21-أبريل-2019

تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي، والجلسات الخاصة بين المواطنين والناشطين والحقوقيين والصحفيين، بقصص عن تجارب سلبية مع القيمين على العدادات مسبقة الدفع أثناء ركنهم لسياراتهم على الأرصفة في معظم شوارع الضفة الغربية، حيث تتم "كلبشة" تلك المركبات لحين دفع مالكيها غرامة مالية جرّاء عدم دفعه لرسوم ركن المركبة أو لتجاوزه الوقت المحدد لذلك.

شركة "تك بارك" تستحوذ على عدد كبير مع العطاءات المبرمة للتعامل مع مواقف الدعم المسبق في الضفة

ورغم إسهام  هذه الوسيلة في تنظيم المدن والبلدات، والحدّ من الأزمات المرورية خاصة في مراكز المدن وأماكن التسوق، إلّا أنه وفي ظل تنامي أعداد العطاءات ذات الصلة من قبل الهيئات المحلية والمجالس القروية في الصحف اليومية، بغرض تأهيل وتشغيل مشاريع عدادات مواقف السيارات، تطفو على السطح العديد من الأسئلة من أبرزها؛ مدى قانونية الغرامات التي تفرض على الأشخاص الذين لم يلتزموا بدفع رسوم الركن، وإذا ما كان "ربط المركبة من قبل تلك الشركات" يمثّل اعتداءً على الملكية الخاصة؟ وكيف يتم اختيار تلك الشركات؟ ومن يحق له تحديد المناطق الواجب وضع عدادات مسبقة الدفع فيها؟ وما المعايير التي يتم على أساسها اختيار أماكن هذه المواقف؟ وكيف يتم اختيار الموظفين؟ وهل يتيح القانون تضمين الشوارع لشركات خاصة؟

شركة "تك بارك" في 7 بلديات

وزارة الاقتصاد الوطني، وبحسب موقعها الرسمي، تشير إلى أن عدد الشركات المدرجة تحت اسم (بارك)، هي 4 شركات مساهمة خصوصية (بمعزل عن عدد الفاعلة منها)، أبرزها من حيث قيمة رأس المال شركة "تك بارك" لحلول وخدمات المركبات، التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في رام الله والبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق خاص | مواد لـ"فرد الشعر" مُسرطنة وتُسبب الصلع في غزة

وتستحوذ الشركة على عدد كبير من العطاءات المبرمة مع العديد من البلديات، منها بلديات "رام الله، والخليل، وبيت لحم" وفق تأكيد مصادر هذا التحقيق، ومنهم رئيس قسم الإعلام في بلدية رام الله، مرام طوطح التي قالت لـ الترا فلسطين إن آخر عقد أبرمته البلدية في يونيو/حزيران 2018 بعد نشرها لعطاء، استنادًا لنظام وزارة الحكم المحلي رقم 3 للعام 2017، مضيفةً أن المنافسة كانت بين شركتين، لكن العطاء رسى على شركة "تك بارك"، وهو ما فعلته بلدية الخليل، إذ قامت بنشر دعوة إبداء اهتمام، فتقدّمت إثر ذلك شركتين بحسب تأكيد عضو مجلس بلدية الخليل، وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمة، مشيرًا إلى أن العقد رسى على شركة "تك بارك" لمدة ثلاثة أعوام، وتمت المباشرة بالتنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، علمًا أنّ المدة الزمنية بحسب العقد تبدأ من تاريخ التشغيل في كل منطقة على حدة وفق ما قاله رئيس قسم إدارة السير والمرور في بلدية الخليل المهندس جلال أبو الحلاوة.

واستندت بلدية بيت لحم بموضوع المواقف، مسبقة الدفع على نظام الهيئات المحلية الذي يجيز للبلدية إزالة أي نوع من العرقلة في جسم الشارع وفق ما قاله مهندس البلدية زياد السايح، مضيفًا، "أبرمنا بشكل مباشر عقد تلزيم مع شركة تك بارك في عام 2014 لمدة خمس سنوات، وللبلدية أن تقرر بعده، بتجديد العقد مع ذات الشركة، أو طرح عطاء جديد".

ويقول: "من حق البلدية اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لتخفيف الأزمات المرورية، ومنع المواطنين الذين يركنون سياراتهم طوال النهار من التسبب بعرقلة المواطنين"، مضيفًا أنه لم تكن في تلك الفترة سوى شركة واحدة تعمل في هذا المجال.

