02-فبراير-2017

كيف تؤثر الحرب على حياة الأطفال؟ وكيف تقوم النساء بحراسة أحلامهم وحمايتها من الموت؟ وكيف يمدُّ الأطفال الحياة بالوجود والأمل؟ أسئلة يجيب عنها فيلم الـ "ستوب موشن"، (عيني)، للمخرج الفلسطيني أحمد صالح.

الفيلم قصة قصيرة كتبها المخرج قبل 15 عامًا، ويُقدّم في 8 دقائق حكاية الحرب، كل حرب لا ترى الصغار بل تسحق أحلامهم    

نافس الفيلم في مهرجان دبي السينمائي الـ13، في عرضه الأول عالميًا، على جائزة المهر القصير، وحصل على جائزة الأوسكار للطلبة لأفضل فيلم تحريك أجنبي، ما يجعله مؤهلًا للمنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم تحريك قصير، فالفيلم يعد تجربة مخرجه القصيرة الثالثة، لكنّها تجربة مؤثرة وقوية تؤكد على أنه سيكون اسمًا مُهمًا في عالم الإخراج السينمائي وتحديدًا القائم على التحريك الذي يشهد حضورًا عالميًا متقدّمًا، ويراه المخرج بأنّه وسيلة تمنحه "صفحة بيضاء يُضمّنُها الفنان ما يريد".

في فيلم صالح، ابن بلدة دير بلوط، المقيم في ألمانيا والأردن، يقدم في ثماني دقائق حكاية الحرب، كل حرب لا ترى الصغار بل تسحق أحلامهم، ويجود في تبيان أفظع مخاطرها من منظور صبية يجمعهم حب الموسيقى.

والفيلم عبارة عن قصة قصيرة كتبها المخرج قبل 15 عامًا، لكنّها بقيت معه إلى أن تعلّم السينما في ألمانيا، وحوّلها لفيلم استغرق العمل عليه عامين كاملين، لينال أول جائزة رفيعة من بين أكثر من 1000 فيلم من مختلف أنحاء العالم.

سيبدو للمشاهد أن الصغار في الفيلم فلسطينيين أصبحوا لاجئين، وصادرت الحرب أحلامهم قبل أكثر من 65 عامًا، وقد يكونوا أطفالًا سوريين رحلوا وهم يحملون أحلامهم بعيدًا عن ميادين القتال، أو أي أطفال آخرين في هذا العالم الممتد، وقد يكون ذلك سبب حقيقي لفوز الفيلم؛ أي قدرته على تخطي الحدود والجغرافيا، من دون أن نغفل حكاية الفيلم ذاته ورسالته التي تمس المشاهدين، وتعلق في أذهانهم وتستمر في مطاردتهم.

ومع ذلك يحمل الفيلم رمزيته عبر استخدامه "العود" بصفته آلة يحلم الصغار باقتنائها للعزف عليها، وتفاصيل الشخصيات العربية التي حرّكها بطريقة بسيطة وبدائية عن قصد، لتحمل روح الفيلم الهادئ والمثقل بالحزن والمعاناة.

البساطة التي تخفي العمق والمعاناة وقوة الأحلام مهما كانت الصعاب، هي إحدى نقاط قوة الفيلم، يضاف إليها قدرته على انتزاع كمية كبيرة من المشاعر المتناقضة بفعل مآل الشخصيات التي بناها المخرج وحرّكها فصنعت رسالته العميقة.

اقرأ/ي أيضًا: "خمسة أولاد وعجل".. اختبار القناعات في لحظات حاسمة

صوت المخرج الشاعري حمل التعليق الصوتي على الصور التي تتحرك على مهل، طفلان تحتضنهما أمهما وتعزز صبرهما وإيمانهما بالحياة، تطلب منهما احتضان وردة نمت وسط الدمار، ليرعياها بالموسيقى والغناء.

     الطفلان يعزفان على العود الجديد فيما الحرب تركت أثرها الجسيم على جسديهما الطريان    

وفي مكان آخر حيث هاجر الجميع، بدأ الكل بزرع البذار والبناء أملًا بالحياة، فيما الطفلان يستمران بالعزف الذي أحبّته المدينة وتمايلت مع أنغامه، ليحلما بشراء عود جديد من دون امتلاك ثمنه، فتتعارض أحلامهما مع حكمة الأم "اكتفيا بما عندكما يا صغيراي، فالشجر ليس شجر، والسماء ليست حرة" لكنهما يجدان قطعًا معدنية كبيرة يخالانها أشياء ثمينة، لكنّها في الحقيقة ألغام الحرب التي زرعت في الأرض المدمرة.

من بعيد يطل المشهد الأخير؛ الطفلان يعزفان على العود الجديد فيما الحرب تركت أثرها الجسيم على جسديهما الطريان، ومع ذلك يتشاركا العزف أملًا بمد الواقع المميت بالحياة.

إنها رسالة مؤثرة ضد الحروب ووحشيتها غير المحتملة والتي تدمر كل شيء، لعبت فيها موسيقى نيزار روحانا دورًا حزينًا وحالمًا، لكنّها أيضًا رسالة أعمق من الأطفال وإليهم، فهم الأكثر قدرة على الأحلام، والأكثر رغبة بالعمل على تحقيقها مهما كانت النتائج، حتى لو فقأت الحرب المتوحشة عيونهم وقطّعت أيديهم. إنها رسالة صادقة وصادمة على أمل أن يوجد من يعمل على إيقاف الحرب مثلما فعل هذان الطفلان بإصرارهما على العزف، ومن قبلهما فعل المخرج أحمد صالح الذي يقدّم نفسه كاتبًا ومخرجًا، ألّف رواية ومجموعة قصص قصيرة، وكتب وأخرج ثلاثة أفلام قصيرة، حازت على جوائز عالمية. ويعمل حاليًا على كتابة فيلمه الطويل الأول.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم "أخوات السرعة".. فلسطينيات سريعات وغاضبات

المطلوبون الـ18.. أبقار في شرفة الوطن

"رجل يعود".. عن المخيم المقبرة وانتحار البشر