الأرض، وكانوا كرماء معهم ويصحبونهم للجلوس في سهراتهم بالقرب من خيولهم والجمال".

وأضاف أنه خلال إقامتهم في المخيم أُقيمت مدرسة ومركز طبي، وحضر ممثلون عن الكنيسة الأرثوذكسية وكانوا يصحبونهم لزيارة المقدسات في مدينة القدس.

عملت لاجئات أوروبيات في صناعة الملابس، حتى أن الأمير اليوغوسلافي بيتر الثاني زار المخيم وأُعجب بجمال الأزياء التي صممنها، وتبرع بثلاثة آلاف ليرة فلسطينية لشراء الصوف وتهيئته لاحتياجات اللاجئين، ثم زار المخيم بعدها رئيس الحكومة اليونانية سوفلاكيس.

ونشر موقع "كاستيلوريزو" - وهو موقع تاريخ عائلة الجزيرة اليونانية - بعضًا من صور اليونانيين واللاجئين الأوروبيين في غزة بالتفاصيل، وبين فيها الأفراح التي أقامها اللاجئون الأوروبيون بحضور ممثل عن الكنيسة الارثوذكسية، وصورًا أخرى بداخل النصيرات.

[[{"fid":"74423","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":331,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

[[{"fid":"74420","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":501,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

[[{"fid":"74421","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":437,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

[[{"fid":"74422","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":368,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]


اقرأ/ي أيضًا:

طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة

روسيات في غزة: كيف الحياة؟

مسيرات العودة تصبغ أجانب بألوان الثورة