اقرأ/ي أيضًا: سيارات فارهة في غزة مكسوة بالغبار لـ"ردّ العيْن"!

مدير مشروع عدادات مواقف السيارات في الضفة الغربية في شركة "تك بارك" هشام غانم أكد أن الشركة متعاقدة مع 7 بلديات ومجالس محلية في الضفة الغربية، وأن كل تلك العقود كانت نتاج استدراج عروض أسعار أو عطاء نشر بالجريدة، وأن البلديات أحيانًا كانت تنشر العطاء مرتين وثلاث مرات، ولا يتوفّر منافس فيتم إرساء العطاء على الشركة الموجودة. 

وأضاف، "حاليًا لا يوجد سوى شركتين تعملان في المجال نحن إحداها، وأخرى ثالثة توقفت عن العمل. مع التأكيد أن لا شركاء متنفذين معنا لا في الخفاء ولا في العلن. أنا مستثمر عادي سلاحي أو إمكانياتي هي العداد، وأي شخص بإمكانه أن يوفّر العدادات يستطيع المنافسة فالميدان مفتوح للجميع، علمًا أن معظم العدادات الموجوده في السوق مجددة (ذات نوعية عالية - شركة دنكن الأمريكية) وهي في الغالب من إسرائيل، حيث تتم إعادة تهيئة العدادات المستخدمة (غالبًا) بحيث لا تفرق من حيث الشكل أو الفعالية عن الجديد".

العقود مع شركة "تك بارك" لا تتضمن شروطًا حول نوع العدادات أو حالتها

مع ذلك، وباطلاع معدّ التحقيق على الشروط المرجعية لإدارة وتشغيل مشروع عدادات الدفع المسبق لإحدى الهيئات المحلية، لم يرد في العقد نوع العداد وحالته سواء أكان جديدًا أو مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: "سيارات تأجير" غير صالحة للسير على الطرقات

وتنص المادة 15 في الفقرة (أ)، من قانون الهيئات المحلية رقم 1 للعام 1997، على أن "تمارس الهيئة المحلية صلاحياتها من خلال موظفيها، أو أن يعهد بها أو ببعضها إلى متعهدين، أو ملتزمين، أو مقاولين، أو أن يعطي بها، أو ببعضها امتياز لأشخاص أو شركات". ومن بين هذه الصلاحيات الإدارية للهيئات المحلية ضمن حدود كل هيئة محلية، الصلاحيات الخاصة بتنظيم المواقف والمركبات وحدودها ورسومها، وفق ما جاء في الفقرة 14 من المادة 15، والتي تنص على "إنشاء وتعيين وتنظيم مواقف مركبات النقل ضمن حدود الهيئة المحلية ومراقبتها، بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة" بحسب تأكيد المستشار القانوني لوزارة الحكم المحلي إسلام أبو زيّاد.
      
معايير اختيار أماكن العدادات.. والمخوّلين بذلك

أجمعت مصادر التحقيق في الهيئات المحلية بالخليل ورام الله وبيت لحم، أن الجهات المخوّلة بتحديد أماكن تركيب العدادات، هي أقسام المرور في تلك الهيئات، بالتعاون مع لجان السير الفرعية بكل محافظة، والمشكّلة من الأطراف ذات العلاقة، وأن معايير اختيار أماكن التركيب، تستند على الشوارع الأكثر ازدحامًا، أو التي يكثر الاصطفاف العشوائي فيها بشكل يعيق تنظيم المدينة، بيد أن الصور التي وثقها معد التحقيق، تظهر أن تركيب بعض العدادات، تمّت في أماكن ممنوعة ببعض المحافظات منها في الخليل ورام الله، كالعدادات التي تكون على الدوار، أو على ممر المشاة، أو في أماكن غير مخصصة للركن بأجر.

وحول موقف الشرطة من وجود أرصفة في بعض الهيئات المحلية يتم تخطيطها (باللون المخصص للركن بأجر) رغم أنها بشكل طولي، أو في مناطق الالتفاف الحادة، قال مدير عام إدارة المرور في الشرطة، نائب رئيس المجلس الأعلى للمرور العقيد زنيد أبو زنيد لـ الترا فلسطين: "هذا ممنوع، يجب الابتعاد 12 مترًا عن تلك الأماكن".

