04-نوفمبر-2017

الصورة تقول كلّ شيء.. من مشاهد إحياء مئوية معركة بئر السبع التي خاضها جنود "انزاك" في الحرب العالميّة الأولى

منذ أيّام مرّت المئوية الأولى لمعركة بئر السبع جنوب فلسطين المحتلة، حين استولى الفيلق الاسترالي/ النيوزلندي المعروف بـ "انزاك"، على المنطقة من القوات العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي "المعركة التي لولاها لظلّ وعد بلفور حبرًا على ورق"، وفقًا لنتنياهو الذي وصفها أيضًا بأنّها "معركة ساعدت في نهاية المطاف على إقامة إسرائيل". أمّا جنود "أنزاك"، فقال "إنّهم جزء من تاريخ وذاكرة إسرائيل".

في هذا النّص، يعرض الكاتب بعضًا من فظائع وجرائم جنود "الأنزاك" بحقّ أصحاب الأرض:


في ليلة السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1918، اقتحم جندي "الخيالة الخفاف النيوزلندية" لوسلي لوري، مع مجموعة من رفاقه المخمورين أحد بيوت قرية الصرفند الصغرى، صارخًا بالعربية: "بدّي بنت".

مشهد الجنود الثملين يعربدون بين بيوت الصرفند كان قد صار برنامجًا يوميًا يؤرّق ليالي القرية، فالقائمون على حانة "ريشون ليتصيون" والذين أداروا عمليًا أهمّ خلايا التجسس اليهودي قبل النكبة، لم يكتفوا بتقديم المشروبات الروحيّة للجنود وحسب، بل قاموا بتلقينهم عبارات عربيّة تمسّ الشرف، أملًا منهم في أن يضطر سكان الصرفند إلى بيع أراضيهم والانتقال إلى مناطق بعيدة عن معسكرات الجيش.

بعد يومين من حادثة اعتداء "لوسلي لوري" ورفاقه على بيوت الصرفند الصغرى، استيقظ الجنود النيوزلنديين في معسكر "الأنزاك" الواقع غرب القرية على أصوات إطلاق نار، ليجدوا المجنّد "لوسلي لوري" قتيلًا في خيمته.

في مساء العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، هاجمت قوة مُشكّلة من مئات الجنود، قرية الصرفند الصغرى، وبدأت بفصل نساء القرية وأطفالها ونقلهم إلى الصرفند الكبرى شمالًا. بعد إخلاء القرية من النساء والأطفال، أمر قائد "فرقة الخيّالة الأنزاك" بقتل جميع شباب ورجال القرية، والذين قُدّر عددهم بحوالي 137. ولضمان عدم عودة باقي السكان إلى قريتهم، قامت القوة المهاجمة بإحراق البيوت والبساتين، وأعدمت الحيوانات وخرّبت آبار المياه.

اقرأ/ي أيضًا: فارسُ المرمى يحرسُ الجنّة!

بعد مذبحة صرفند الصغرى، بدأ أهالي طبريا بجمع التبرعات لتسليح شباب القرية، فالحال فيها لم يختلف عن الصرفند من حيث وجود حانة لليهود يخرج منها جنود سكارى يطرقون أبواب البيوت في الليل بحثًا عن الفتيات. إلّا أنّ الإنجليز لم يلبثوا أن قاموا بحملة مداهمة واسعة لتفتيش البيوت ومصادرة الأسلحة، بعد أن أخرجوا جميع السكان إلى شاطئ البحيرة.

الفتى صبحي العنكوش قرر إنقاذ البندقية التي حصل عليها بأي ثمن، فلم يخرج مع السُكّان إلى الشاطئ رغم التهديدات الجادة من الإنجليز بقتل كل من يتخلّف عن الخروج، وبدأ يتنقّل عبر الأسطُح من منزل لآخر حتى نهاية الحملة.

التنقُّل عبر الأسطح أصبح فيما بعد أسلوب "العنكوش" في حراسة المدينة، المهمة التي قام بها مع مجموعة من شبان المدينة منذ "حملة المداهمة/ نزلة البحر"، كما أسماها السكان، وحتى سقوط المدينة في 1948.

حدد" العنكوش" مع رفاقة مسالك آمنة عبر أسطح المنازل، واتفقوا على نظام اتصال وإنذار، بحيث يتوجّه "العنكوش" إلى النقطة التي يتمكن فيها من قنص أي جندي يدخل المدينة ليلًا، فيما يقوم رفاقه بتخريب أعمدة الإنارة وقطع الكهرباء.

