01-مايو-2018

ولد حسين جميل البرغوثي في الخامس من أيّار/ مايو من عام 1945 في قرية كوبر شمال غرب مدينة رام الله. وقد قضى البرغوثي طفولته بين قرية كوبر مسقط رأسه، وبين بيروت حيث كان يعمل والده. عند تخرّجه من الثانوية العامة، التحق ببرنامج العلوم السياسية واقتصاديّات الدولة في جامعة بودابست بهنغاريا، إلّا أنه لم ينهِ دراسته هناك. عاد إلى فلسطين بعد ذلك ليدرس الأدب الإنجليزي في جامعة بيرزيت، والماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة سياتل.

كان الأديب حسين البرغوثي عضوًا مؤسسًا وإداريًا في جهات ثقافية عديدة، وأستاذًا جامعيًا في جامعتي بيرزيت والقدس

كان حسين عضوًا مؤسسًا في بيت الشعر الفلسطيني، ومدير تحرير مجلة الشعراء، ورئيس تحرير مجلس أوغاريت، وعضوًا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين. وكذلك عمل أستاذًا مساعدًا لمادة الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت؛ بعد تخرّجه منها بدرجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ثم انتقل إلى جامعة القدس. 

اقرأ/ي أيضًا: معرض الكتاب ع الأبواب.. ماذا نقرأ؟

توفّي البرغوثي في الأوّل من أيّار/مايو عام 2002 إثر صراع طويل مع مرض السرطان. مخلّفًا وراءه ما يزيد عن 16 عملاً أدبيًا توزّعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلوريّة، والعديد من الأبحاث باللغتين الإنجليزية والعربيّة. وإضافة إلى ذلك، فقد ساهم حسين في وضع العديد من السيناريوهات لمجموعات من الأفلام السينمائية، وفي العمل المسرحيّ، وكتابة الأغاني الشعبيّة.

[[{"fid":"71710","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

صدرت روايته الأولى والوحيدة "الضفة الثالثة لنهر الأردن" عام 1983، وهي الرواية التي تتخذ من عيشه في هنغاريا مادّة خصبة لحبكة روائية تبدو وكأنها فيض متفجِّر من الكلمات والأفكار واللقاءات العابرة والصدف غير المتوقعة التي تجري بين شخوص الرواية التي يمثِّل حسين الشخصيّة الرئيسيّة فيها.

وفي الشعر، صدرت له مجموعات شعرية عدّة هي، "الرؤيا" 1989، و"ليلى وتوبة" 1992، و"توجد ألفاظ أوحش من هذه" 1998، و"مرايا سائلة" 2000، وقد جمعت أعماله الشعريّة في مجلّد حمل عنوان "الآثار الشعرية الكاملة" عن بيت الشعر الفلسطيني، عام 2008، والواقع في 352 صفحة.

[[{"fid":"71711","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

كما ساهم حسين في وضع عدد من الدراسات النقديّة في الأدب، أهمّها "أزمة الشعر المحلي"، و"سقوط الجدار السابع". وما بين الشعر والنثر، كتب حسين نصّ "حجر الورد"، النصّ ما بعد الحداثيّ؛ الذي يختلط فيه الخيال بالواقع، والموروث بالحاضر، والقصّة بالحوار، تاركاً القارئ بعد الانتهاء من القراءة في حالة اغترابٍ حادّة عن الواقع، لا هو حاضرٌ ولا هو بالغائب تمامًا.

خلّف حسين البرغوثي وراءه 16 عملاً أدبيًا توزّعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلوريّة

وكان لحسين ثلاثيّته في السيرة الذاتية، وتعد من أجمل ما كُتب في النثر العربيّ، وهي تترواح بين السيرة والسرد الروائيّ، فليست بالسيرة الذاتية بالمعنى المتعارف عليه، وليست بالرواية. وهي "الفراغ الذي رأى التفاصيل"، والذي يضمّ مجموعة من النصوص المتعددة النقديّة والسرديّة.