تركيب عدادات دفع مسبق في أماكن يمنع التوقف فيها في عدة بلديات منها رام الله والبيرة

لكن، هل يجوز لأحد أن يحل مكان الشرطة، فيخالف المركبات التي تقف في غير الأماكن المخصصة للدفع، أو المركونة بشكل مائل، أو على الرصيف، أو في أماكن ممنوع الوقوف فيها؟ يجيب أبو زنيد بالقول: "لا فكرة لدي حول هذه المخالفات. علمًا أنها من مخالفات المرور، ولا يستطيع أحد أن يسرق دور الشرطة. صلاحياتنا موجودة ولا نتنازل عنها. تنظيم هذا المرفق ومراقبته مناط بنا، والشركة دورها في الأماكن المخصصة للدفع المسبق (الأبيض والأزرق) فقط. أمّا الغرامات المفروضة على المواطن جرّاء تجاوز الوقت المخصص للوقوف، أو لعدم دفع رسوم الوقوف ومثيلاتها، فهي أمر قانوني، وتلزيم المرافق العامة هي فكرة موجودة بالقانون".

الرسوم

وفق المادة رقم 5 من نظام مواقف المركبات في مناطق الهيئات المحلية رقم 3 للعام 2017، تبلغ رسوم مواقف عدادات الدفع المسبق ثلاثة شواكل (أقل من دولار أمريكي) لكل ساعة. لكن الكثير من الهيئات المحلية تستوفي ما بين 1-2 شيكل نظير كل ساعة. كما أنه ونتيجة لبعض الشكاوى التي ترد لتلك الهيئات، والمتعلقة بربط المركبة من قبل القيّمين على تلك العدادات بعد دقائق فقط من انتهاء وقت الركن بأجر، قامت العديد من الهيئات المحلية بإضافة مدة زمنية محددة للمدة الرئيسة الممنوحة للركن بأجر.

ضبابية أشكال المخالفات.. وتداخل الصلاحيات
 
أشكال وأنواع الغرامة الواردة في إشعار المخالفة (كلبشة المركبة) لغير الملتزمين بدفع الرسوم استعرضها لنا المهندس زياد السايح من واقع ما هو مطبق في بلدية بيت لحم، بحسب ما ينص عليه العقد: "من يركن سيارته في الأماكن المخصصة للركن بأجرة دون أن يدفع الرسوم، أو من يركنها بشكل مائل ومعيق لحركة الشارع، أو يركنها على الرصيف بشكل يعيق حركة المشاة، يدفع 20 شيقل، وهذا مبلغ رمزي انطلاقًا من أن الهدف من تركيب العدادات تنظيم المدينة وليس الربح".

ومن أشكال المخالفات أو الغرامات وقيمها المالية المطبّقة في بلدية رام الله، أن استخدام المكان مع عدم الدفع أو تجاوز المدة 25 شيكل، الوقوف في أماكن ذوي الإعاقة 100 شيكل، الوقوف في أماكن الحافلات أو المركبات العمومية أو المواقف الخاصة على جانب الشارع أو أماكن الحاويات 100 شيكل وغيرها من البنود، علمًا أن كل تلك الأشكال من الغرامات تأتي استنادًا لنظام المركبات 2017، الصادر عن وزير الحكم المحلي. 

ربط المركبات (الكلبشة)

إيقاع عقوبة فورية على المواطن، من خلال احتجاز السيارة (احتجاز ملكية المواطنين للسيارة) ومن ثم إيقاع الغرامة أو المخالفة من قبل موظف الشركات الخاصة، أمر لا يجيزه القانون. يقول المحامي غاندي ربعي، ويضيف: حين تطلب منك الشرطة هويتك أو رخصتك أو أن تقرر حجز سيارتك لسبب متعلق بمخالفتك للقانون ننصاع للقانون دون اعتراض، أمّا أن يتم حجز سيارتك من موظف شركة خاصة لمثل تلك الأسباب ومن ثم يفرض عليك غرامات مالية تدفع في لحظتها فذلك أمر مخالف للقانون. 

