17-أكتوبر-2019

"نظرتُ من نافذة مركز الشرطة، وتفاجأت بحجم الجماهير الغاضبة المتعطشة لأي خبر يرد الاعتبار لشعبنا على جرائم الاحتلال واقتحام شارون للمسجد الأقصى، فرفعت يدي وملابسي وكانت مغطاة بالدماء بسبب الحادثة. بعدها تفاجئت بالصورة عندما انتشرت في وسائل الإعلام". هكذا استحضر الأسير المحرر عبد العزيز صالحة (38 عامًا) قصة صورته الشهيرة عندما رفع يديه معلنًا مقتل جنديين من جيش الاحتلال دخلا مدينة رام الله في الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى.

حادثة قتل جنديين في مركز شرطة في رام الله وقعت بعد أسبوعين من اقتحام شارون للمسجد الأقصى

بعد 19 سنة على الحادثة، قرر صالحة أن يروي لأول مرة تفاصيل عملية قتل الجنديين داخل مركز الشرطة في مدينة رام الله يوم الثلاثاء 12 تشرين أول/أكتوبر 2000، وهو الذي لم ينضم يومًا لأي فصيل سياسي، لكنه كان "ابن الحركة الإسلامية" كما يقول.

اقرأ/ي أيضًا: عن محارب وسط رام الله

كان صالحة ابن 19 سنة ويعمل في محل للديكور والأثاث في رام الله، عندما بدأت الانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى يوم 28 أيلول/سبتمبر 2000، على إثر اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى.

يقول صالحة في حوار خاص مع الترا فلسطين، إنه كان "مشاركًا فاعلاً" في الاحتجاجات الجماهيرية على الحواجز، مشيرًا إلى أن أعداد الشهداء في الأيام الأولى كانت كبيرة وتصل في بعض الأيام إلى 50 شهيدًا في اليوم.

تبع ذلك استشهاد فلسطيني من قرية أم صفا غرب رام الله على يد مستوطنين وجنود الاحتلال والتمثيل بجثمانه، فجر غضبه. يدور الحديث هنا عن الشهيد عصام جودة (40 سنة) الذي وُجِدت جثته محروقة قرب مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي قرية النبي صالح غرب رام الله.

يقول صالحة: "كان تشييع الشهيد عاصم جودة، وانتشرت صور الشهيد وكيف تم قتله وحرقه وتقطيع جثمانه، وتصادف دخول سيارة إسرائيلية إلى بيتونيا ثم رام الله وبداخلها اثنين من جنود الاحتلال".

يضيف، "لاحظنا أن هناك جنودًا بزيهم العسكري داخل سيارة في نصف رام الله، ولم نكن نعرف أنهم دخلوا بالخطأ أو في مهمة ما، ولكن أوقفنا السيارة، فانتبهت إلينا قوات أمن فلسطينية، ومع الغضب الموجود لدينا هاجمنا سيارة الجنود، وحاولنا السيطرة عليهم، ولكن تدخلت قوات من الأجهزة الأمنية، وقامت باعتقال الجنديين وأخذهم إلى مركز الشرطة".

تكسير سيارة الجنديين قبل إحراقها

إثر ذلك تجمهر فلسطينيون أمام مركز الشرطة وأحرقوا سيارة الجنود، وكان صالحة أحدهم، ثم هاجموا مقر الشرطة التي تصدت لهم بداية الأمر، فتعرض صالحة وآخرون للضرب من الشرطة، لكن في نهاية الأمر لم تستطع الشرطة السيطرة على المحتجين. واقتحمنا المركز" وفق صالحة.

دخل صالحة وأربعة أو خمسة شبان بالقوة إلى الغرفة التي يوجد بها الجنديان حيث كان ضباطٌ يحاولون تهدئتهما

دخل صالحة ومعه أربعة أو خمسة أشخاص إلى الغرفة، وبدأوا بضرب الجنود. بقية المشهد صورته كاميرات الصحافة، جثتا الجنديين ألقيتا من نافذة مقر الشرطة.

إلقاء جندي من نافذة مركز الشرطة

ثم كانت الصورة الشهيرة، صالحة يرفع يديه ملطختين بالدماء. شاهدها مرارا في الصحافة وعلى التلفاز، وبعد عدة محاولات اعتقل الاحتلال صالحة على حاجز "طيار" بين سردا ورام الله.

عبد العزيز صالحة

وقال صالحة: "في مركز تحقيق يعرف باسم بيتح تكفا، عرض عليَّ محققو الاحتلال الصور مع مقاطع الفيديو، إلا أنني انكرت في البداية، ولكن الصور كانت واضحة، لذلك اعترفت في النهاية أنني أنا صاحب الصورة".

حُكِم على صالحة بالسجن مدى الحياة لكنه تحرر بعد 11 سنة، في نفس يوم قتل الجنديين، وتم إبعاده لغزة.

وأضاف أن التحقيق استمر ثلاثة أشهر ونصف، وبعدها تم توقيفه في السجون لأربع سنوات حتى صدر بحقه الحكم بالسجن المؤبد مدى الحياة، وبقي في السجن أسيرًا لـ11 سنة قبل تحرره في صفقة "وفاء الأحرار" يوم 12 تشرين أول/أكتوبر 2011، بشرط إبعاده إلى قطاع غزة.

ماذا تقول الآن وأنت بعيدٌ عن أهلك وأمضيت 11 سنة في السجن؟ أجاب: "نحن لا نريد القتل، وفقط نرد على جرائم الاحتلال وهو يتحمل مسؤولية أي عمل يجري".

يعيش صالحة اليوم في مدينة غزة، متزوجٌ وله ابنتان وولد، أنهى دراسة البكالوريوس في تخصص العلوم السياسية، والماجستير في الدراسات الإقليمية، ويعمل مترجمًا متخصصًا في الشأن الإسرائيلي الذي تخصص به في الماجستير.


اقرأ/ي أيضًا:

أحمد جرار.. "هبت روايح الجنة"

مطاردون سابقون يحكون عن التخفي ومراوغة الاحتلال

نادر العفوري.. الجنون حين يصبح خلاصًا