استمرّ "العنكوش" في مهمّته حتى إجلاء "الانتداب" لقواته من طبريا، ليشارك فيما بعد في معارك الطرق التي أراد اليهود من خلالها خنق المدينة.

لا يُعرف بالتحديد مصير "العنكوش"، لكن يغلب الظن أنّه استشهد في شباط 1948، في خضم محاولة اليهود فتح طريق طبريا/الشجرة مجددًا، بعد أن تمكّن العنكوش ومجموعة من شبان لوبيا من قطعها لمدة أسبوع.

هوامش مهمّة:

  • الصرفند الصغرى: سميت فيما بعد بصرفند الخراب بعد أن هجرها أهلها إلى حين ترميمها فيما بعد.
  • القاعدة العسكرية التي بناها الإنجليز بين أراضي الصرفند الكبرى والصغرى ووادي حنين، اعتبرت الأضخم في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تضمنها لواحدة من أكبر محطات الاتصال وإدارة العمليات في العالم.
  • شكّلت حانة "ريشون لتصيون" في النهار أهمّ خلايا التجسس، وتجنيد العملاء، وعقد الصفقات مع سماسرة الأراضي، بالإضافة إلى كونها المكان الذي كان يلتقي فيه الضباط الإنجليز للحصول على المعلومات حول الثوّار العرب، من عناصر منظمة "شاي" الصهيونية.
  • حادثة الصرفند: تدّعي الرواية الرسمية الإنجليزية أنّ أحد اللصوص من قرية الصرفند قتل الجنديّ، ليسرق خيمته المطوية، وأنّ قتل رجال القرية جاء بعد رفض الأهالي تسليم القاتل للسلطات.
  • علّق "هنري جالت" المراسل الحربي الرسمي البريطاني على الحادثة بالقول: "حادث مؤسف يقتضي منّا تنفيذ العدالة الفورية بحق الشعب الحقير الذي يقتل أبطالنا من الأنزاك". ثم عاد ليتحدّث بإسهاب كيف حوّلت فترة الحكم التركي الفلسطينين إلى برابرة يعتاشون عن طريق السرقة.
  • لم يتحدد عدد القتلى إلّا بعد أن كشف أرشيف "الأنزاك" رسالة الضابط "مولهال"، الذي عاين المكان إثر الحادثة، وكتب فيما بعد، ليس لديّ تفسير لماذا يلجأ الجنود إلى استخدام أدوات قتل لتهشيم الرؤوس وتكسير العظام، ما داموا يحملون بنادق وذخائر.
  • سلوك الجنود الذي لم يفهمه "مولهال"، اتضح بعد أن قام "إليوت" بمراجعة التسجيلات الصوتية للجنود عبر "الوايرليس"، حيث يحدث جندي زميلًا له قائلًا: "لقد توجّهنا إلى القرية بالحراب، بعد أن شربنا من الرمّ ما يكفي". (والرمّ مشروب كحولي مقطّر، مصنوع من مشتقات قصب السكر).
  • شنّت الصحافة العالمية هجومًا على الجنرال "أللنبي"، لإنّه وصف الجنود الذين شاركوا في المذبحة بمجموعة جبناء قتلت الأبرياء بدم بارد.
  • التحقيقات الجديدة ترجّح كون القاتل خرج من حصن "نس تصيونا" المقام إلى الجنوب من القرية، وأنّه قام بتضليل قصاصي الأثر.
  • صبحي العنكوش: قليلون جدًا من حفظوا اسم العنكوش، لكنّه كان البطولة في حالتها النقيّة والمقتضبة، فلم يُحدث ضجّة، ولا تأوّه عبر الإعلام، لأنّ العمل السامي يختبئ غريزيًا.
  • الدعاوى الصاخبة التي أطلقتها النخبة السياسية الفلسطينية، كانت ولا تزال مرصودة لنسيان أعمال البطولة الحقيقيّة. ربما يفسّر ذلك جزئيًا خلوّ المصادر العربيّة من اسم "العنكوش" وأمثاله.
  • عندما قرر "العنكوش" أن يحافظ على بندقيته، رغم علمه بأنّها ستكون الوحيدة في المدينة، لم يطرح على نفسه أي سؤال يتعلق بالجدوى؛ فالبطولة هي القيام بعمل مطلق في النسبيّ، هي معاناة الفجوة وتجاوزها دون طرح الأسئلة، فالذي يطرح على نفسه الأسئلة ليس ببطل، وإنما هو ضحية.

اقرأ/ي أيضًا:

فلسطين ترثي الباسل

اغتيال عند باب الأسباط

هكذا أتذكر الأستاذ نزيه