القانون لا يُجيز لموظف شركة خاصة احتجاز سيارة أو تغريم الناس بمبلغ يدفع فورًا

ويرى غاندي أن احتجاز السيارة ومنعها من التحرّك إجراء قانوني مناط بالشرطة وفي ظروف محددة يحددها القانون (حصرًا في قانون المرور)، ولا يجب أن تقوم فيه شركات خاصة، وأنه إذا ما تم فهو بمثابة احتجاز ملكية بدون مبرر، ناهيك عن أن عدم قيام المواطن بدفع رسوم ركن السيارة لا يُجيز للشركات المتعاقدة مع البلديات حجز المركبات، كما أنه ليس من المنطق أبدًا أن يخضع المواطن لأكثر من سلطة (لربط السيارة) بنفس البلد، ناهيك عن أنّ دفع الغرامة إذا لم يلتزم المواطن بدفع رسوم تلك العدادات يجب أن تتم للبلدية مباشرة، ثم ما المانع من أن تقوم البلدية بالدور كاملًا بدلًا من تلك الشركات (دون حجز المركبات).

نائب رئيس المجلس الأعلى للمرور الذي يرى أن وظيفة الشرطي ليست فك أو وضع (الكلبشات)، اعتبر أن للشركة الحق بربط المركبات استنادًا للصلاحيات الممنوحة لها من البلديات صاحبة الاختصاص الأصيل في المسائل النظامية، مشيرًا إلى أنّ حجز المركبة الذي يتم التوسع فيه من العقوبات المستحدثة في مختلف دول العالم، وهذا إجراء نظامي ومسموح، فالفكرة تقوم على مبدأ أنه إذا وجدت مركبة في مكان مخالف للقانون، بالتالي لا بد من حجز أداة المخالفة أو أداة الجريمة، وهي في هذه الحالة (المركبة)، لأن العقوبات المالية والجسدية أو حجز الحرية أصبحت غير كافية لردع بعض المخالفين، وأعتقد أن هذا أسلوب ناجح في الحزم والسيطرة على المخالفين بشكل أكبر وردعهم وردع غيرهم عن القيام بما يخالف القانون مستقبلًا. 

للشركة الحق بربط المركبات استنادًا للصلاحيات الممنوحة لها من البلديات صاحبة الاختصاص الأصيل في المسائل النظامية

من جهته، يقول مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الدكتور عمار الدويك إنه ومن حيث المبدأ نحن مع أن تقوم الهيئات المحلية بتنظيم موضوع ركن المركبات، أما كيفية القيام بعملية التنظيم، فنحن مع أن يؤخذ بعين الاعتبار الحق العام، وأن يكون هناك إشارات واضحة، تبيّن أوقات الركن برسوم وتكلفة ذلك، إضافة إلى آلية دفع الغرامة وقيمتها في حال لم يلتزم المواطن بدفع الرسوم. 

في المقابل يقول إن على البلديات توفير أكبر قدر ممكن من الأماكن العامة لركن للسيارات، كذلك أن يكون هناك أماكن خاصة دون رسوم  لكبار السن والمرضى إلى جانب أماكن ركن سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن الممكن تطبيق هذا الإجراء عبر توزيع بطاقات أو إشارات خاصة لمثل تلك الفئات، إضافة لأن يكون هناك إجراءات واضحة للتعامل مع الحالات الطارئة والخاصة والانسانية، كأن يركن مواطن سيارته لإجراء طارئ جدًا دون أن يكون لديه قطع نقدية. 

القيمون على العدادات.. وتفويض الصلاحيات 

ما ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي، وما يتداوله المواطنون حول عدد من الممارسات لبعض القيمين على العدادات، وطريقة تعاطيهم مع أصحاب المركبات أو مزاجية بعضهم، يضاف لذلك تداول مقطع فيديو يوثّق عراكًا بين أحد المواطنين وعدد كبير من القيمين على تلك العدادات، نقلناه لعضو المجلس البلدي في الخليل، خالد القواسمة، فكان ردّه أن "البلدية لا علاقة لها بالموظفين القيمين على تلك العدادات، لا برواتبهم ولا بتوظيفهم، فمن يتم الشكوى عليه من هؤلاء الموظفين، لنا الحق بطلب تغييره بحسب بنود الاتفاقية، وقد تم فعلًا تغيير واستبدال عدد من الموظفين في بعض الحالات الضرورية، إلى جانب أننا راجعنا الشركة بكل شكوى وصلت للبلدية".

مرام طوطح من بلدية رام الله، تؤكد أن المجلس البلدي عقد منذ أشهر اجتماعًا مع الشركة تم التركيز فيه على أنّ الهدف ليس المخالفة أو الغرامة، وإنما تطبيق النظام وضمان حركة تجارية سلسة واستيعاب أكبر لهذه الشوارع. 

