24-نوفمبر-2019

قبل 98 عامًا، أُنشِئت مدرسة دورا الأميرية في غرفةٍ ملحقةٍ "بمقام النبي نوح" التاريخي، وخلال عمرها الذي يقترب من إتمام القرن، كبُرت المدرسة على قمة جبلٍ يُشرف على الساحل الفلسطيني يُعرف باسم "جبل المدارس".

انطلقت مدرسة الرازي من غرفة ملحقة بمقام النبي نوح التاريخي في مدينة دورا

في جنوب الخليل، وُلِدت مدرسة دورا عام 1921 من غرفةٍ صغيرة، في موقع تاريخي يُعرف باسم "مقام النبي نوح"، وإضافة لهذه الغرفة كان سكنٌ للمبيت مرفقٌ بالمدرسة والمسجد للطلبة القادمين من القرى البعيدة، لتكون أول مدرسة تخدم دورا وريف جنوب غرب الخليل قبل النكبة.

الغرفة التي انطلقت منها مدرسة الرازي

قدمت مدرسة دورا خدماتها في المسارين الأكاديمي والمهني، فإلى جانب تعليم أساسيات اللغة العربية والرياضيات، كانت المدرسة تُقدم مسارات تعليم مهنية في المجالين الصناعي والزراعي، وفق ما أفادنا به مديرها الحالي نضال نصار، مبينًا أن المدرسة علَّمت أساسيات الزراعة والاعتناء بالقطاع الحيواني وأساليب التعامل مع منتوجاته، إضافة لأساسيات الحرف اليدوية كالخياطة والنجارة والحدادة.

يرى نصار، أن تعليم هذه المهارات والحرف في ذلك الوقت يؤكد أن التعليم كان جزءًا أصيلاً من الهوية الفلسطينية آنذاك.

حجر الأساس لمدرسة الرازي - عام 1932

استمرت المدرسة قائمةً في "غرفة ولادتها" حتى مطلع عام 1932، حيث بدأ بناء مبنى المدرسة القائم حاليًا، ثم اكتمل البناء عام 1937 بالوصول إلى مبنى حجري من طابقين، محفورٌ عليهما التفاصيل التاريخية لإنشاء المبنى، إذ تم البناء في عهد "المندوب السامي" البريطاني، الجنرال ارثر واكوب.

آنذاك، شهدت المدرسة زيادة ملحوظة في عدد الطلاب والصفوف، حتى تحولت لمدرسة ثانوية مع بدء العام الدراسي 1953/1954. وبدأت المدرسة تعقد امتحان "المترك" في عام 1959، ثم عقدت أول امتحان ثانوية عامة في العام الدراسي 1961/1962.

يُبين نصار، أن المدرسة انقسمت إلى مدرستين ابتدائية وثانوية مطلع عام 1963، ومنذ ذلك الوقت، تشغل المدرسة الابتدائية المبنى الذي أُقيم في ثلاثينات القرن العشرين، وتحتفظ باسم مدرسة دورا الابتدائية، حتى شهر آذار/مارس 1975 حيث تبدل اسمها إلى مدرسة ذكور الرازي، مبينًا أن 700 طالب يلتحقون بالمدرسة الابتدائية سنويًا.

وعلى امتداد العقود التالية ألحقت بالمدرسة مبانٍ إضافية، وفق حاجتها من غرف صفية ومرافق. وهي تتكون اليوم من مبنيين رئيسيين إضافةً لمركز مصادرٍ ملحق بها، وهو مخصصٌ أكاديميًا وصحيًا للطلبة ذوي الإعاقة، وكذلك غرف أرشيف تابعة لوزارة التربية والتعليم.

تتكون مدرسة الرازي من مبنيين رئيسيين، إضافة لملحق مخصص أكاديميًا وصحيًا للطلبة ذوي الإعاقة

ويوضح نصار، أن المدرسة "تُحافظ ضمن رسالتها على تعزيز شعور انتماء الطالب الفلسطيني لقضيته"، ومن ذلك تسمية كافة الغرف الإدارية والصفية بأسماء قرى مُهجرة خلال النكبة، وكذلك الفعاليات الدورية التي تُقام في المدرسة في كل مناسبة وطنية.

