21-نوفمبر-2016

اقترب الموعد؛ فقررت أن تلد في مكان بعيد. ودّعت القطيع، ثمّ سلكت طريقها من مستوطنة "جبل أبو غنيم" شمال مدينة بيت لحم، لتصل المناطق الوعرة القريبة من بيت ساحور. لم تكن تعلم أن ذلك كان الوداع الأخير، وأنّ مصيرها وجنينها سيندفع إليها عبر فوّهة "خرطوش" صيّاد كان يترقّب وصولها.

مشاعر حزن علت ملامح مدير جمعية الحياة البرية عماد الأطرش وهو يسرد قصة الغزالة، معتبرًا أن الصيد الجائر بمثابة إجرام بحق الحيوانات البريّة والطيور التي تحتضنها الطبيعة، مشيرًا إلى أنّ بعض الصيادين قد يكون فعلًا يجهل قوانين الصيد وأوقاته، لكن البعض الآخر يصرُّ على تجاهل ذلك.

نزفت الطبيعة الفلسطينية الآلاف من غزلانها، ولم يتبق سوى أقلّ من 500 غزال جبلي وفق التقديرات 

أسباب الصيد الجائر وأشكاله كثيرة، أمّا نتيجته فواحدة؛ مخاطر على أشكال التنوع الحيوي منها الغزلان الفلسطينية البرية. ومن نهاية التسعينيات وحتى هذا اليوم، نزفت الطبيعة الفلسطينية الآلاف من غزلانها، ولم يتبق سوى بضع مئات تتنقل بين الجبال. وتشير تقديرات جمعية الحياة البرية إلى وجود أقل من 500 غزال جبلي على الأراضي الفلسطينية في الوقت الحالي.

لا يواجه الغزال مصير الموت من الحيوانات المفترسة فحسب، فالامتداد العمراني والصيد الجائر يلعبان دورًا كبيرًا في حسم مسألة انقراضه. ويستذكر مدير جمعية الحياة البرية، عماد الأطرش، ما حصل قبل سنتين من الآن: "أكبر نكبة بالنسبة لنا كانت قبل سنتين حين فقدنا أكثر من 155 غزالًا؛ كان الطقس مُثلجًا فلجأت الغزلان للاحتماء داخل الكهوف والمغر، وكان الصيادون بانتظارها".

غزال الجبل الفلسطيني

ولا يخفي الأطرش تخوّفه من الشتاء القادم، بقوله: "أي يوم فيه ثلج خايف يروحلي كمان 50 غزال. وإذا استمرينا ع هالحال، بعد 20 سنة مش رح يضل غزلان".

وهذا ما يؤكده أيضًا مدير المصادر البيئية في سلطة البيئة، عيسى برادعية، بقوله إنّ هناك تناقصًا شديدًا ومستمرًا في أعداد الغزلان الجبلية، وقد أدرج اسم غزال الجبل الفلسطيني في القائمة الحمراء للحيوانات المهددة بالانقراض.

قاعدة بيانات غير دقيقة

تنص المادة 41 من قانون رقم 7 لسنة 1999 بشأن البيئة: "يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجوال بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة كما يحظر إتلاف أوكارها أو إعدام بيضها".

"النص القانوني وحده لا يكفي" يقول عماد الأطرش، ويضيف أننا بحاجة إلى لوائح تنفيذية مفصّلة لمواعيد الصيد المسموح بها وأسماء الحيوانات التي يحظر صيدها. مشيرًا إلى أنّ قاعدة البيانات البيئية في فلسطين غير دقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها لوضع هذه اللوائح. "علينا وقف الصيد لمدة 5 سنوات على الأقل لعمل مسح بيئي شامل حتى نعتمد نتائج هذه الدراسات في وضع اللوائح".

وبالرغم من صعوبات إعداد اللوائح التنفيذية، أكد عيسى برادعية أن سلطة البيئة وبالتعاون مع وزارة الزراعة تعمل على إعداد قوائم بأسماء الحيوانات التي يمنع صيدها وسيتم عرضها في بداية العام المقبل 2017 على أمل أن يلتزم الصيادون بها.

نفتقر للوعي البيئي

ومن جهته، يرى عصمت القاسم، الطالب في الجامعة العربية الأمريكية، من محافظة سلفيت، أن الشعب الفلسطيني غير مطّلع على القوانين البيئية، ويفتقر إلى الوعي البيئي بأهمية الثروات الطبيعية ودورها في التنوع الحيوي. " أنا بحب الصيد وكنت أصيد الشنّار لفترة من حياتي بس الوضع اليوم صار غيرٍ. لازم الناس تشوف أنه صيد الحيوانات البرية بهاي الفوضى حرام!".

وأضاف: "من المهم خلق ثقافة بيئية ووعي بين الناس بأن حماية البيئة مسؤولية جماعية من خلال عمل ورشات توعوية لأجل بناء أجيال صديقة للبيئة."