وأضافت، "كما عقدت البلدية اجتماعًا مماثلًا مع الشرطة من أجل بحث آلية العمل والتنسيق المشترك لضمان عدم وقوف السيارات على الأرصفة والشوارع والأماكن المخالفة"، مشيرة إلى أنه وفي كل الأحوال، تبقى بلدية رام الله هي المسؤولة والمشرفة على أداء الشركة المشغّلة للعدادات وفقًا للشروط المرجعية ولوثائق العطاء. 

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو.. إزالة بسطات جنين: عنف من أجل وجه حضاري!

تنمّر بعض القيمين على العدادات، والذي أفضى ببعض الحالات المرصودة للعراك بالأيدي، أو للتلاسن على أقل تقدير، يدفع للتساؤل حول معايير اختيار الموظفين، وهو ما سألناه لهشام غانم من شركة "تك بارك"، فكان ردّه "استأجر القوي الأمين"، مع ذلك لو قمت بتوظيف الضعفاء من كل محافظة وأعطيتهم صلاحيات، فالناس ستقول عنهم ذات الكلام لرغبتهم في عدم الدفع. 

 الشركة المُشغّلة تلتزم وبشكل مسبق بتزويد البلدية بأسماء العاملين المقترحين وشهادات حسن السير والسلوك  

إقرار الشركة بأن معايير اختيار الموظفين تستند أساسًا لقوتهم رد عليه المستشار القانوني للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) المحامي بلال البرغوثي، بالقول إن هذه المعايير توضح أن السياسة المستخدمة والمعتمدة من قبل الشركة ممنهجة، وأن هناك تقصّد في اختيارهم، وهو ما يؤكد صدقية الشكاوى المقدمة من المواطنين حول سلوك الموظفين، ومن أنها جميعًا مُحقّة، في حين أنه وفي دولة القانون لا يجوز أن يكون المعيار للأقوى، كأن يجري التوظيف فقط لأن هذا ابن عشيرة أو حمولة؛ فالمعايير في دولة القانون للقوي بمهاراته، فحين يأتيني موظف رسمي لا يهمني من يكون، وإنما من يمثّل، بالتالي فإن استخدام أصحاب القوة والهيبة بتلك الطريقة يعد بمثابة ارتداد عن فكرة سيادة القانون والعودة للعشائرية والمناطقية، وذلك ما يمكن أن يُعد أحد مظاهر الفساد. 

الحوافز

المسؤول في الشركة هشام غانم يقول بهذا الخصوص إن عدد الموظفين التابعين للشركة يقارب 60 موظفًا، يبلغ الحدّ الأدنى لرواتبهم 1500 شيكل، إضافة للحوافز التي تتأتى بعدة طرق وفق معايير نقوم بتحديدها، من بينها المرتبطة بنشاطهم (وفق عدد الكلبشات)، وسبب اللجوء لمثل تلك الطريقة بالحوافز، يعود لكون أنّ موظفينا يعملون في عدة محافظات، بالتالي هناك حاجة للتأكد من أنّهم جميعًا يعملون، انطلاقًا من ذلك برزت الحاجة لتشجيعهم عبر مثل تلك الحوافز، على أن لا يكون هناك ظلم وتعسّف لأحد، فإذا ما شعر المواطن بأنه مظلوم بإمكانه مراجعة البلدية أو مراجعتي شخصيًا، إذ إن رقم هاتفي موجود على كل سندات القبض".

وحين سألنا رئيس قسم إدارة السير والمرور ببلدية الخليل، حول مدى علم البلدية بما يتعلق بحصول موظفي الشركة إلى جانب راتبهم على حوافز نظير عدد السيارات التي يتم "كلبشتها" أجاب بأن "ليس لدينا علم بهذا الأمر" وأنّ هذا الأمر لم يرد في بنود العقد، وهو أمر مرفوض إن كان يتم فعلًا، لأن ذلك يدفع الموظفين لتسجيل مخالفات وفرض غرامات أكثر في سبيل زيادة قيمة ما يتلقونه من حوافز.

  بحسب أحد العطاءات التي بحوزتنا، الشركة ملزمة بعدم منح نسبة من قيمة المخالفات للعاملين في المشروع  

بيد أنّ مبدأ الحوافز كما يقول محامي الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، هو أحد المبادئ المفترض فيها أن تشجّع على العمل، ولا يمكن نقدها إلّا في حالة إساءة استخدامها وأصبحت حافزًا للخروج عن القانون، من خلال "كلبشة" السيارات بغض النظر عن ركن السيارة بشكل مخالف أو غير مخالف، علمًا أنّ سوء اختيار الموظفين عبر الاستناد لأصحاب القوة والهيبة كما سبقت الإشارة قد يقود لأن يقوم الموظف بذلك.

