15-مايو-2021

المفكّر العربي عزمي بشارة

الترا فلسطين | فريق التحرير

قال المفكر العربي عزمي بشارة، إن الأحداث العظيمة التي تشهدها المدن والقرى الفلسطينية هذه الأيام، جاءت تعطي لذكرى النكبة معناها الصحيح وراهنيّتها، مشيرًا إلى دخول الفلسطينيين مرحلة جديدة بعد هذه الأحداث، لها معالم واضحة، تتعلق بقدراتهم على التحدي والبناء في ظروف صعبة، واستعداد الجيل الفلسطيني بعد 73 عامًا من الاستعمار على النضال.

بشارة: الأحداث العظيمة التي تشهدها المدن والقرى الفلسطينية هذه الأيام، جاءت تعطي لذكرى النكبة معناها الصحيح 

فيما يتعلق براهنية النكبة، أوضح بشارة خلال حديثه على "التلفزيون العربي" مساء السبت، أن معظم الفلسطينيين في حي الشيخ جراح المهدد بالإخلاء، وفي قطاع غزة، وبعض الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية، هم لاجئون تم تهجيرهم بالفعل في عام 1948، وبالتالي فإن مسألة طرد العائلات من بيوتها لها حساسيّة رمزية.

راهنية النكبة

كما أشار إلى أنّ النكبة مثّلت تصورًا ممنهجًا مبني على التطهير العرقي والترانزفير، وهو تصور لا يزال قائمًا في بنية الدولة اليوم في "إسرائيل"، مشيرًا إلى أن حالة الصهيونية كاستعمار استيطاني، لا تهدف إلى استغلال الفلسطينيين، ولكن إلى استبدالهم، وإحلال المستوطنين مكانهم، إضافة إلى تهويد الأرض، موضحًا أن العقلية التي هجّرت الناس في النكبة تقف وراء تهجيرهم في الشيخ جراح. وفي هذا السياق، وضّح المفكر العربي الحجة القانونية الواهية التي يتم استخدامها من قبل المستوطنين لإخلاء أهالي الشيخ جراح، مشيرًا إلى أن البيوت العربية التي أخليت من سكانها خلال النكبة ما تزال موجودة إلى الآن، ويعيش بعض سكانها الفلسطينيين في القدس أو في الداخل ويحمل المواطنة الإسرائيلية.

وأعاد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات التأكيد على أن الهدف من المخطط الاستيطاني في القدس هو إحاطة الأحياء العربية بالمستوطنات، وتحويل القدس العربية إلى "غيتو" معزول، مشيرًا إلى أن "إسرائيل" قامت قبل وخلال وبعد ضمّ القدس، بتوسيع بلدية القدس لتشمل 10 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، موضحًا أن هناك خطة مرسومة على الورق تعمل عليها الجمعيات الاستيطانية.

 العرب والفلسطينيين لم يعادوا اليهود قط، ومعاداة السامية ظاهرة أوروبية 

وأوضح بشارة أن "إسرائيل" دخلت الحرب على غزة ليس من أجل أربع بيوت، ولكن لأن سرقة الأرض هي عرف سياسي، لا يجب من وجهة نظر "إسرائيل" تهديده، حيث إن التوسّع ثقافة سياسية، ويريد المستوطنون اليوم كامل القدس والمنطقة (ج) في الضفة الغربية والكتل الاستيطانية. كما أن السلطات الإسرائيلية لا تريد تسوية تاريخية، بحيث تقبل بدولة فلسطينية في الضفة وغزة، كما أنها لا تريد في نفس الوقت التعامل مع الفلسطينيين كمواطنين متساوي الحقوق في إطار المواطنة. على العكس من ذلك، يوضح المفكر العربي، أنهم يريدون البقاء في حالة صراع مع المحيط. وفي هذا السياق، أشار بشارة إلى أن العرب والفلسطينيين لم يعادوا اليهود قط، وأن معاداة السامية ظاهرة أوروبية أسقطتها الحكومات الغربية على الشعب الفلسطيني الذي كان معاديًا للاستعمار، ولم يكن يومًا معاديًا لليهود.

استهداف المسجد الأقصى

وحول استهداف المسجد الأقصى، أشار عزمي بشارة إلى أن الهدف الإسرائيلي كان تاريخيًا قائمًا على فرض السيادة على المسجد كجزء من المدينة، لكن ما يحدث طوال العقدين الماضيين، يتضمن هوسًا دينيًا، ومحاولات لتقسيم المسجد الأقصى، واستفزازات يقودها متطرفون في الكنيسست، يملكون شرعية متزايدة، وأصبح بإمكانهم تحديد مستقبل ومصير الحكومة.

