27-سبتمبر-2018

وضع آخر دلو اسمنت في سقف بيته الجديد، اطمأنَّ أن أرض السطح مستوية، ثم ابتسم وهو ينظر إليها سعيدًا رغم تعب ذلك اليوم، وذهب ليشارك أقرباءه العشاء الذي أعده بهذه المناسبة، فهذه عادة الفلسطينيين، يُحضرون الولائم أو ما استطاعوا من طعام في المناسبات السعيدة. كل شيء مر على ما يرام، وكما يريده وراد عديلي (51 عامًا) من قرية أوصرين قضاء نابلس؛ الذي ضاق منزله القديم به وبأبنائه الثلاثة، فقرر أن يُعَمِر منزلاً جديدًا.

انتهى العشاء وغادر المُحبُّون، وقبل أن يجف عرقه، جاءه اتصالٌ من أحد أنسبائه في القرية، يطلب منه الحضور فورًا إلى منزله لأمر عاجل، يقول وراد لـ الترا فلسطين: "حاولت التنصل كثيرًا، وأخبرته أني منهك من التعب، لكنه أصر لأمر عاجل يخص علاج ابنه، وتحت هذا الإصرار قبلت".

ورّاد أنهى احتفاله بإتمام "عقدة الدار" ثم تلقى - وهو يقف خلف نافذة منزل لأقاربه - رصاصة إسرائيلية اقتلعت عينه

يصف وراد تلك الزيارة السريعة التي لم تكتمل قائلاً: "كانوا هالشباب قاعدين على الكنبايات في غرفة بتطل على الشارع مباشرة، لسه ما شربناش ولا اشي، يا دوب 7 لـ 8 دقايق الي قعدناها، فبقولو في طوشة برا، وصوت طالع، طل صاحب الدار من طرف الشباك ولا بقول هاظ جيش مش طوشة، لما قال جيش، أنا قاعد عالكنباي الي تحت الشباك، والشباك بِطل على الشارع، مجرد رفعت راسي بتذكر اني شفت سيارة جيش، لمحة صغيرة".

اقرأ/ي أيضًا: كيف سرق الاحتلال ضوء حسان التميمي وأبدله كوابيس؟

كانت هذه اللمحة التي يتحدث عنها ورَّاد تحتاج إلى ثانية أو ثانيتين من الوقت، وكانت هذه الثواني كافية أيضًا لتنطلق رصاصة مغلفة بالمطاط من فوهة بندقية الجندي الإسرائيلي إلى عين وراد اليسرى، محطمة بذلك زجاج النافذة الذي كان مغلقًا إلا من شق صغير حاولو استطلاع الوضع من خلاله.

[[{"fid":"74515","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":580,"width":281,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

لا يتذكر ورَّاد شيئًا بعد تلك اللحظات. بينما كان أمجد سعيد ابن أخته موجودًا، فروى لنا ما حدث قائلاً: "ما قام من مطرحه، بس رفع راسه شوي، أجته الرصاصة وصار يصيح، وصار الكل يصيح في الدار، اجيت مسكته قلَّبته أشوف شو صار معه كانت عينه فاقعة، منظر لا يوصف".

وأضاف، "أخذناه وطلعنا، كنا معاه ثلاث في السيارة، كان فاقد الوعي، نقلنا إلى بلدة بيتا المجاورة في سيارة خاصة، ثم هناك الهلال الأحمر تولى المسؤولية، ونقله إلى مستشفى رفيديا في مدينة نابلس، ولصعوبة حالته، نقلوه فورًا إلى مستشفى النجاح الوطني".

أمضى ورَّاد تلك الليلة في المستشفى متنظرًا العملية في صباح اليوم التالي، وقد استمرت ثلاث ساعات لاستخراج الرصاصة التي بلغ طولها 3 سم من عينه، لكن الأطباء استخرجوا عينه معها أيضًا وتركوا تجويفها فارغًا إلا من قطعة معدنية كروية لتحافظ عليه في حال احتاج ورَّاد أي عمليات تجميلية في المستقبل.

