18-فبراير-2018

غلاف رواية "علي.. قصة رجل مستقيم"

رُشّحت رواية "علي.. قصة رجل مستقيم" لـ حسين ياسين، إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر الإماراتية، التي يصرُّ القائمون عليها على أن تكون إماراتية أكثر مما ينبغي، ورُشّحت معها ثلاث أعمال روائية فلسطينية أخرى، وهي "وارث الشواهد" لوليد الشرفا، و"حرب الكلب الثانية" لإبراهيم نصرالله، و"الحاجة كريستينا" لعاطف أبو سيف. وفي هذه المداخلة حول رواية علي، سنفتتح سلسلة من المقالات الموجزة حول الروايات الفلسطينية المذكورة، التي بدا ترشُّح معظمها إلى قائمة طويلة فيها 16 رواية من عموم الوطن العربي، مفاجئًا، حتى لو تعوّد القارئ العربي على اختيارات "البوكر" العجائبية في كل عام.

  الرواية تحكي قصة شيوعي فلسطيني التحق بالحرب الأهلية الإسبانية. ينشغل نصّها بمحاولة تجاوز التناقض الفجّ في فكرة ترك الصراع الفلسطيني البريطاني الصهيوني، والالتحاق بمعركة على أرض أخرى

تتبّع رواية علي الصادرة عن داري نشر الرعاة والجسور في رام الله وعمان في العام الماضي، قصة شيوعيّ فلسطيني التحق في ثلاثينيات القرن الماضي بالحرب الأهلية الإسبانية، من أجل الانضمام إلى "الثورة الأممية". ينشغل النص بمحاولة تجاوز التناقض الفجّ في فكرة ترك الصراع الفلسطيني البريطاني الصهيوني، والالتحاق بمعركة على أرض أخرى بعيدة، ويورد من أجل ذلك تفاصيل طويلة عن البطل الوطني المعادي للصهيونية والاستعمار البريطاني، والشيوعي الأممي في نفس الوقت. وتدور كل أحداث الرواية ومجرياتها في سياق هذه المحاولة، فيما بدا أنّه مهمة سياسية وضعها الكاتب لنصّه، من أجل الدفاع عن عليّ، الذي لا يُعرف عنه سوى أنّه ذهب إلى الحرب الأهلية فعلًا.

اقرأ/ي أيضًا: الروائيون الجبناء ورواية "الحيط الحيط"

تشبه الرواية معظم روايات الهجرة الكلاسيكية. حيث يتذكّر مهاجر على السفينة عمره وحياته في بلاده التي يتركها، ويسترجع قصصه التي ستصير طبعًا مادة العمل الأساسية. وهي فوق ذلك رواية "القصة الغريبة" التي تعوّدنا من محكمي "البوكر" انجذابهم لها.

يتوقع القارئ للوهلة الأولى، أن ينبني العمل على نوع من التاريخ الجزئي والقصصي، فيتفاجأ أنّ الرواية تسير إلى تقديم رواية حزبية عن التاريخ الفلسطيني من خلال حياة البطل، من دون أن تتجنب الغوص في تفاصيل إشكالية، أخذها المؤلف من وجهة نظر شيوعية، وهي مادة تتعمّد فرض سياق تاريخي حقيقيّ على القصة، فيما بدا أنّه نزعة غير مفهومة، مع أنّها متكررة فلسطينيًا، للتوثيق.

  قصة تقليدية ومكررة عن الفلسطيني الذي يجب أن يعيش كل تاريخ فلسطين، والذي يكون تاريخه الشخصي بالضرورة، جزءًا ثانويًا على هامش هذا التاريخ الكامل

الرواية مليئة بالحشو، وبسرد قصص يكتشف القارئ لاحقًا أن لا داعي لوجودها، وأن لا صلة لها بمتن العمل. فيخصص النّص مثلًا صفحات عديدة من أجل إيراد قصة زواج جيران البطل، بالتفصيل "الممل فعلًا"، من دون أن نفهم ما جدوى وجود هذه التفاصيل الطويلة، وكذا فإنّ البطل التقليدي "الخارق"، يتنقّل بين المدن الفلسطينية ويلاحق الأحداث التاريخية المهمّة قبل النكبة، في قصص يكتشف القارئ النبيه أنّها مجرّد مبررات، غير مقنعة في معظم الوقت، لعرض هذه الأحداث، وفرضها على القصة. إنّها قصة تقليدية ومكررة عن الفلسطيني الذي يجب أن يعيش كل تاريخ فلسطين، والذي يكون تاريخه الشخصي بالضرورة، جزءًا ثانويًا على هامش هذا التاريخ الكامل.

اقرأ/ي أيضًا: 5 روائيين يجيبون عن سؤال: كيف تكتب رواية؟

لغة الحوار، مثل لغة السرد، كلاسيكية وتقليدية، مشبعة في كثير من الأحيان بشاعرية مملة، وبتكرار غريب. لقد كان على البطل مثلًا أن يتذكّر دائمًا شوارع القدس وبيارات يافا وأسوار عكا، إلخ، وكأنّه نصّ تاريخ مدرسيّ، لم يحاول حتى تجنُّب كليشيهات النوستالجيا الفلسطينية النمطية.

كان أمام الرواية في مواضع عدة، فرصة لم تغتنمها للغوص في إشكاليات الوطني والأممي، الحاضرة بقوة في تاريخ الشيوعيين الفلسطينيين، بدون مبالغة في الحرص على التوفيق بينهما. وقد كان هناك محاولة، لم تكتمل للأسف، في طرح أسئلة الوطنية والصراع القومي مع الاستعمار وعلاقتها بالتنظير للتباينات الطبقية؛ كيف يمكن أن يرى العامل الفلسطيني أو الفلاح (الغائب في الرواية لضرورات نظرية طريفة) العامل اليهودي المستوطن القادم من أوروبا مثلًا؟ وكيف يمكن أن تتقاطع رواية الفقراء والعمال مع رواية السكان الأصليين والمستعمرين؟ وهي أسئلة كان يمكن أن تأخذ الرواية إلى مكان آخر.

تميّز العمل باستسهال ظاهر، يجعل البطل خارقًا، واليهودي الشرقيّ مضطهدًا مضللًا وقادمًا بالقوة إلى فلسطين، والفلاح مُغنّي مواويل وعازف ربابة، والمرأة الروسية معجبة بتفاصيل الشرق العجيب وبقصص ألف ليلة وليلة. وأخيرًا، وحتى تكتمل أركان الاستسهال، فإن النّص مليء بالأخطاء اللغوية والمطبعية والتحريرية، بحيث لا تكاد تخلو صفحة واحدة منها، وكأنّه مسودة غير منشورة، لم يراجعها المؤلف ولا حتى دار النشر.  


اقرأ/ي أيضًا:

كتب، أغلفة وترجمات مسروقة للبيع!

رواية فلسطينية خارج سوق الدموع

في بؤس مثقف الفقاعة