أسماء الغرف الصفية والإدارية في مدرسة الرازي تحمل أسماء قرى مهجرة
أسماء الغرف الصفية والإدارية في مدرسة الرازي تحمل أسماء قرى مهجرة
أسماء الغرف الصفية والإدارية في مدرسة الرازي تحمل أسماء قرى مهجرة

ويُضيف، أن مكتبة عامة أُلحِقت بالمدرسة عام 2011، تضم حوالي 20 ألف كتابٍ "أُنشِئت لتخدم المدرسة والمجتمع المحلي"، لكنها تعاني من نقصٍ في الكوادر التي تُدير المكتبة وتُصنف الكتب فيها.

وتابع، "نحتاج لتضافر الجهود بين مؤسسات الحكم المحلي ووزارة التربية لتأمين طاقم من ذوي الكفاءة يتقاسم أعباء إدارة المكتبة، يجعلها قادرةً على تقديم خدماتها على أكمل وجه".

نصار مدير المدرسة، كان أحد طلابها، وكذلك معظم مدراء المدرسة والمعلمين فيها كانوا من طلابها، كما أن مكتبتها أُنشِئت بمبادرةٍ من أحد خريجيها النازحين إلى الأردن. وعلى امتداد تاريخها خرّجت مدرسة الرازي، كوكبة من الوجوه التربوية والثقافية في محافظة الخليل.

معظم مدراء مدرسة الرازي والمعلمين فيها كانوا من طلابها

جمال عمرو، محاضرٌ في جامعة بيرزيت وباحثٌ متخصص في شؤون القدس، كان أحد طلاب مدرسة الرازي يومًا. عندما سألناه عن ذاكرته حول المدرسة، قال إنها تتميز بمعمارٍ جميلٍ كونها بنيت من الحجر الوردي الطبيعي "الذي جعلها متفردة بعراقتها وجمالها" وفق قوله.

المبنى الأقدم لمدرسة الرازي

وبيّن عمرو، أن مدرسة الرازي تميزت بتطور بنيتها التحتية مقارنة مع البنى التحيتية للمؤسسات في سنوات إنشائها، موضحًا أن معمار المدرسة كان مستمدًا من طبيعة البناء في المنطقة المحيطة بها، بما يتوافق مع الذوق المعماري لأهل المدينة الذين تميزت بيوتهم القديمة باستعمال الأقواس والشرفات.

واستدرك، "لكن شرفات مدرسة الرازي تميزت معماريًا بارتفاع أقواسها الذي يُضفي هيبة تليق بالمؤسسة التعليمية الأهم في منطقتها خلال تلك الحقبة من الزمن".

وأشار عمرو إلى أن هذه الشرفات كانت محاطة بما أسماها "شربات" ورديت اللون، محفورة يدويًا بمقاساتٍ وإيقاعاتٍ هندسية موحدة "وبإتقان لافت". تمتاز المدرسة أيضًا منذ نشأتها ببيئة واسعة وغنية جماليًا تُعززها حديقتها وإطلالتها وما تمتعت به منذ نشوئها من مساحات حرة.

يُذكر أن مدرسة الرازي محاطة الآن بمدارس عديدة ذات مباني حديثة، وتقع على جبلٍ يُعرف اليوم باسم جبل المدارس، إلا أن مدرسة الرازي ظلّت قادرة على لفت انتباه كل من يزور المنطقة متقدمة على بقية المدارس.


اقرأ/ي أيضًا: 

صور | فقيقيس.. حكاية قرية عمرها 300 عام

الحياة تعود لقصر عمره 600 عام ويصبح فندقًا

الظاهرية.. غنية بالآثار فقيرة بالزوار