25-نوفمبر-2017

في السعودية تحتفي لجان إلكترونية (سحّيجة) بالتطبيع المرتقب مع إسرائيل، بينما يحث النظام الخطى سراً نحو التطبيع، وينفي ذلك علناً. وفي الإمارات إعلان صريح من وزير الطاقة بأن بلاده لا تشكل خطرًا على إسرائيل، وإسرائيل لا تشكل خطرًا عليهم. وفي البحرين يهاجم الملك حركة مقاطعة إسرائيل ويرحب بالسياح الإسرائيليين.

مقابل ذلك كله، لا تبذل إسرائيل أي جهود من أجل التطبيع، ولا تقطع خطوات نحو أي من "الدول العربية المعتدلة" كما يحلو لها تسميتهم، بل تكتفي بالوقوف مكتوفة اليدين منتظرة ما يفعله هؤلاء من أجل كسب رضاها، وإن علّقت قالت: هل من مزيد؟ وآخر طلب المزيد كان تصريحًا لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، قال فيه إن الشعوب العربية وليست الأنظمة من تقف أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعرب.

إسرائيل لا تبذل جهودًا من أجل التطبيع، بل تكتفي بالوقوف مكتوفة اليدين منتظرة ما يفعله هؤلاء من أجل كسب رضاها، وإن علّقت قالت: هل من مزيد؟

نتنياهو بقوله هذا يطلب من الأنظمة العربية أن تروض شعوبها، فهو لا يريد تطبيعاً إجبارياً مع هذه الدول، بل يريد للتطبيع أن يكون نتيجة لإجماع شعبي ورسمي؛ وبناء على إيمان من هؤلاء جميعاً بأن التطبيع فيه مصلحة لهم. ومن أجل ذلك، تحرّكت اللجان الإلكترونية السعودية عبر "تويتر" لتجميل التطبيع، وتقديمه كإنجاز سياسي تحتاجه المملكة منذ زمن، وكذلك لتشويه صورة القضية الفلسطينية، والادعاء بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم وتخلوا عن قضيتهم، ويريدون من العرب تحريرهم والدفاع عنهم، وأنه حان الوقت لأن تُقدَّم المصلحة السعودية على مصلحة الفلسطينيين "الخونة".

اقرأ/ي أيضًا: تويتر لتسويق التطبيع السعودي مع إسرائيل

إسرائيل الآن في أفضل حالاتها في المنطقة، فبعد الحروب أو الجولات العسكرية مع دولٍ عربية، وبعد أن كان التطبيع المصري معها سبباً لمقاطعة عربية لمصر، وبعد أن وجدت منظمة التحرير مكاناً لها في أراضي العرب تنطلق منه بعمليات ضد الاحتلال، أصبح العرب الآن يجتهدون من أجل كسب رضاها، ويبحثون عن ما يتجاوز التطبيع العادي معها، إلى عقد شراكات وتحالفات اقتصادية وعسكرية، دون أن تقدم هي شيئاً مقابل ذلك.

بالنسبة لإسرائيل، المرحلة الحالية قد تكون أفضل حتى من التطبيع، فكل ما تطلبه الآن من العرب مُجاب، عليها فقط أن تتدلل، وتضع شروطًا، وتقدم مطالب، وعلى الراغبين برضاها أن ينفذوا ذلك إذا ما أرادوا منها قول "نعم" لإقامة العلاقات معكم. ماذا تملك إسرائيل لتجعل "الدول المتعدلة" تُصلّي لها؟ إنها ورقة الخطر الإيراني المزعوم على المنطقة، وورقة رضا ترامب الذي قال وزير الطاقة الإماراتي إنه "الأخ الأكبر لنا نحن وإسرائيل"، ورضا ترامب يمر طبعًا بإسرائيل.

في السعودية، يقول أحد "السحيجة" إن بلاده وشعبه ضحوا بالعلاقة مع إسرائيل من أجل الفلسطينيين. لقد وصل هذا القائل ومن يدورون معه في فلك النظام السعودي إلى أعلى مستويات الخضوع لإسرائيل، فنسوا أن أصل المشكلة مع إسرائيل يتمثل في كونها كيانًا مغتصبًا لأرض عربية وإسلامية، وآمنوا بأن العلاقة معها مكسب كبير خسروه طوال السنوات الماضية.

لقد نسي هؤلاء أيضًا المشهد الذي بدأت به أغنية الفنان السعودي محمد عبده إبان الانتفاضة الثانية: "لبيك يا أمي"، إذ يظهر مجموعة من الطلاب اليهود وهم يتعلمون داخل مدرستهم بأن حدود إسرائيل من النيل إلى الفرات، وهي القناعة الإسرائيلية الثابتة التي لن تتغير، وأكبر دليل عليها رفض إسرائيل المطلق ترسيم حدود "دولتها".

هل يعلم "السحيجة" في السعودية بأن إسرائيل تجسست على حليفتها الكبرى أمريكا؟ هل علموا بأن حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان قتل مواطنين أردنيين، فاحتفل نتنياهو به وامتنعت إسرائيل حتى عن مجرد الاعتذار؟

في السعودية والإمارات يصرون على  دفع الثمن الباهظ لإقامة علاقات مع إسرائيل، فدعونا نراقب كيف سيدفعون الثمن ثم يكون عليهم خرابًا

يعتقد المروجون للتطبيع في السعودية أنهم لن يستطيعوا إحصاء المكاسب التي سيبدأون بجنيها بمجرد التطبيع مع إسرائيل، ويتحدثون عن سياحة ليس لها مثيل في "المدينة الجميلة تل أبيب"، وهم طبعًا يقصدون باراتها وملاهيها الليلية وعاهراتها، ولا يعلمون أن إسرائيل ستجعلهم يدفعون ثمنًا باهظًا مقابل كل مكسب وهمي سيحققونه من خلالها.

الإسرائيليون خير من يستطيع تحقيق المكاسب، فهم الذين ظلوا منذ بدء العملية التفاوضية مع منظمة التحرير والعرب يطلبون المزيد من التنازلات، حتى استطاعوا في النهاية جعل تجميد الاستيطان مجرد شرط لإطلاق المفاوضات، وقتلوا الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد أن أيقنوا أنه لن يفعل ما يريدونه، في حين قالوا للدنيا إن أبو مازن هو الشريك الأمثل للمفاوضات، ثم حولوه إلى "نازي" داعم لـ"الإرهاب" لأنه امتنع عن تلبية طموحاتهم جميعها.

والآن، أصبح التطبيع بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، مسألة وقت، ومن الوهم الاعتقاد أنه بالإمكان ثني هذه الدول عن التطبيع، فهم يصرون على دفع الثمن الباهظ لإقامة علاقات مع إسرائيل، يلهثون من أجل دفع الثمن، ويتلذذون بوهم المكاسب العظيمة المرتقبة، فدعونا نراقب كيف سيدفعون الثمن ثم يكون عليهم خراباً.


اقرأ/ي أيضًا: 

إيلاف تحتفي.. آيزنكوت: السعودية لم تكن عدونا يومًا

مسؤول سعودي يفتي لـ"معاريف" بتحريم المقاومة

ليفني والفيصل.. "الوضع عال العال"