12-أبريل-2021

(Mahmoud Issa/Getty)

يتحضّر الناس في شهر شعبان الهجريّ للصّيام والقيام في رمضان، وفيه تهبّ عليهم روائح الطبخ والحلويات، غير أنّ اليوم الأخير من هذا الشهر له عادات فلسطينيّة خاصّة، إذ يُعرف بيوم "الهزرة" أو "يوم الفجعة".

ومما يُقال "إذا حضر رمضان، حضر الخير" فرغم الحضور السنويّ لهذا الشهر، إلا أن التفاعل معه يظل متجددًا، وبانتظاره تُحشد الطاقات، لما له من بُعد ديني وحوافز أجر وثواب.

 الاهتمام بقدوم شهر رمضان، والتهليل له ظاهرة قديمة، راكمت مع الأيام عادات وأفعال راسخة تتجدد كلما اقترب وقت الصيام   

ففي شهر شعبان كانت النساء تتفقّد "الخوابي" للاطمئنان على توفر المؤن والحبوب في البيوت استعدادًا للضيف الآتي، ويتجه الناس للأسواق لشراء ما يلزمهم من طعام وشراب يصلح ليكون مونتهم لشهر كامل، كالسكر والشاي والقهوة والأرز وبعض الحلويات وكذا العصائر والحلاوة النابلسية، وقمر الدين والتمر والعجوة وغيرها. 

اقرأ/ي أيضًا: منسف ومفتول وخبز.. ما علاقتها برمضان؟

وقبيل بدء الشهر كان يتم أخذ القمح للمطحنة، لتكون مونة الشهر من الخبز متوفّرة وهو ما عُرف "طحنة رمضان"، فيما يتم "تحويش" بيض الدجاج من الأقنية، وجمع ما تنتجه الأرض من خيرات.

أيضًا، من الاستعدادات لاستقبال الشهر الفضيل، تلميع الأواني وطناجر الطبخ، إذا كانت سيّدة البيت تكلف زوجها بحمل الحُلل والقدور وطناجر النحاس للمبيّض كي يقوم بتبييضها وتلميعها قبل رمضان، لتظهر وكأنها جديدة مع بدء شهر الصيام، لاعتقادهم أن البركة تحل بالبيوت إذا أحسنت استقبال أول هذا الشهر بأطباق دسمة وأواني نظيفة.

ومن فاته التسوق والتحوّج لرمضان فإنه يُقبل في اليوم الأخير من شعبان على الأسواق ويشتري ما يحتاج، حيث تغدو الأسواق عامرة بالناس، كجزء من عادة قديمة تحتفل بالأكل في آخر شعبان.

  ثمة اعتقاد بأن البركة تحل بالبيوت إذا أحسنت استقبال رمضان بأطباق دسمة وأواني نظيفة 

ومع اقتراب الصيام يكون الناس قد استعدوا لتغيير روتينهم اليومي في تناول وجبات الطعام، وكي يقطعوا العلاقة بين عاداتهم ما قبل رمضان عمدوا لابتداع يوم للأكل يكون مميزًا ويحضر فيه ما يشتهون من طعام وشراب مُباح. كل هذا استقبالًا لشهر رمضان واحتفالًا بقدومه، ولتجهيز أنفسهم للصوم والانقطاع عن الأكل نهارًا. 

اقرأ/ي أيضًا: عن رمضان داخل السّجن

وفي آخر أيام شعبان، قبل دخول رمضان، يُطلق على هذا اليوم في بعض المناطق اسم (الفجعة/ الهزرة)، أو (سيبانة شعبان)، وفيه يتناول الناس أطعمتهم الدسمة كالكرشات/الكوارع، وهي أمعاء الماشية التي تُطهى بعد تنظيفها وحشوها بالأرز والبهارات، وكذلك الموالح التي تسبب العطش في نهار رمضان وخصوصًا في الصيف، كما يحضر في هذا اليوم الحلويات والموالح مما لذ وطاب، وبعضهم كان يخرج إلى الأماكن المفضّلة لديه برفقة الأهل والأصدقاء، ويأكلون ما يشتهون.

من الفكاهات التي تُطلق على هذا اليوم وعاداته، أنه "يوم الوحمات" بمعنى أن الشرهين يأكلون كل ما تتوحم عليه نفوسهم وترغب فيه 

أما عن التسمية لهذا اليوم في فلسطين، فالفجعة تعني الشراهة، والفجعان هو النهِم الشّره، وهو وصف مرح لما يكون عليه الناس في هذا اليوم، أما كلمة الهزرة والتي تعني لدى العامة كثرة الأكل، فهي رُبما من (هَزَرَ له) أي أكثَرَ من العَطاءِ كما في القاموس المحيط. ومن طريف قولهم في المثل الشعبي: "بيوم الهزرة الأكل حتى الفزرة"، أي أن الناس تأكل حتى يفزر بطنها من كثرة الطعام.

وفي العراق والكويت وبعض دول الخليج توجد العادة ذاتها، لكن لها اسم آخر هو "يوم القريش"، وتقوم على فكرة توديع الأكل بتناول ما لذ وطاب وما بقي من أكل في البيت قبل رمضان. والمثل الشعبي يقول: "اليوم القريش وباكر نطوي الكريش"، بمعنى اليوم يوم القريش وغدًا نطوي الكرش بسبب الجوع والامتناع عن الاكل نهارًا.

وفي أصل هذا اليوم حسب ما أعتقد أن العائلات كانت تعمد لجمع بواقي الطعام المتوفّر لديها، لأكله تجنّبًا لتلفه في نهار اليوم التالي (الأول من رمضان)، ومع الوقت صار الناس يعمدون لطبخ أشهى الأكلات الدسمة والثقيلة التي يتعذر إعدادها أثناء الصيام، وهكذا تدرّج هذا اليوم ليصبح يومًا للأكل وملء البطون. 


اقرأ/ي أيضًا:

كيف تكون وجبة الإفطار الأمثل في رمضان؟

نكد على مائدة رمضان: العصير ناقص ملح!

الأوقاف: صلاة العشاء والتراويح لا تزيد عن 30 دقيقة