12-أغسطس-2019

فترة العيد، تزدحم الحياة، الافتراضية والحقيقية، بسيلٍ لا ينقطع من التهاني بعيدٍ سعيد، ليس فقط بالمعنى الشخصي، بل نزيد وندعو بعيدٍ سعيدٍ للأمتين العربية والإسلامية، وللشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

السعادة فكرةٌ عبثيةٌ وسط هذا الموت والدمار الذي يجلل كامل المشهد.

والمصيبة أن الأمتين في أسوأ حالٍ يمكن أن تصلا إليه، فالسعادة فكرةٌ عبثيةٌ وسط هذا الموت والدمار الذي يجلل كامل المشهد.

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن التعويل على رفض السلطة للضغوطات؟

أما فلسطينيًّا، فقد بات حديث المسؤولين عن "مرحلةٍ حرجةٍ تمر بها قضيتنا" حديثًا مكرورًا، نسمعه صبيحة كل يوم، وهذه العبارة مفتتح حديث أي مسؤول، ولو كان خلال افتتاح ندوة عن "ما بعد الدولة"، التي أعلنّاها، ولم نرَ منها إلا "ترويسة" على بعض الأوراق، التي كانت سلطات الاحتلال تفرمها إذا وقعت تحت أيديها، كرخصة السياقة الذكية، التي روّسناها بـ"دولة فلسطين"، فحررت شرطة الاحتلال مخالفاتٍ لحامليها، حتى عدنا إلى الأوراق الغبية، قبل أن نصدرها ذكية مرة أخرى، لكن تحت ترويسة "السلطة الفلسطينية".

مربكةٌ هذه الحالة التي نعيش فيها؛ فعلى الأرض، السلطة مجرد تمظهرات لا تتجاوز بعض البروتوكولات والمناصب الرسمية المخادعة، التي لا يستطيع أصحابها ممارسة أعمالهم، إلا بموافقةٍ، أو رضا، على الأقل، من المحتل، الذي يخنق حياتنا كلها، وها هي سماؤنا تعكر صفاء زرقتها طائراتٌ بشعةٌ لا يُسمح لنا بركوبها من المطار الذي تهبط فيه، لكن أحدًا لم يشاورنا عندما قرر المحتل أن تمرّ من فوق بيوتنا كي لا يزعج صوتها من صاروا أصحاب البلاد، ولتذهب سكينتنا الشكلية إلى الجحيم.

حتى الأسلحة التي نظنّ أننا نتقن استخدامها، فقد باتت مجرد تهويماتٍ لا تقض مضاجع أحد؛ فكم من مرةٍ تحدثنا عن محكمة الجنايات الدولية، والملفات التي نظل يوميًّا نتحدث عن ضرورة إلحاقها بالملف الذي سنقدمه لها، وها نحن نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا؟!

وها هي حكاية "وقف التنسيق الأمني"، التي باتت، لفرط تكرارها، تشبه خدعة الراعي والذئب، مع فارقٍ جوهري: الذئب في حالتنا موجودٌ دومًا في كل مرة يصرخ فيها الراعي، لكن صراخه مكتوم، ولا يسمعه أحد، ولا حتى الذئب، حتى أننا نشك إن كان استغاث حقًّا، أم أنه فكّر فقط!

والكل يدرك أن وقف التنسيق يعني -ضمن ما يعني- إنهاء كل شيء، حرفيًّا، فليس الأمر حكرًا على الجانب الأمني، بل هو رزمةٌ كاملةٌ، تشمل مثلاً الحركة في المعابر والشوارع والأزقة، وداخل غرف النوم.

ويدرك خصمنا هذا جيدًا، فالوضع الحالي مثاليٌ تمامًا له، كما أنه يشكل حالة مثالية لبعض المنتفعين لدينا، بل ولا نستطيع الفكاك منه، مهما تحدثنا ببلاغةٍ عن "الانفكاك الاقتصادي"، الذي يبدو أيضًا كلامًا مفرحًا، لكنه غير قابلٍ للتطبيق، ولو على مستوى مدّنا بالكهرباء أو المياه، التي تجعلنا نبدو نظيفين حليقي الأذقان، ونتحدث بارتياح أمام وسائل الإعلام عن مأساتنا!

في كل يوم، تبتعد فكرة التحرر أكثر، فعدوّنا أكثر شراسة، وهو يدرك مكامن قوته، ويستخدمها ببراعة، كما أنه يسير بخطىً حثيثة نحو الازدهار الاقتصادي، والتطور التكنولوجي المذهل، والمنعة العسكرية، التي نراهن فقط على دكّها وتدميرها، هديًا على "اجتهاد" شيخ بشّر بزوال إسرائيل خلال ثلاثة أعوام أو أربعة، هكذا، دون أي تحرك. والمطلوب منا أن ننتظر ونردد "دع كل ما ينهار منهارًا"، إلا أننا نحن الذين ننهار بتسارع مرعب!

يبتعد الاستقلال كذلك بسببنا نحن، إذ لم نقدم نموذجًا جديرًا للحكم، فنظرةٌ واحدةٌ إلى مجمل أوضاعنا، تظهر حجم ضعفنا، الذي ساهمنا به

يبتعد الاستقلال كذلك بسببنا نحن، إذ لم نقدم نموذجًا جديرًا للحكم، فنظرةٌ واحدةٌ إلى مجمل أوضاعنا، تظهر حجم ضعفنا، الذي ساهمنا به، لأن بعضنا تعامل مع مشروع السلطة كفرصة عمل، يدافع عنها من أجلها، بما توفره له من امتيازات ومنافع، لا بما هي جزء من مسيرة الكفاح والثورة نحو الدولة الحلم.

في غزة، ليس الحال أفضل، فالانهيار هناك أصعب، إذ إن كل فكرة المقاومة النبيلة، تحولت عندما نَعُم قادتها بالمقاعد الوثيرة للحكم، إلى مقاومةٍ لكل ما يخلخل عرش حكامها، الذين لم يكونوا خيرًا من سلفهم، وكل ما في الأمر أنهم كانوا يحتاجون إلى فرصة فقط، كي يثبتوا أن السياسة لعبة سيتدنس بمعادلاتها كل من يدخلها طامعًا، وأن عليه أن يخلع كل شعاراته قبل الوقوف في محرابها.

في ظل هذا كله، نقول كما يقول المسؤولون: "هذه مرحلةٌ حرجة، وما تقوم به إسرائيل تجاوزٌ للخطوط الحمراء"، نقول هذا، ونحن نأكل المعمول، ونتمنى لأحبتنا عيدًا مباركًا، وأن يعيده الله على الأمتين العربية والإسلامية وهما موجودتان على الأقل، وأن يحل العيد المقبل وقد نال شعبنا حريته، الحرية الحقيقية، من كل شيء.


اقرأ/ي أيضًا: 

المنسق يرحب بكم في معبر قلنديا

سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق

حكومة الوداع الفلسطيني