حقّ التقاضي وآلية الاعتراض والبحث عن حلول

لكن كيف يكون للموظف أن يُقرر ويحاكم وينفّذ على المواطن دون إعطائه الحقّ بالتقاضي كما في مخالفات شرطة المرور، خاصة إذا لم يكن المواطن يحمل قيمة المخالفة لحظتها؟ توجهنا بهذا السؤال لهيئات محلية، فكان ردّ بعضها أنّها أطلقت بالتعاون مع الشركة المنفذة تطبيقًا للمواطنين على الأجهزة الذكية يمكّنهم من الدفع مقابل ركن المركبة عبر التطبيق، الذي يحفظ به رقم السيارة، كما يتيح لهم شراء بطاقة من الأماكن التي خصصتها الهيئات المحلية من أجل الدفع المسبق، إضافة لإمكانية إرسال رسالة SMS لذات الغاية، في الوقت الذي تبقى فيه آلية استخدام خدمة العدادات يدويًا مفعّلة. 

وتقول هيئات محليّة أخرى إنها رفعت مسودة نظام لوزارة النقل والمواصلات، طالبت فيها بأن يتم إقرار نظام تتم فيه المخالفة كما في مخالفات الشرطة، بحيث يتم ربط المخالفة بالترخيص أو دفعها في البنك، مشيرةً إلى أنها لا تزال بانتظار رد الوزارة. فيما تقول وزارة النقل والمواصلات عبر الناطق باسمها محمد حمدان، لـ "الترا فلسطين" إن مسودة القانون المقترحة في طور النقاش والبحث القانوني داخل الوزارة. 

وحتى إقرار القانون، بإمكان المواطن بعد الدفع، الاعتراض لدى البلدية، أو للشرطة بحسب خالد القواسمة، الذي يرى أنه في حال وجود خطأ، فإنهم على استعداد لإعادة مبلغ الغرامة، رغم أنه ليس لدينا آلية للتعاون مع الاعتراض.

وهو ما يعارضه المحامي بلال البرغوثي، المستشار القانوني لـ "أمان" بالقول إن قيام الهيئات المحلية بتلزيم المرافق العامة للقطاع الخاص كما في المواقف مسبقة الدفع على الأرصفة، لا يعني أبدًا أن تترك الأمر والمسؤولية للشركة التي تولت تقديم الخدمة العامة، وأن تدير ظهرها، ففي ذلك مخالفة لفكرة حسن أداء الخدمة العامة، وإشارة إلى ضعف منظومة المساءلة في تقديم الخدمة كالمتابعة والمراقبة، صحيح أنه ما عاد للهيئة المحلية أن تقدّم الخدمة بشكل مباشر، لكن يجب أن يكون لديها إشراف كامل.

وتؤكد وزارة الحكم المحلي من جانبها، أن "باب الاعتراض مفتوح"، وفي معظم البلديات هناك مراكز خدمات جمهور، ووحدة شكاوى ثابتة، وبكل الأحوال فكون الصلاحية أو هذا الواجب من واجبات الهيئات المحلية، وكون أن الهيئات المحلية أوكلت هذه الصلاحيات للشركات أو المقاولين، فإن هذا لا يسقط دور الهيئة المحلية وواجبها بالموضوع، فإذا كان هناك تجاوز أو مخالفة من الشركة، فالعنوان لا الشركة ولا مالكها، فنحن في حدود هيئة محلية وهذا الرسم للهيئة المحلية وليس للشركة، والعلاقة بيني وبين الهيئة المحلية، وعلى المواطن في حال وجود أو ارتكاب أي مخالفة أو تجاوز أن يتوجّه للهيئة المحلية، وفي حالة عدم التجاوب من الهيئة المحلية، فعلى المواطن أن يتوجه لمديريات الحكم المحلي، أو لوحدة الشكاوى المركزية في الوزارة".


اقرأ/ي أيضًا: 

الديموكتاتورية نظامُ حكمٍ فلسطيني

التناقل الرقمي.. لماذا تمتنع شركات الاتصالات عن توفيره في فلسطين؟

"الشاباك" يخترق "جروبات نسائية" على "فيسبوك" للتجنيد وأهداف أخرى