ولتوضيح الدور الذي يلعبه هؤلاء، أشار صاحب "من يهودية الدولة إلى شارون"، إلى أنهم أسوأ بكثير ممن اقتحموا الكونغرس الأمريكي في مطلع العام الجاري. حيث إنهم يتشاركون في نفس التصوّرات اليمينية، لكنهم في حالة "إسرائيل" جزء من البرلمان، ويحددون شكل وهوية الحكومات، جامعين بين القومية الدينية والاستيطان والعنف المسلح. فيما امتدت هذه المرة أياديهم الآثمة للاعتداء على الفلسطينيين في المدن المختلطة.

هبة الفلسطينيين: لماذا الآن؟

في الإجابة على سؤال متعلق بتوقيت هبة الفلسطينيين، أشار بشارة إلى أنه لا يمكن تفسير التوقيت، لكنّه يجب أخذ تراكم الاحتقان والغضب بعين الاعتبار. حيث اجتمعت قضية البيوت المهددة بالإخلاء في القدس، وهي قضية حسّاسة للناس ولها رمزية، بالإضافة إلى قضية المسجد الأقصى، والتطبيع العربي والمفاوضات المتوقفة والاستفزازات المستمرة.

    لا شيء يحرّض الناس على الانتفاض أكثر من تراكم الشعور بالمهانة والإذلال    

وفي هذا السياق، أشار المفكر العربي إلى أنه لا شيء يحرّض الناس على الانتفاض أكثر من تراكم الشعور بالمهانة والإذلال، وهو واقع شبيه بما حدث في هبّات الشعوب العربية. يُضاف إلى ذلك في حالة الفلسطينيين في الداخل أسباب أخرى، مثل المخدرات والجريمة، واعتقاد السلطات الإسرائيلية أنها أنجزت مهمتها في أسرلة الفلسطينين، وأخيرًا ما وصلت إليه الأحزاب العربية في الداخل من أفق ضيّق محصور في دعم اليمين الصهيوني أو اليسار الصهيوني. وبالتالي فقد أحدث هذا غضبًا عند الشباب دفع للتضامن مع القدس والأقصى.

على هذا النحو يشير بشارة، إلى أنه من حقّنا أن نغضب وأن نرد كعرب وكبشر وكديمقراطيين. لكنه اعتبر أن تهديد الأسرلة لا يزال قائمًا. وفي حين أنه حتى النشوة بالهبة الأخيرة هي فعل سياسي، بما يرافقها من الشعور بالكبرياء، وبالقدرة على المقاومة وتدفيع "إسرائيل" الثمن، فإنه لا بد من النظر إلى البنى القائمة والعميقة، التي لا تتغيّر في أسبوع.

مرحلة جديدة

رغم ذلك، فقد أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث أن الفلسطينيين قد دخلوا بالفعل مرحلة جديدة لها معالم واضحة، من ناحية قدراتهم على التحدي والبناء في ظروف صعبة، واستعداد الجيل الفلسطيني الجديد بعد 73 عامًا من النكبة، على النضال.

 الفلسطينيون دخلوا بالفعل مرحلة جديدة لها معالم واضحة  

كما أشار بشارة إلى أنّ الهبة وحّدت الفلسطينيين الذين يعيشون تحت طروف مختلفة، لكن لديهم قضية واحدة، مبينًا أنه يجب أن يكون هناك نوع من تقسيم العمل في النضال نظرًا لاختلاف الظروف، مع الإبقاء على القضية المشتركة. في سبيل تحقيق ذلك، يوضح أنه يجب أن يكون هناك مؤسسة فلسطينية تضع استراتيجية واسعة للصراع ضد الاستعمار الاستيطاني، تشمل كل الفلسطينيين.

كما أكد عزمي بشارة أن الاستمرارية في النضال هي أمر أساسي، حتى بعد الوصول إلى اتفاق وقع إطلاق نار مع فصائل المقاومة في غزة، حيث يجب أن نكون واقعيين لنتمكن من الاستمرار في النضال الوطني، وكي لا يستطيع المرتدون تحويل ما حدث لأسرلة أعمق، على غرار ما وقع بعد الانتفاضة الثانية. كما وضح أنه إذا لم يستمر النضال المدني ضد مصادرة البيوت والأراضي، وإحلال مستوطنين مكان الأهالي في القدس، فإن هؤلاء المستوطنين سيعودون.

