27-فبراير-2016

فلسطينية تحمل صورة الشهيد عمر نايف

في حرب غزة الأخيرة، جن جنون الفلسطينيين بتعبيرات ثلاثة "المسافة صفر" و"خلف خطوط العدو" و"عادوا لقواعدهم سالمين"، وتلازم العبارات لوصف حادثة واحدة كان يبعث أكوامًا من الأدرنالين في الجسد.

في الأشهر الأخيرة لا قواعد آمنة في الضفة الغربية، فالعمل العسكري محارب من الاحتلال والسلطة في آن

طوال سنوات من العمل العسكري الفلسطيني، كانت قدرة أي تنظيم على تذييل بيانه العسكري بعودة مقاتليه إلى قواعدهم سالمين، مؤشرًا على حجم التنظيم وفعاليته وقدرته العسكرية. بل يمكن اعتبار هذه العبارة محددًا صادقًا لحال المقاومة المسلحة الفلسطينية، كلما كثرت فأحوالها أفضل، وحين تختفي فهذا يعني أن الأحوال معقدة.

اقرأ/ي أيضًا: غزة التي خذلناها مرارًا

في الأشهر الأخيرة لا قواعد آمنة في الضفة، فالعمل العسكري محارب من الاحتلال والسلطة، وهذه بديهية، لا يعلم المرء حتى متى سيظل فلسطينيون يستغربون منها، هذا ليس خبرًا بلغة الصحافة، هذه حقيقة يتواضع الجميع عليها.

ليست السلطة الفلسطينية مكانًا آمنًا لأعداء الاحتلال، هذه بديهية، علاوة على ذلك هي ملتزمة بتسليمهم. وهذا ما يجد كثيرين ليدافعوا عنه فلسطينيًا، الأمر تجاوز اعتراف السلطة به وإعلانه، إلى المحاججة بأهميته وضرورته.

ما يثير الاستغراب، هو كثرة الاستغراب فلسطينيًا، يمكن أن تشعر وأنت تتابع الأحداث وتعليق الفلسطينيين عليها، أن ما يحدث يحدث لأول مرة، حتى إن كان تكرر بحذافيره مرات ومرات. وندخل في دوامة النقاش نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: اسمه جيش الاحتلال الإسرائيلي

الدم الفلسطيني يسيل، وكأن هذا قدره، في فلسطين وفي الدول العربية وفي كل بلدان العالم. لا يمكننا أن نتحدث عن قواعد آمنة للدم الفلسطيني، هنالك غزة نسبيًا، إلا أن جولة حرب يمكن أن تدك القواعد جميعها.

والدم الفلسطيني يسيل دون أثمان، هذا واضح ومنذ سنوات، أخيرا يُدَفِّع الفلسطيني الاحتلال ثمن دمه قبل أن يسيل بلحظات، هكذا يمكن تعريف العمليات الفردية من طعن ودهس. يمكن أن يستسلم الفلسطينيون لهذه الحقيقة - مع أنهم لم يستسلموا- خاصة وأن المنطقة غارقة بالدم، وكله بالمجان دون ثمن. ولكن ما يصلح دم عمر النايف ليقدمه لنا هو أن نتعلم، أن نقفل الدرس ونختمه، ولا أن نعود للبداية مرة أخرى.

اختار النايف أن يأخذ السفارة والسلطة من خلفها والفلسطينيين إلى اختبار كاشف. إلى جولة أخيرة تثبت أين نحن

لا يمكن لمراقب قضية عمر النايف إلا أن يدرك أن لجوءه للسفارة الفلسطينية لم يكن طلبًا للنجاة أو الحياة، من مضى قبل سنوات لينفذ عملية عسكرية لا يفكر بالعودة ولا بالأثمان. اختار النايف أن يأخذ السفارة والسلطة من خلفها والفلسطينيين إلى اختبار كاشف. إلى جولة أخيرة تثبت أين نحن، وما قيمة كل البهرجات الأممية والدبلوماسية في اختبار الدم والأمن والكرامة.

لو واصل النايف سنوات المطاردة والتخفي لربما عاش عدة سنوات أُخر، وبعدها يعتقله الأمن البلغاري ويسلمه لإسرائيل ليعود لسجونها، تلك التي أوصله جحيمها قبل عقدين لادعاء الجنون لتنفيذ خطته المحكمة للهروب من السجن. أو ربما بلغه الموساد الإسرائيلي واغتاله مثل فلسطينيين كثيرين. الرجل أراد إقفال حلقة النضال المحرج لكل مسار السلطة اليوم، وفي عقر دارها حسب الأعراف الدبلوماسية الواهية. عاش حجة على المستسلمين واستشهد حجة عليهم.

النايف اختار ميتته المدوية الكاشفة، كما يليق بمناضل من زمن مختلف. ومضى ليقول إنه تكفل بثلثي المعادلة، عملية من "النقطة صفر" قبل أكثر من عشرين عاما، وفرار مدبر "من خلف خطوط العدو"، أما "العودة إلى قواعده سالما" فهذه مسؤولية الفلسطينيين وليست مسؤولته، ومن الواضح أن الجميع أخفق، ناهيك عمن تورط.

اقرأ/ي أيضًا: 

أكثر من مصالحة.. أقل من دولة

إن شئتم أن تسمّوها انتفاضة