اقرأ/ي أيضًا: لاريسا صنصور.. شتات الفلسطيني لا ينتهي

و"الضوء الأزرق"، الكتاب الذي يبدو أنّ عنوانه يصيرُ إلى مصطلح فارقٍ ومميّز في الثقافة الفلسطينيّة، ويروي فيه البرغوثي حياته في سياتل، وقصّة عدد من العلاقات الشخصية وغير الشخصيّة بالأشخاص وبالأمكنة التي أحدثت أثرها في تجربته لاحقًا، حتى دفعته إلى كتابتها في كتابٍ قال عنه محمود درويش: "إنه كتاب فريد من نوعه في الكتابة العربيّة، ولعلّه أجمل إنجازات النثر في الأدب الفلسطيني". ويأتي كتاب "سأكون بين اللوز"، الذي كتب فيه حسين عن تجربته وصراعه مع مرضه السرطان، وكان آخر ما كتب.

[[{"fid":"71712","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":279,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

 ترك حسين أثرًا فارقًا في الثقافة الفلسطينية، إلّا أنّ هذا الأثر قد أخذ زمنًا حتى يتشكّل في وعي القارئ الفلسطيني والمثقف على حد السواء. فحتى زمن قريب، اقتصرت طباعة مؤلفاته في طبعات ثانية أو ثالثة، ثم جاء كتاب "الضوء الأزرق"، الذي نشر للمرة الأولى في عام 2001 عن بيت الشعر الفلسطيني، وقد كانت الثانية في عام 2007 عن دار الرعاة، وأعيدت طباعته بواسطة المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ومؤخرًا تمّت إعادة طباعة الكتاب في الطبعة الرابعة، إضافة إلى عدد من كتبه الأخرى كـ"الضفة الثالثة لنهر الأردن"، و"الفراغ الذي رأى التفاصيل"، و"حجر الورد"، و"سأكون بين اللوز"، في طبعة واحدة عن دار الأهلية في عمّان.

والملاحظ لهذه الطبعات المتعددة، يجد أن أثر حسين البرغوثي في الثقافة الفلسطينيّة، يشبهُ أثر شعراء وكتاب آخرين، لم يتحقق بشكله الأكمَل إلّا بعد وفاته بسنوات، حتى أصبح إلى ما هو عليه الآن من أهميّة وحضور كبيرين في الوسط الثقافي الفلسطيني وحتى العربي.

أثر حسين البرغوثي في الثقافة الفلسطينيّة، يشبهُ أثر شعراء وكتاب آخرين، لم يتحقق بشكله الأكمَل إلّا بعد وفاته بسنوات

في "نشيد الأقنعة"، وهو الاسمُ الذي وصفَ بهِ حسين مقطعًا كتابيًا طويلاً من كتابه "الضوء الأزرق"، يصف بهِ ما رآه البعض من شذوذٍ في السلوك والعادات والشكل. كان فوضويًا وصموتًا، منعزلاً "في قوقعة من علاقات قليلة، مع بشر "استثنائيين" فقط، بأقل عدد ممكن". لقد رأى حسين نفسه من قبل أنّ من حوله سيعدّونه "صعلوكـًا"، وشاذًا، وسينتبهون إلى ما هو "خارجيّ" فيه، إلى ما سمّاه بـ"قشوره".

كان هذا كلّه بالنسبة له "قناعًا" فيه يخفي داخله عن خارجه، ومن خلاله يحمي روحه من كلّ شائبة ممكنة من حوله. وامتدّت هذه القشور كي تشمل الملابس والشعر الطويل، والصندل غير الرسميّ، والتشرّد والفظاظة، وعدم الاكتراث بالناس ودنياهم، وعدم الدخول في أي صراعات جانبيّة. كان هذا كلّه تمرّدًا حتى في أبسط مظاهره وصوره على "النموذج الرسميّ" والمقبول، من مكانته كأستاذ جامعيّ، أو كمثقف في وسطٍ ثقافي مضطّرب دائمًا.

