26-ديسمبر-2016

أيمن عودة، صورة أرشيفيّة

أثارت تصريحات النائب أيمن عودة الأخيرة في مقابلته التلفزيونية على القناة الإسرائيلية الثانية، حول قضية النائب باسل غطاس المعتقل منذ عدة أيام بتهمة نقل هواتف خليوية ومواد مشفرة لأسرى في سجون الاحتلال، موجة من الانتقادات اللاذعة، وتوالت على إثرها التعليقات المستهجنة والغاضبة ضدّ هذه التصريحات التي تضاف إلى جوقة الوزراء والإعلام الصهيوني المحرِّض، الذي حاكم وأدان النائب غطاس قبل محاكمته حتى، سواء قصد قائلها ذلك أو لم يقصد.

تصريحات عودة "نقطة تحوّل" في النضال السياسي للداخل الفلسطيني، كونها تُعيدنا إلى فترات مظلمة سيطر فيها الضعف والجبن، وضمر فيها الحس الوطني

يُمكن اعتبار تصريحات النائب عودة "نقطة تحول" في تاريخ النضال السياسي في الداخل الفلسطيني كونها تُعيدنا إلى فترات مظلمة سيطر فيها الضعف والجبن، وضمر فيها الحس الوطني المجاهر برفض الأسرلة والخنوع، حيثُ يُبرر فيها المظلوم ظُلمَ ظالمه ويستجدي فيها حقوقه مكرمةً من الباب العالي أو من المندوب السامي،إذ تتلخص خطورتها في التخلي الواضح عن النائب غطاس، وإعطاء ضوء أخضر للمؤسسة الإسرائيلية بأن تنفرد به، رغم عدالة القضية أولًا، ورغم كون القضية ما زالت قيد التحقيق ثانيًا.

إلى جانب مضامين التصريحات الهزيلة التي كانت في إجابات النائب عودة خلال مقابلته، والتي بدت كأنها أقرب إلى تحقيق "شاباك"، بدا عودة ضعيفًا ومرتبكًا تارةً وخجولًا ومستسلمًا تارةً أخرى، أمام وابل الأسئلة الاستعلائية التي طرحتها مُقدِّمة البرنامج، وبدل أن يوقفها عند حدِّها ويضع الأمور في نصابها القويم، آثر الصمت.

لم يتسلح عودة بالحد الأدنى من المحاججة والمعارضة ومقابلة الادّعاء بآخر يفنّده، وهي حجج نحياها واقعًا معاشًا، لا تحتاج اطلاعًا واسعًا وذاكرة خصبة، إنما موقفًا صحيحًا وثقة عاليةً بالنفس، وشعورًا غير الذي أبداه عودة من الضعف أمام "السيّد الأبيض".

إن الحدّ الأدنى الذي على عودة التشبّث به، هو المجاهرة بفخر أنّ قضية الأسرى عادلة

إن الحدّ الأدنى الذي على عودة التشبّث به، هو المجاهرة بفخر أنّ قضية الأسرى عادلة، وأساس القضية هو معاناة الأسرى وذويهم، ومن هذا المنطلق تنبع كافة الفرضيات ويتم التأسيس لكل الإجابات. فالأسرى، إلى جانب سلب حريتهم، يتم منعهم من التواصل مع أهاليهم وأقاربهم ويُحرمون من أبسط الحقوق المكفولة دوليًا، فعدالة القضية كافية لإسقاط جميع الادّعاءات وإسكات جميع التساؤلات. والذي كان يُتوقع من النائب عودة هو إعادتها لهذا المربع في كل مرّة كانت تحيد عنه، بل ووضع الاحتلال (الذي تمثل المذيعة أحد أبواقه) أمام صورته الحقيقية من خلال وجوده غير القانوني وممارساته الفاشية من هدم للبيوت وتهجير المواطنين الأصلانيين وقمع كل نشاط أو حراك سياسي.

إن خطورة تصريحات النائب عودة تكمن في الخضوع أوّلًا إلى التقسيمات التي يحاول الاحتلال فرضها من خلال تقسيم العرب إلى معتدلين ومتطرفين،إذ قَبِلَ ادّعاءَ المذيعة أن التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب متطرّف عندما تأتأ وتهرّب من الإجابة الصريحة والواضحة لرفض هذا الاتهام،حينما سألته عن كون "حزب التجمع دفيئة للإرهاب". إن مجرّد قبول هذا الادّعاء يضع المجتمع الفلسطيني كله تحت وطأة هذه التقسيمات، ما يُسهّل تجريمهم، لاحقًا، إضافة إلى "تخريب" الوعي الناتج عنه. ذلك إلى جانب تصريحه بأنه قصد عدم حضور جلسة المحكمة التي بتت في التهم الموجهة ضد النائب غطاس، معبرًّا عن رفضه لخطوته "غير القانونية" التي لم تثبتها المحكمة حتى، كل ذلك في حال أردنا الوثوق بـ"عدالة" المحكمة التي لطالما ظلمت الفلسطينيين أو"مصداقية" الشرطة التي قتلت شبابنا واعتقلتهم بشكل تعسفي في كل مناسبة،أو "استقامة" جهاز المستشار القضائي، الذي أغلق ملف قتل الشباب الـ13 في أحداث الانتفاضة الثانية (الذين يعرف عودة أكثر من غيره معاناة أسرهم) أو تجريم شباب شفاعمرو عندما تصدوا للمجرم نتان زادة.