هذه الاستمرارية كما يرى عزمي بشارة، إضافة إلى النفس الطويل، هي الأساس من أجل عدم هدر التضحيات ودماء الشهداء، كما أن على النخب الفلسطينية أن تفهم أن الطريق الذي مشوا فيه منذ توقيع اتفاقية أوسلو فشل، وأن مناشدة وتوسُّل "إسرائيل" لإعطائنا بعض الحقوق لحفظ ماء الوجه لـ"المعتدلين الفلسطينيين"، يجب أن تتوقف. 

 على النخب الفلسطينية أن تفهم أن الطريق الذي مشوا فيه منذ توقيع اتفاقية أوسلو فشل 

على هذا النحو، يجب أن تتبلور قناعة لدى هذه النخبة أنه لا بد من إعادة منظمة التحرير للحياة أو بناء مؤسسة جديدة، تجمع كل قطاعات الشعب الفلسطيني، لفهم أن هناك معركة واحدة، متعلقة بطبيعة النظام الاستعماري الذي يعيش الفلسطينيون تحته، حتى لو في ظروف مختلفة. كما أكد بشارة على ضرورة وجود استراتيجية نضال تكون مدنية وعلى المدى البعيد، وهذا لا ينفي حق غزة في الدفاع عن نفسها. كما وضح أن الانتفاضة التي تحدث في الضفة مهمة جدًا، ويجب أن لا تكون مجرد تكتيك لتمرير الوقت، بل يجب أن تتحول إلى استراتيجية.

في هذا السياق، تساءل عزمي بشارة ماذا لدى القيادات الفلسطينية لتخسره؟ ألا يمكن إلغاء التنسيق الأمني؟ مشيرًا إلى إمكانية أن تفرض السلطة نفسها كمؤسسة تدير شؤون الناس بدون تنسيق أمني. كما بيّن أنه حتى تحقيق إنجازات في المفاوضات يحتاج إلى نضال على الأرض، مستشهدًا بأن نضال حماس من خلال الصواريخ، هو من جلب بايدن ليتحدث مع رئيس السلطة محمود عباس.

 بشارة: المفاوضات تحتاج لنضال على الأرض، ونضال حماس من خلال الصواريخ، هو من جلب بايدن ليتحدث مع رئيس السلطة محمود عباس 

أمّا بالنسبة لفصائل المقاومة في غزة، فإن الأمر الأساسي هو أن فصائل المقاومة استطاعت أن تقدم رسالة قوية، مفادها أن غزة ليست إمارة منفصلة عن الشعب الفلسطيني، وليست سلطة منعزلة مشغولة بقضاياها الداخلية. إضافة إلى ذلك، عدّ بشارة أن القدرة على بلورة قدرات عسكرية بهذا النوع، وفي ظروف شبيهة بمعسكر اعتقال، أمر مثير للإعجاب.

أما بشأن استهداف "إسرائيل" المباشر للمدنيين والأطفال، فاعتبر أنه ينطوي على اعتقاد عنصري أن هؤلاء الفلسطينيين ليسوا بشرًا، وليسوا مدنيين. لذلك، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتبر أن "إسرائيل" في خضم استهدافها للمدنيين، تمارس حقَّها في الدفاع عن نفسها، بينما يرفض اعتبار أن فصائل المقاومة تملك هذا الحق، رغم أنّ حالة المقاومة المسلحة في غزة هي حالة دفاع عن النفس واضحة، كردة فعل على الحصار والتجويع والابتزاز بالدواء والطاقة والطعام.

في شأن متصل، عدّ المفكر العربي أن الفرق بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وبايدن، ليس سوى فرق ضئيل جدًا فيما يتعلق بقضية فلسطين، لكن الرهان على المدى البعيد على قواعد الحزب الديمقراطي، وعلى الضحايا الذين يشبهوننا من السود والمهاجرين.

أخيرًا، وبشأن إلغاء السلطة الفلسطينية للانتخابات بحجة منع الفلسطينيين في القدس من المشاركة، أشار عزمي بشارة إلى أنها حجة واهية وفارغة، حيث إن أفضل صورة يمكن أن يحصل عليها الفلسطينيون هي صورة الجندي الإسرائيلي الذي يعتقل مصوتين أو يصادر صناديق اقتراع. مشيرًا إلى أن الانتخابات يجب أن تجري تحت الوحدة وليس من أجل إنجاز الوحدة، ومبينًا أن القيادات الفلسطينية يجب أن تتعظ، لأن هناك أجيالًا قادمة.


اقرأ/ي أيضًا: 

عزمي بشارة: الشارع المقدسي يحاصرُ التواطؤ الإقليمي