[[{"fid":"74513","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":507,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

ورَّاد عندما قابلناه، وجدناه قويًا مقتنعًا بما قسمه الله له، قال لنا: "هذا قضاء الله وقدرة واحنا راضيين بحكم الله، وهاي عنجهية الاحتلال متعودين عليها. أنا اعتقلت 3 مرات لدى جيش الاحتلال قبل ذلك، ولا أستغرب أي فعل إجرامي لهم".

لكن هذه القوة وكما تناقل كثيرون القصة، لم تكن موجوده في أول ساعة بعد إعلامه بفقدان عينه نهائيًا، إذ كان يحمل أملاً بأن يكون كل ما حدث جرحاً فقط، رغم يقينه ومنذ لحظة إصابته الأولى أنه فقد عينه.

كان ورَّاد يعلم أنه فقد عينه، لكنه لم يفقد الأمل في أن يخبره الطبيب بأنه سيستعيد النظر لاحقًا

ويستذكر تلك الساعة مبينًا، "قلت لدكتور العيون بعد العملية، أنا شو وضعي، في مجال لو 10 بالمية أرجع اشوف بعيني، رغم يقيني بأن إصابتي مباشرة، لأن كل واحد طبيب نفسه، أنا عارف ومتيقن منذ اللحظة الأولى إني فقدت عيني، ما بدي حدا يقلي، لكني كنت أبحث عن بصيص أمل، لكنه أخبرني أني فقدت عيني إلى الأبد".

اقرأ/ي أيضًا: الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة

كيف تلقت "أم ورّاد" نبأ إصابة نجلها؟ قالت لـ الترا فلسطين: "أنا والله ما قالوليش غير الصبح، الصبح أنا صليت الصبح وقاعد، حاط هالحرام علي عهالتخت ع جنب الحيط، وبسبح ولا هو عابر إبني، قال يما صباح الخير، قلتله أهلين، قال شو بتساوي قلتله بسبح لله. قلتله مالك يما مالكش في العادة تقوم بدري هيك، قلي والله ما أنا داري يما شو بدي أقلك، قلتله ياباي يما شو صار يمه، قلي يما وراد تصاوب".

بدأت "أم ورَّاد" بالبكاء، وسألت: يما هو وينه ورَّاد؟ وين باقي يما؟ ما أنا دشرته (تركته) في الدار، كيف تصوب؟". وأضافت، "إبني والله بساعد كل الناس، والله ما حدا بقصده ع اشي وبفشله يما، الحمد لله يما".

زوجة ورَّاد قالت لنا إن العائلة لم تتجرأ على إخبار زوجها بحقيقة وضعه حتى صارحه به الطبيب، مضيفة، "هو كثير انصدم لانو ما توقع عينو تروح، توقع يعني إصابة".

[[{"fid":"74514","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":507,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

واستبعدت أن يكون بالإمكان - حاليًا على الأقل - استكمال علاج زوجها أو إجراء أي تدخل تجميلي، وقالت: "هو أساسًا بشتغل في القصارة والطوب، وصعب كثير هلا يرجع يكمل شغلو، مهو بعينتين يا دوب الواحد بشتغل. إلنا 23 سنة، وعملنا دار جديدة لأنه هذه الدار بطلت توسعنا".

ويمتنع ورَّاد عن تحديد ما إذا كان إطلاق الرصاصة علي عينه مقصودًا من قبل الجندي الإسرائيلي، أو غير مقصود، فالرصاصة اخترقت زجاج النافذة، ودخلت إلى عينه، حتى لو كانت عين ورَّاد غير مقصودة، فإنه لا يمكن تجاهل أن إطلاق النار على المنازل الآمنة بحد ذاتها جريمة مهما كانت نتائجها.


اقرأ/ي أيضًا:  

محمد التميمي في مواجهة رصاصة واعتقال

نجا وجهها من الحرب.. طفلة "عصية الدمع": أريد أن أكون خبيرة تجميل

أطفال فلسطين في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد