19-ديسمبر-2015

الحياة الآن هي أن نتنفس حرية كما العالم(محمد أسعد/الأناضول)

حينما كنا نلتقط صور Selfie على شاطئ غزة، كان الموج فاترًا رغم برودة الأجواء، قلت في نفسي وقتها إن هذا بطبيعة الحال تناقض كبير، ألَّا يرتفع منسوب الموج انسجامًا مع انخفاض درجات الحرارة، ولكن ما الغرابة في الأمر فالتناقض جزء من حكاية هذه المدينة الخراب "غزة"، التي تقع تحت حصار خانق في وقت يسمح فيه الاحتلال بتدفق الاحتياجات كافة عبر المعبر، باستثناء مواد البناء، إذا عن أي حصار يتحدث الغزيون؟

في غزة نحتاج إلى الحرية أكثر من حاجتنا لوجبة "همبرجر مجمدة" تمر عبر المعبر الإسرائيلي

تدرون أن الشك يراود الكثيرين في الوسط العربي والدولي فيما إذا كانت غزة تعيش حصارًا حقيقيًا أم لا؟ فالحنكة "الإسرائيلية" استطاعت أن تحرف الأنظار عن حصار غزة. يعاقبوننا بعقلانية، يوحون للعالم كله أننا نعيش في رغدٍ وأنه لا شيء ينقص سفرة طعامنا، في الوقت الذي نحن بحاجة فيه إلى الحرية أكثر من حاجتنا لوجبة "همبرجر مجمدة" تمر عبر المعبر الإسرائيلي، هل أكثر من هذا تناقض في التعامل معنا كشعب محتل!

حتى ونحن نقتنص الفرصة لالتقاط الــ Selfie من على متن مركب يمخر عباب المتوسط، لا تظنوا أننا نعيش أحرارًا. نحن نستحضر الطلقات الطائشة التي من الممكن أن تصيبنا في عرض البحر، فالزوارق العسكرية الإسرائيلية لا تعطي مساحة واسعة للتحرك في هذه المياه المحفوفة بالموت. إذًا أنت هنا كشاب تتنزه والكل في عالمي الفيسبوك والإنستغرام، يعبر عن إعجابه بصورك وهم يشاهدون ضحكتك المزيفة، فأنت تلتقطها والخوف يأكل قلبك بتأني!

العالم الافتراضي يعطينا أحيانًا انطباعًا عكسيًا عن حياة بعض الناس، انسجامًا مع الصور التي يلتقطونها لأنفسهم من فوق تلة خضراء أو نقطة مياه زرقاء، الناس في خارج هذه البقعة من الأرض (غزة) واهمون بجمال الطبيعة، لا يفقهون شيئًا عن ماهية أجهزة المراقبة خلف الحدود الشائكة أو نيشان خفر السواحل الذي يصيب بصمت في مقتل.

كل شيء باعث على القلق والإرباك في غزة، لا أحد منا بإمكانه أن ينازع الحياة بؤسها حتى يستطيع أن يعيش لحظة سعادة، الأحلام هنا قد قتلها الحصار، ورغم ذلك تَصُم المنصات الإعلامية آذانها عن غزة، لا أحد يدرك حاجة القطاع للحياة، لأن الحياة بالنسبة لنا لم تعد تعني كما في زمن الحصار الأول 2007، الطعام والشراب، الحياة الآن هي أن نتنفس حرية كما العالم.

في ما مضى من زمن الحصار كان الناس يملكون المال غير أن إسرائيل كانت تحجب إدخال أدنى مقاومة الحياة الأساسية، فاستعانوا بالأنفاق الأرضية أسفل الحدود الفلسطينية-المصرية، بديلًا عن المعبر ودفعوا أموالًا طائلة لتمرير احتياجاتهم من دقيق وجبن وحليب، أما المفارقة اليوم فهي أنهم لا يملكون مالًا فيما الأسواق تعاني كسادًا في السلع حتى تلك التي تباع بـ"تراب المصاري"! أرأيتم أكثر من ذلك تناقض!

نحن هنا نتحدث عن غزة، تلك البقعة المنفية من الأرض، ذات المساحة الصغيرة التي لا تعطيك فرصة للتيه في الشوارع والأزقة أكثر من ساعة ونصف. نتحدث عن الناس الذين لا سبيل لديهم في احتواء لحظات الفرح، فهم حين ترتفع ضحكاتهم قليلًا يضعون أياديهم على قلوبهم، تحسبًا من حصول كارثة، اعتادوا على أن يعقب الفرح غصة كبيرة تقلب موازين الأشياء وتشكل فارقًا في عمر اللحظات الجميلة.

عندما نتحدث عن حصار غزة، فنحن نتحدث عن حاجة حقيقية لبناء مسكنٍ دمر كله أو جزء منه خلال الحرب الأخيرة

عندما نتحدث عن حصار غزة، فنحن نتحدث عن حاجة حقيقية لبناء مسكنٍ دمر كله أو جزء منه خلال الحرب الأخيرة على القطاع 2014، أو استبدال كرفان ببناية صغيرة تحجب المزاريب المنهمرة من جراء موجة شتاء قاسية. نتحدث عن حلم اقتناء أرجوحة للأطفال القاطنين بالقرب من الحدود الشرقية والشمالية المتاخمة للأراضي المحتلة، فالإقامة هنا أشبه بالنوم في حقل ألغام قد ينفجر في أية لحظة وبالتالي قد تموت البراءة في غمضة عين، لأن التهدئة المبرمة بين إسرائيل وقوى المقاومة منذ آب/أغسطس 2014، هشة وقد تسقط في أية لحظة.

نتحدث عن غزة وعن حلم بلوغ الأربعين حتى يمكننا الاحتلال من زيارة المدينة المقدسة، على الأقل لالتقاط صورة Selfie خلف المآذن والكنائس القديمة حتى لو كانت تعلوها البنادق. نحتاج الكثير مما لا تدرون وكل ذلك معلق بأمر إسرائيلي. نحتاج أن نتنفس حرية، فهل علمتم عن أي حصار يتحدث الغزيون؟

اقرأ/ي أيضًا:

أبراج المراقبة أشواك في حلق غلاف غزة

التسلل من غزة إلى إسرائيل.. ملف متفجر