26-أغسطس-2018

صورةٌ  إضافية واحدة عليه ويسقط الحبل المعلق في الغرفة ويلتف على عنق ضحيته المقبلة أو ضحاياه. الغرفة مليئة بصوت الموت، الغرفة باردة، الإنارة مؤذية للعين، واللون الأحمر لا مبرر له، هكذا يشعر من يدخلها لأول مرة، غير أن الذين تأقلموا معها يرون في صورها المعلّقة وإنارتها الحمراء كل الراحة والطمأنينة، لدي أصدقاءٌ في هذه الغرفة، تتعلق عيونهم بصور رجالٍ يرتدون بدلات عكسرية مليئة بالنجوم والأوسمة، لا يبتسمون، ولكنّ أصدقائي يبتسمون لهم باستمرار.

   وأنتم يا أصدقائي الفلسطينيين العالقين في الغرفة الحمراء، ذنوبكم مضاعفة، لأن وجعكم من الاحتلال لم يعلّمكم التعاطف مع أوجاع الآخرين الذين يعانون مثلكم تمامًا  

أتشاجر مع صديقتي لأنها من سكان الغرفة الحمراء هذه، أنسى أنني أحبُّها، أحبّ كيف تفرد شعرها وكيف تكتب، وكيف يبدو كل  شيءٍ بجوارها هادئًا ومتزنًا ولطيفًا. كل شيء في ذهني يصبح مشوشًا عندما أراها جالسةً في الغرفة الحمراء هذه.

زلّة لسان واحدة وتخسر صديق طفولتك، ذات الزلة قد تقبع بسببها في سجون المخابرات سنين طويلة هذا إن خرجت. "الأسد يصدر قائمة بأسماء من قضوا في سجونه". كيف تساوى الأمران هكذاً فجأة! هي ليست زلةُ على كل حال.

أرمي حجرًا على قلب صديقتي ليستيقظ، الكلمات الناعمة لم تعد كافية لرؤية الخراب.

في الثورة المصرية كان الجيل الأكبر ناقمًا على شباب الثورة الذين وفق رأيهم خرّبوا البلاد بإنهائهم عقودًا من الهدوء المزيّف والاستقرار الذي ثبتته أقبية السجون ورجال المخابرات والحياة المشروطة بالصمت، ولكنّها كانت حياة على الأقل، هكذا يقولون، وكنت أستغرب إذ رأيت شبابًا يملكون ذات المنطق لتبرير رفضهم للثورات بحكم "دماء الشباب الحامية" وما إلى ذلك من أفكار عامّية كبرنا عليها، فربطنا من خلالها الشباب بالعمل والطاقة والشجاعة. أصدقائي في الغرفة الحمراء لهم منطقهم "الشجاع" أيضًا الذي يبررون به تسمّرهم أمام صور الطغاة بابتسامات عريضة وعيون حالمة.

إنّه التعلق بقشة الزي العسكري، نحن المخذولون في الحرب نجيده تمامًا.

في كتابها "عقدة سندريلا: خوف النساء الخفي من الاستقلال" تستخدم الكاتبة والمعالجة النفسية الأمريكية كوليت داولينغ شخصية ساندريلا الخيالية لتشرح عقدة عدم الاستقلالية التي تعاني منها النساء، بالنسبة لـ داولينغ فإن هذه العقدة عبارة عن الرغبة اللاشعورية التي تنتج لدى المصابات في أن يكنّ موضع رعاية الآخرين، وتبدأ هذه العقدة لديهن منذ الصغر، حيث تُبَرمج الفتاة على أنها دائمًا بحاجة لشخصٍ قوي يساعدها ويحميها.

ووفقًا للنظرية فإن ساندريلا لم تبذل مجهودًا لتغيّر حياتها القاسية، بل انتظرت المساعدة الخارجية التي تمثلت بالأمير الوسيم ليخلصها من الظلم، تمامًا كما يحدث في أغلب قصص الأطفال ونشرات أخبار الكبار، أعلم أن الربط بين الأمور والمشابهة بين الحالات قد يبدو بعيدًا أحيانًا بل وسخيفًا أيضًا للبعض. ولكنّه قد يبدو منطقيًا إذا كنت تؤمن بأن الحقوق الإنسانية وحدة واحدة لا تتجزأ وفهمها يتم بذات المنطق، بمعنى أن لا حقوق خاصة بالمرأة بل هي حقوق إنسان، والحرية  التي تطالب بها أي جماعة سياسية أو دينية ليست إلّا مطالبة بحرية الإنسان، فإذا كان الإنسان متعلقًا بنموذج معيّن، ويرسم مشهدًا محددا لخلاصه لا يكون هو بطله، فإنه رجلًا كان أم امرأة، فردًا واحدًا أو شعبًا كاملًا يعاني من عقدة سندريلا. والأمير حتمًا يرتدي الزي العسكري.

حسنًا، ذنب المرأة المظلومة عندما تظلم امرأة أخرى يكون مضاعفًا، لأن إدراكها لألم الظلم لم يمنعها من التسبب به لغيرها، وأنتم يا أصدقائي الفلسطينيين العالقين في الغرفة الحمراء، ذنوبكم مضاعفة، لأن وجعكم من الاحتلال لم يعلمكم التعاطف مع أوجاع الآخرين الذين يعانون مثلكم تمامًا، أنكرتم عليهم وجعهم بل وذهبتم أبعد من هذا عندما هتفتم للقتلة، وأنكرتم على شعوب مثلكم حقَّها بالحرية لأنكم رأيتم في قاتلها مخلِّصكم أنتم، وطريقكم أنتم نحو الحرية.


اقرأ/ي أيضًا:

لماذا تحولت الضفة الغربية إلى سوق لإنتاج الحشيشة؟

لسنا هنودًا حُمْر!

الوحدات.. الحُب هنا ليس من طرفٍ واحد