اقرأ/ي أيضًا: وثّق.. أرشفة التراث الفلسطيني رقميًا

الغزال بـ30 ألف شيقل!

يرى مدير المصادر البيئية في سلطة البيئة، عيسى برادعية، أن العقوبات المنصوص عليها في القانون غير رادعة وأن قيمة الغزال أكثر من ذلك بكثير. فتنص المادة 71 من قانون البيئة على أن "كل من يخالف أحكام المادة 41 من هذا القانون، يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن 20 دينارًا أردنيًا، ولا تزيد على 200 دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، والحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد على أسبوعين، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

من يخالف قانون صيد أو قتل أو إمساك الحيوانات البرية، يعاقب بغرامة مالية لا تزيد على 200 دينار أو الحبس مدة لا تزيد على أسبوعين

في المقابل، لفت برادعية إلى أن القانون البيئي عند الاحتلال الإسرائيلي واضح ويمنع صيد الحيوانات البرية، ومن بينها الغزال منعًا تامًّا، ويفرض مبالغ ماليّة كبيرة كعقوبة لمن يخالف القانون.

وفي مقابلة لـ "الترا فلسطين" مع أحد صيادي سلفيت، رفض التصريح عن اسمه معللًا: "مش خوف من السلطة والله، مشكلتهم بسيطة، بس بخاف أعلَقْ مع اليهود (الإسرائيليين)". وقال إنه يقوم بممارسة هوايته التي يحب، وهي صيد الغزلان، بين الحين والآخر. "أنا بعرف إنه في القانون ممنوع نصيد الغزلان، بس أنا بصيد غزال أو اتنين وفي الأوقات المحددة للصيد. في غيري بصيدوا بالعشرات ومش بوقت الصيد!"

وأعلمنا أيضًا أنّه يحاول أن يمارس هوايته في المناطق البعيدة عن المستعمرات حيث تتواجد الغزلان بكثرة؛ وذلك كي لا يتورط في العقوبة، "شب صاحبي مسكوه اليهود صايد غزال دفّعوه 30 ألف شيقل غرامة وحرّم يصيد من يومها، بديش يصير فيي زيه!"

10% رقابة

ينضم الخلل في الرقابة إلى جانب بقية العوامل المذلّلة للعقبات أمام عمليات الصيد غير المشروعة؛ إذ يوجد نقص واضح في المراقبة والمتابعة، من شأنهما منع عمليات الصيد.

وأرجع عيسى برادعية السبب في هذا الخلل خلال حديثه لـ "الترا فلسطين" إلى أن عدد الموظفين الذين يعملون في الرقابة والتفتيش قليل جدًا، ولا يتعدى عددهم مفتشين اثنين أو ثلاثة فقط؛ لكلِّ محافظة، وتشكل مراقبة الحياة البرية من حيوانات ونباتات ما نسبته 10% من مهام رجل الرقابة، في حين تتوزع النسبة الباقية على مراقبته المنشآت الصناعية والمحاجر والأبراج الخلوية والكسارات".

في المقابل، توجد رؤية مختلفة لسكان محافظة سلفيت، التي تقع معظم قراها في مناطق (ب،ج) الخاضعة أمنيًا للاحتلال. فقال عصمت القاسم: "ولا حدا ببلغ عن حدا، ولا حدا فارق معاه هاد الموضوع، عنّا في سلفيت اليهود وحراس المستوطنات هم اللي بشدوا على موضوع حماية الطبيعة، فبالتالي ما حدا بسترجي يبلغ لأنه بتتعدى فكرة إنه بدك تبلغ عشان خايف عالطبيعة. بتصير إنه أنت عميل بتبلغ عن حدا عنده سلاح (الخرطوش)".

اقرأ/ي أيضًا: "النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

وتعدّ اتفاقية التنوع الحيوي التي تم التوقيع عليها ودخلت حيّز التنفيذ عام 2015، من أهم الاتفاقيات التي لها علاقة بحماية الحياة البرية، وفق ما يقول برادعية، معتبرًا أنّها الأساس في الحفاظ على التنوع الحيوي.

لم يكتف الاحتلال بسرقة أرض فلسطين، بل وكّل نفسه بأحقية امتلاك كل ما عليها من مقومات وحياة؛ فانتهك حقوق ملكيتنا لمأكولاتنا وموسيقانا وأخذ يروج لها باعتبارها ثقافة له. وطال حياتنا البرية؛ فحاول تغيير اسم طائر الشمس الفلسطيني إلى الطائر البرتقالي، كما حاول مع غزال الجبل الفلسطيني لتغيير اسمه إلى غزال الجبل الإسرائيلي. وإن كنا نسعى لاسترداد وطن، علينا أوّلًا أن نتمكن من الانتماء إليه، فأشكال الاحتلال كثيرة وكذلك أشكال المقاومة.

اقرأ/ي أيضًا: 

رحلة شتوية في تراث فلسطين

السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