02-سبتمبر-2019

لا يُصدق الزائر لسوق خان الزيت في القدس العتيقة، أن موسم المدارس قد حل. قرطاسيةٌ وحقائب مدرسية مكدسة فوق بعضها، بينما السوق يخلو من الزبائن، والمحلات التجارية والمكتبات شبه خالية من الطلاب والأهالي. يعود ذلك إلى الأسعار الباهظة التي يُحددها التجار ثمنًا لبضائعهم.

يتراوح القسط السنوي للمدارس الخاصة في القدس من 6 آلاف إلى 10 آلاف شيكل للطالب الواحد

أمام إحدى المكتبات، وقف أديب العباسي يتأمل الحقائب المدرسية المعروضة، واحدةٌ منها سعرها 150 شيكل، وأخرى يتجاوز سعرها 200 شيكل. "عنا مشكلة كبيرة بغلاء أسعار القرطاسية، مش بس القرطاسية، وأسعار الكتب والأقساط المدرسية" قال العباسي.

وأضاف، "معاناتنا كبيرة في القدس، أقساط المدارس الخاصة عنا بتزيد عن 6 آلاف شيكل، وهو أكثر من دخل المواطن، وهذا عبء كبير علينا، الي عنده ثلاثة وأربعة أبناء بدفع ما يقارب 28 ألف شيكل (8 آلاف دولار تقريبًا)".

وتابع، "كل هذا واحنا عنا كساد اقتصادي وظروف صعبة، المفروض يدعمونا ويساعدونا حتى نصمد هون في القدس".

في بعض المدارس الخاصة، يصل قسط الطالب سنويًا إلى 10 آلاف شيكل، وهي لا تشمل كتب اللغات الأجنبية والزي المدرسي والقرطاسية. وفي بعض المدارس، يتجاوز سعر كتب اللغات 900 شيكل، رغم أن هذه الكتب قد تكون مجانية، وذلك بسبب اشتراط المدارس شراءها من تجار محددين، ما أوجد احتكارًا أدى لرفع الأسعار.

ولا يقتصر العبء المادي على الأقساط والكتب، فالزي المدرسي له حصةٌ كبيرةٌ من الأموال التي تدفعها العائلات، بسبب تغيير الزي بشكل سنويًا تقريبًا، واحتكار هذه الأزياء من التجار الذين يرفعون سعرها أضعافًا ليزيد عن 500 شيكل، هذا إضافة إلى المواصلات التي تصل لـ7 آلاف شيكل سنويًا للطفل الواحد.

الزي المدرسي والقرطاسية له حصة كبيرة من الأموال التي تدفعها العائلات في القدس على تعليم أطفالها

شيماء الكسواني، أم لطفلين، شرحت لنا المبالغ التي تدفعها العائلة على تعليمهما قائلة: "دفعت 14 ألف شيكل أقساط، غير الزي المدرسي الي كلفني 800 شيكل للابن الواحد، وغير القرطاسية. صرت دافعة 20 ألف شيكل، عدا عن المواصلات التي كلفتني 6 آلاف شيكل لابني الكبير. كيف الي عنده أربع أولاد؟".

اقرأ/ي أيضًا: مدارس بلدية الاحتلال في القدس: تحرش ومخدرات وأكثر

تؤكد شيماء، أن سعر الزي المدرسي لا يتناسب مع جودة الثياب، "فهي رديئة وسريعة التلف، نوع القماش سيء ويتأثر بالغسيل" كما قالت.

وتضيف، "أكثر من مرة أولادي يتمزعوا (تتمزق) ثيابهم بسبب رداءة الصنع والصفوف السيئة، واهتراء الأثاث الصفي. احنا بندفع مبالغ كبيرة وبالآخر مافي مردود، اكتظاظ الطلاب في الصف الواحد، وحتى التعليم احنا بنتعب على ولادنا فيه وبندفعلهم غير الأقساط دروس خصوصي لإنه وضع التعليم سيء".

وتمنع سلطات الاحتلال إقامة أي مدارس جديدة للسلطة الفلسطينية في القدس، أما المدارس الموجودة منذ سنوات وعددها 47 مدرسة، وتُعرف بمدارس الأوقاف ودائرة التعليم في القدس، فهي تعاني من محدودية الإمكانيات واكتظاظ طلابي كبير، ما يجعلها غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من طلاب المدينة.

مقابل هذا التضييق، تدعم بلدية الاحتلال ووزارة المعارف، مدارس فلسطينية في القدس، لكن هذا الدعم مشروطٌ بتدريس المنهاج الإسرائلي، وتنظيم أنشطة تطبيعية، ما يُبقي أهل القدس أمام خيارين، إما التسجيل في مدارس يعرفون أنها جزءٌ من مشروع تهويد القدس، أو التسجيل في مدارس خاصة تُرهقهم ماديًا.

محدودية مدارس السلطة في القدس والتطبيع في مدارس البلدية يجعل المدارس الخاصة خيارًا وحيدًا أمام الأهالي

يعقوب أبو عصب، خرج حديثًا من سجون الاحتلال بعد أن قضى حكمًا بالسجن 7 سنوات. عبّر عن صدمته من أقساط المدارس الخاصة ومستلزماتها التي دفعها لأبنائه.

يقول أبو عصب: "التعليم من أكثر الأعباء المادية على المواطن الفلسطيني في القدس. جزءٌ منها بسبب العوامل الصعبة التي نعيشها من ظروف اقتصادية، وجزءٌ ذاتي، فهناك احتكارٌ من التجار للسلع المتعلقة بالمستلزمات المدرسية بالاتفاق مع المدارس الخاصة، وهناك تقصيرٌ وتعمدٌ من أصحاب المؤسسات والتجار لتحقيق ربح مادي على حساب الأهالي".

وأضاف أبو عصب، أن العبء المادي وصل أيضًا إلى المقاصف المدرسية، إذ تُباع المأكولات والمشروبات في المدارس بضعف سعر السوق، وبنوعية رديئة وغير صحية، معتبرًا ذلك "دليلاً واضحًا على الاستغلال المادي" للأهالي والطلاب.

وتابع، "استغلال المدارس الخاصة للأهالي يدفع بعضهم للتوجه إلى المؤسسات الإسرائيلية ومدارس وزارة المعارف والبلدية، وهذه مصيبة بحق التعليم الفلسطيني في القدس، وجزءٌ من مخطط تهويد المدينة".

وتوجد في القدس أيضًا 7 مدارس تابعة لوكالة الغوث "الأونروا" داخل الجدار الفاصل وخارجه، إلا أن الدراسة فيها متاحة فقط للاجئين الفلسطينيين الحاملين لبطاقة الوكالة، ورغم ذلك تسعى بلدية الاحتلال إلى إغلاقها واستبدالها بمدارس تابعة لها.


اقرأ/ي أيضًا: 

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

مبادرات للتعليم التفاعلي فلسطينيًا.. ماذا يمنع تبنيها؟

المكتبات العامة في رام الله.. محتوى شحيح وحلقة وصل غائبة