04-يوليو-2018

قبل عامين من الآن، كانت لوحات الفسيفساء المنحوتة على شكل مكعبات صغيرة الحجم، بألوانٍ مبهجة، على جدران دير القديس هيلاريون أكثر بروزًا ووضوحًا، لكنها اليوم أصبحت صفراء باهتة، وقد نمت عليها الأعشاب الضّارة.

ووفق وزارة السياحة بغزة، فقد بدأت منذ أشهر أعمال ترميم جديدة لدير القديس هيلاريون، الذي يعد من أهم الأماكن التاريخيّة في جنوب فلسطين منذ القرن الرابع الميلادي، وجرى اكتشافه رسميًّا عام 1997، لكنه لم ينل القسط الكافي من الاهتمام على مدار السنوات الماضيّة.

أعمال ترميم تجري لدير القديس هيلاريون الذي أُقيم في القرن الرابع الميلادي قرب دير البلح

ويقع الدير على تلة مرتفعة من الكثبان الرمليّة قرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ويبعد عن ساحل البحر 500م تقريبًا، ويرتفع بنحو 22م. واستنادًا إلى حالة الموقع الأثريّة في النصوص القديمة، فقد أظهرت التنقيبات وجود أكبر الأديرة التي لم يُعثر على مثلها في فلسطين من حيث المساحة والتصميم.

اقرأ/ي أيضًا: آثار غزة.. من يمنع التخريب والسرقات؟

"الترا فلسطين" حاور، فضل العطل، المختص بترميم وصيانة الآثار، والقائم بأعمال البعثة الفرنسيّة القائمة على ترميم الدير في غزة. أوضح العطل، أن "القديس هيلاريون" المولود في منطقة "خربة أم التوت" الواقعة إلى الجنوب من مصب وادي غزة، أنشأ أول دير في فلسطين بعد تعلمه الرهبانيّة في الإسكندريّة على يد أنطوني المؤسس الحقيقي للرهبنة في مصر، وبنى الدير قرب مدينة "الدارون" في ذلك الوقت، والتي تدعى الآن "دير البلح" سنة 329 م.

وفي جولة قام بها "الترا فلسطين" مع خبير الآثار، أظهرت أن  كل ما تبقى من الدير هي أعمدة أسطوانيّة مبنيّة من البازلت شديدة الصلابة، وبقايا الكنيسة، ولوّحات فنيّة منحوتة من الفسيفساء، وبقايا توابيت، وحوّض التعميد وبركة أسماك مهجورة، وبقايا غرف فندقيّة كانت محط جنسيات مختلفة.

[[{"fid":"72527","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":394,"width":594,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

[[{"fid":"72536","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"10":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"10"}}]]

[[{"fid":"72529","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":348,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

ويؤكد العطل، أن المشروع الجاري حاليًّا، ما هو إلا محاولة لحمايّة المكان من عوامل التعريّة، وهو ما زال في مراحله الأولى لتهيئة الدير للزوّار. ويعمل في المشروع  80 عاملاً بينهم خبراء آثار، وخبراء دوليون، إضافة إلى خريجو أقسام التاريخ من الجامعات بقطاع غزّة لتدريبهم على عمليات الترميم.

وتجري عملية الترميم، بحسب العطل بالعمل على تنظيف الموقع من الأعشاب والأتربة أولاً، وغسل الأجزاء الحجرية بالمياه المقطرة، ثم إعادة بنائها باستخدام الأدوات الأوليّة المتوفرة، كما أن الترميم يتم باستخدام أحجار صخريّة، ثم يُنقش عليها باستخدام الطرق اليدوية.

[[{"fid":"72530","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":330,"width":660,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

[[{"fid":"72531","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

ويُرجع العطل انحسار الأماكن الأثريّة بغزة، إلى الزحف العمراني، الذي تسبب في تعريض مواقع أثرية يمتد عمرها إلى 4 آلاف و500 سنة إلى الاندثار، ويشمل ذلك أسوارًا وأعمدة من العصر البرونزي، وقطع فسيفساء بيزنطيّة ملوّنة، كان يزخر بها الساحل، منوّهًا إلى أن رفات عدد كبير من رجال الدين المسيحيين وغيرهم لا تزال موجودة داخل الدير، وأن عملية الترميم بحاجة لكفاءات لاستخراج الآثار منه بطريقة صحيحة.