"سيدعو الناس هذا "صعلكة" وشذوذًا، وسينتبهون إلى كل ما هو "خارجيّ"، إلى قشوري، وعليّ زيادة القناع قوّة بأن أطيل شعري أكثر، وأرتدي صندلاً غير رسميّ، وكل ما من شأنه أن يكون قشرة أخرى تبعد الناس عن "مركزي" و"روحي": ملابسي، شعري الطويل، تشرُّدي، فظاظتي، وسيفكّرون ما يأتي على بالهم، فليكن، هذا نافع.. وعليّ أن "لا أصارع الناس في دنياهم"، سأعزل نفسي في قوقعة من علاقات قليلة، مع بشر "استثنائيين" فقط، بأقل عدد ممكن، وسأتحول، كما تعلّمت من "طريق محارب مسالم"، من شخص استثنائي في عالم عاديّ إلى عاديّ في عالم استثنائيّ.." – الضوء الأزرق.  

في مقابلة له وهو في المستشفى، يقول حسين إنّه تنازل منذ زمن عن فكرة الكمال، وأنه يشعر بالسرور لكونه يشعر أنّه قد حقق شيئًا من حلم قديم، وهو أن لا يمرّ عن وجه الأرض دون أن يترك أثرًا. واليوم، يبدو هذا الأثر جليًا واضحًا، وربما لا يزال في طور التشكّل في ذاكرة الثقافة الفلسطينيّة. فلم يقتصر تأثير حسين الأدبيّ على قراءته وحسب، بل كانت هناك خلال السنوات المنصرمة تسجيلات صوتيّة وقراءات لمقاطع عديدة من كتاباته، وإعادة غناء وتلحين عدد من الأغاني الفلكلوريّة التي كتبها.

الفقرات الأخيرة من كتابه "سأكون بين اللوز"، آخر ما كتب:

"وفي الربيع، بين النحل، ونوار اللوز، وطريق النمل، والشمس، والعصافير، سأتعلّم العزف على الربابة وأقعد فوق بيتنا، وأعزف، مثل قدورة بالضبط، وأشرف على أودية عميقة ومقمرة، وجنائن مزروعة، وأختتم بهذا دور أخرى من دورات التناسخ الأبديّ، دورة أخرى، وخريفية جبلية أخرى.

بداياتي نجمة مشعّة، ونهاياتي كذلك.

ويومًا ما سيعرف الجبل أنّه اختار الثبات، كمدينة البتراء، واخترت الحركة، كالنار، والهواء، والأغنيات، والحكايات، وقصص الجنّ، ولا بدّ أن نتعارف ثانية، ولو في لحن ربابة!

الجبل بدايتي الأولى، ودفعته إلى "أقصاه": أوصلته إلى الإسكندر المقدوني، والمتنبي، وأمون، ورع، ورأس الرجاء الصالح، ولاو – تسو، وبوذا، وجلال الدين الرومي، وبودلير، وماركيز، وميشيما، وغير هذا الكثير، والكثير جدًا. وفيّ وصل هو إلى أقصاه، وصار هو، هو نفسه. وأنا أدرى ببداياتي، فهل يتعرّف هو، هذا الجبل نفسه، هل يتعرف، في ملامح وجهي التي تتكوّن كأسطورة غاية في الغرابة، على أحد أقاصيه، وإحدى نهاياته؟ هل يتعرف هذا الجبل.. هل.. في ملامح.. على أحد.. أقصى، ونهاياته؟ أنا من غريرياته، وآن له الآن أن يراني، على هيئة "غريريا" تصعد الجبل نحو القمر الأحمر الذي يشبه إلهة مغمضة العينين وتتأمّل فوق "خط الشفا"، ويقول لي: هناك، هناك، ألا ترى؟ هناك، سلالم الروح إلى سماء الحديد الفرعونية فاصعد!

اللهمّ فلتشهد! اللهم فلتشهد! وليغنّ الجبل!"


اقرأ/ي أيضًا:

حرب الكلب الثانية: رواية خيال علمي تفتقر للخيال

"علي قصة رجل مستقيم: نوستالجيا نمطية شيوعية

بائع يكتب عن بائع