اقرأ/ي أيضًا: ليبرمان: سنسحب جنسيات "خونة" القائمة المشتركة

إن النقطة المركزية التي تمحورت حولها المقابلة هو الفعل "غير القانوني" المتهم به النائب غطاس حسب ادّعاء الشرطة وبالمقابل تشديد النائب عودة على أهمية النضال "وفق القانون" والتزامه بهذا الخط والتبرؤ مِن كل مَن يحيد عن هذا الخط، أي الخط الذي "حاد عنه" معظم الأسرى بمن فيهم مروان البرغوثي الذي زاره عودة وتم التحريض ضدّه على إثرها، وخالدة الجرار التي استقبلها بعد تحريرها قبل عدة أشهر، والذي "حاد عنه" محمد بركة حينما أُتهِمَ بالاعتداء على رجل شرطة في مظاهرات التصدي للجدار الفاصل عام 2005، أو توفيق زياد حينما خالف "القانون الإسرائيلي" عندما تواصل مع قيادة منظمة التحرير وعلى رأسها ياسر عرفات، والتي جرّم القانون التواصل معها آنذاك.

وبالنظر إلى هذه الجدلية، فهذا النهج يجرّم أيمن عودة ذاته حين تم اعتقاله عدة مرات، عندما تصدى لعمليات الهدم في العراقيب مثلًا، لأن تصرّفه وفق الشرطة، "غير قانوني" آنذاك، فهل وفق معادلة النائب عودة كان علينا التخلي والتبرؤ من أيمن عودة الناشط (لا السياسي؟) وحزبه، بعدما اعتقلته الشرطة لأنه خالف قانونها؟ هذا الجدل يعيدنا إلى النقاش الحقيقي حول قانونية الاحتلال وديمقراطيته الزائفة التي يتغنى بها، بل إنه يمنن بها كما فعلت المذيعة في مقابلتها معه، حينما سألته "عن استغلال قوة الديمقراطية الإسرائيلية من قبل النائب غطاس".

لا يمكن لدولة سَرقَت وطنًا وشَرَّدت شعبًا أن تتحدث عن منظومة الحقوق والقوانين، فالمخالف الحقيقي للقانون هو الاحتلال من خلال وجوده وممارسته

وجب التأكيد أنه لا يمكن لدولة سَرقَت وطنًا وشَرَّدت شعبًا أن تتحدث عن منظومة الحقوق والقوانين، فالمخالف الحقيقي للقانون هو الاحتلال من خلال وجوده وممارسته، بالإضافة بنائه للمستوطنات ومحاصرته لغزة، وحرمانه الأسير وليد دقة المحكوم منذ 30 سنة تقريبًا (أحد الأسرى المتداخلين في قضية النائب غطاس) من التواصل مع أهله، ومنعه من جلب طفل إلى هذا العالم من زوجته رغم طلباته المتكررة منذ 13 سنة (رغم سماحها بذلك لقاتل رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاك رابين، "اليساري").

بالإضافة الى ذلك، وبالنظر الى ممارسات الاحتلال، فهو يعتبر عمليات الهدم مثلًا، ممارسات "قانونية" ورفض ذلك والتصدي لها فعل "غير قانوني"، وبحسب المنطق الذي طرحه عودة، علينا الانصياع للقوانين التي تجيز الهدم في هذه الحالة.

إن قضية النائب غطاس، كما باقي قضايانا هي مركبة ومعقدة ولم يطلب أحدٌ من النائب عودة أو أي نائب عربي تبني الفعل المتهم به النائب غطاس، لكن باعتباره رئيس القائمة المشتركة كان حريًا به الوقوف إلى جانب أحد أعضاء هذه القائمة والذي يمثل حركة وطنية ذات قاعدة جماهيرية واسعة وصد المحاكمة الميدانية التي باشر بها وزراء الحكومة إلى جانب الإعلام بدون أي أدلة وأي أساس أو انتظار نتائج المحاكمة إذا أراد ذلك.

وفي النهاية، تجب الإشارة إلى أنه لا يمكن التنكر لمواقف النائب عودة الواضحة في وقوفه مع التجمع في حملة الاعتقالات الأخيرة ولا يمكن إنكار دوره عندما رفض المشاركة في جنازة شمعون بيرس،لكنّه، هذه المرة، أخفق وبشدّة، ولم يرتقِ لمستوى الحدث والموقع الذي يمثله.

اقرأ/ي أيضًا: 

حرب إسرائيل على التجمع.. إلى أين؟

بعد غطاس .. إسرائيل توسع الهجوم على حنين زعبي

محكمة إسرائيلية تمدد اعتقال النائب غطاس 24 ساعة