الزحف العمراني في غزة عرّض مواقع أثرية عمرها أكثر من أربعة قرون إلى الاندثار

ويتكون الدير من مجموعات معماريّة، محاطة بسور خارجي من الحجر المهندم المسنود بدعامات حجريّة، وتشمل مساحة قدرها (137م×75م)، إضافة لاحتوائه على مجموعة من القاعات والغرف والممرات عددها (245) غرفة، تعود أدوار بنائها إلى مراحل زمنيّة عديدة، وتقدر مساحته بحوالي 20 دونمًا، وفق ما شرحت لنا، هيام البيطار، المسؤولة عن قسم الدراسات في وزارة السياحة والآثار بغزة.

اقرأ/ي أيضًا: صور | زيارة إلى دير الكرمل.. أسرار الرهبنة

وتُبين البيطار، أن الدير مقسم لثلاثة أقسام، هي "قسم العبادات، وقسم الفندق، وقسم الحمامات"، وتاريخه يعود للقرن الرابع الميلادي، وقد بقى قائمًا حتى القرن الثاني الهجري، ويُستدل على ذلك من القطع التي عثر عليها خبراء الآثار والتنقيب في الموقع، وهي قطع نقديّة إسلاميّة، وأرضيّات فسيفسائية يبلغ عددها 6 أرضيات.

[[{"fid":"72528","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"9":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":396,"width":594,"class":"media-element file-default","data-delta":"9"}}]]

[[{"fid":"72532","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":396,"width":594,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

وبحسب قسم الدراسات في الوزارة، فإن الجزء المعماري الأول من الديّر يتكوّن من غرف خاصة برجال الدين، أما الجزء الثاني فهو كنيسة مكونة من ممرات طويلة أوسعها الممر الأوسط، وتفصل بينهما أعمدة رخاميّة عاليّة، بينما يفصل الجزء المعماري الأول عن الثاني ممر طويل فيه مدرج خاص بدخول الرهبان للكنيسة وخروجهم منها.

[[{"fid":"72533","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

[[{"fid":"72534","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"8":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":326,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"8"}}]]

أما الجزء الثالث، فهو يسمى "الديماس"، وهو منطقة مظلمة ومتهاوية تعد أكثر المناطق انخفاضًا بالديّر، تضاء بقناديل من الزيت لإضفاء نوع من الرهبنة في المكان، يتم الوصول إليها حاليًا عبر مدرّج.

وتظهر في نفس الجزء بقايا الأعمدة الرُخامية التي تهاوت بفعل عوامل التعريّة والزلازل، كما تظهر بقايا للتابوت الرخامي الخاص بالقديس "هيلاريون".

يحتوي دير القديس هيلاريون على قنوات مياه مصنوعة من الفخار والرصاص، وقنوات صرف صحي، وأعمدة رخامية

وتوجد داخل الدير، شبكة واسعة من قنوات المياه المصنوعة من الفخار والرصاص، إلى جانب قنوات صرف صحي تؤدي إلى خارجه، إضافة إلى آثار أخرى تدل على وجود بئر مياه خاص. كما تم العثور داخل حدود الدير وخارجها على مجموعة من المقابر الفرديّة البيزنطية، معظمها وجدت داخل الفناء المكشوف.

كذلك عثر على مجموعة كبيرة من "لُقى" أثريّة متنوعة، وهي قطع كبيرة لجرار فخارية مختلفة الطُرز، وأجزاء لأطباق فخاريّة محليّة الصنع ومستوردة، وكمية غير قليلة من المصابيح الفخارية (أسرجة الإضاءة)، وعدد من القطع النقدية البرونزية تعود معظمها للأباطرة: أنستاسيوس، وجستنيان، وجستين، وطيباريوس، وهرقل، وبعض القطع النقدية الإسلاميّة إحداها فِلس يعود للخليفة عمر بن عبد العزيز.

وتُعبّر البيطار عن استيائها مما حل بالآثار في مدينة غزة؛ من محاولات الطمس والسرقات على مر التاريخ، موضحة أن الساحل الفلسطيني يمثل كنزًا مدفونـًا يحتاج إلى من يمد له يد التنقيب ليرى النور، سيّما وأن عملية التنقيب تحتاج إلى موازنات ماليّة كبيرة وقرار وطني واحد، حيث تبلغ كلفة التنقيب عن كل موقع أثري 60 ألف دولار.


اقرأ/ي أيضًا:

مار سابا.. قصة دير محرم على النساء 

دير كريزمان.. البداية من "نبيذ الصلاة"

فيديو | كنيسة برقين.. البداية من بئر لعزل المرضى