02-مايو-2018

صورة أرشيفية من حملة "مسار" لدعم مريضات السرطان وكسر المعيقات أمامهن - تصوير: مجدي فتحي (Getty)

لا تقف (ن.ع) أمام المرآة لأكثرَ من دقيقتين فقط، تُركز على وجهها وتتجاهل الجزء الأعلى من جسدها، هذا الذي أكله السرطان فصارت مجبرةً على إخفائه، ترفضُ أي مناسبةٍ اجتماعية يمكن أن ترتدي فيها ملابسَ مكشوفة. فالمرأة الأربعينية التي نجت من مرض السرطان بكثيرٍ من العزيمة وقليلٍ من الدعم، كانت قويةً بالقدر الكافي الذي يمنح بعض النساء المصابات بالمرض حديثًا أملاً بتحدي المرض الذي يخشى البعض من ذكر اسمه خوفًا منه.

وقفت (ن.ع) أمامَ حشدٍ من النساء في جمعية خاصة بدعم مريضات سرطان الثدي في المحافظة الجنوبية من غزة، قالت: "السرطان يحتاج لروحٍ محارِبة، فقط من يعتبر أنه يخوض معركته الخاصة مع المرض ينتصر، وهذه معركتنا الفاصلة، نحن المصابات، والنتيجة هي النجاة من فم الموت". صفقت الحاضرات فيما انزوت هي في زاوية القاعة على كرسي بلاستيكي بلا يدين، ينحني ظهرها للأسفل قليلاً تخفي دونَ قصدٍ استواء عباءتها الفضفاضة جهة صدرها.

أكثر من ثلاثة أرباع النساء المصابات بسرطان الثدي يشكين من غياب الحميمية في العلاقات الزوجية بعدَ استئصال أثدائهن

اعتمدت هذه المُحاربة على إرادتها الجبارة فقط في تخطي أزمة المرض الذي غيرَ شكلها، وأدى إلى هجران زوجها لها بعد عام ونصف من إصابتها به. "بعد الاستئصال بتسعة أشهر صار عندي ضرة، وهجرني زوجي هجرانًا كاملًا تدريجيًا" قالت (ن.ع) لـ الترا فلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: سرطان الثدي قد يعني الطلاق في غزة

وأضافت، "نفقد كمتزوجات بعدَ الإصابة بالسرطان قدرتنا على ممارسة حياتنا الزوجية، والعادية كذلك، ونحتاج إلى رعاية دائمة واهتمام، غيرَ أن الفيصل في انتهاء الحميمية في العلاقة هو الاستئصال، فلا أذكر أن زوجي اقتربَ مني بعدَ العملية مرةً واحدة. لا ألقي اللوم كله عليه، فأنا لم أتقبل شكلي نهائيًا بعد العلاج، صرتُ أشبهُ برجلٍ أقرع".

وتعرضت 25 سيدة مصابة بسرطان الثدي لهجر أزواجهن، من أصل 450 سيدة في مركز رعاية مرضى السرطان في المحافظة الوسطى، وفق ما أفادتنا به منال وشاح الأخصائية النفسية في المركز، التي أكدت أن هذه نسبة مرتفعة، كون المركز يغطي  فقط المصابات بالمرض في المحافظات الوسطى والجنوبية من قطاع غزة.

تابعت وشاح، "أكثر من ثلاثة أرباع النساء المصابات بالسرطان يشكين من غياب الحميمية في العلاقات الزوجية بعدَ الاستئصال، إذ أن شكل الجسد يصبح غير مقبول للزوج، الأمر الذي يؤثر نفسيًا على النساء، وكانَ من الطبيعي أن يكون الحلم الأول لدى المُصابات المُستأصلة أثداؤهن هو زراعة أثداء أو ترميم الجسد ليبدو أكثر طبيعية".

25% من المصابات بمرض السرطان في غزة؛ أصابهن المرض في الثدي، وفقَ مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة ماهر شامية، وهذه النسبة الكبيرة تعني أن عشرات النساء يحتجن إلى عمليات ترميم تساعدهن في الحفاظ على حياتهن الاجتماعية والنفسية، وهي كذلك باب واسع تمكن من خلاله أطباء في غزة من الترويح لقدرتهم على إجراء عمليات الترميم داخل القطاع، فأقبلت عليهم النساء وكانت النتيجة غير مُرضية، وفقَ رصد أجراه الترا فلسطين.

عمليات ترميم أثداء تُجرى في قطاع غزة تكاليفها مرتفعة لكنها تنتهي إلى الفشل في حالات كثيرة

 (إ.ر) تستعد لإجراء عملية ترميم الثدي للمرة الرابعة بعدَ فشلها في المرات الثلاث الأولى، وتخشى أن تفشلَ التجربة مرة جديدة. قالت لـ الترا فلسطين: "بعدَ تماثلي للشفاء كانَ يجب أن يعود شكلي إلى سابق عهده حتى لا يتعمق احساسي برفض زوجي لي ورفضي لنفسي، فخضعت للعملية الأولى وكانت عبارة عن زراعة سيلكون بتكلفة ألفي دولار عند طبيب مختص بالعمليات التجميلة وسمعته جيدة، غير أنني خدعت".

اقرأ/ي أيضًا: "مسار".. معركة نفسية مع السرطان

فشل العملية في المرة الأولى دفعَ الطبيب المأزوم إلى اجرائها بعد ذلك مرتين في مستشفى حكومي دونَ تكليف (إ.ر) أي مصاريف جديدة، وهو الأمر الذي اعتبره مخسرًا، إذ قالَ لها ذات مرة "دفعتُ تكاليف عمليتين من جيبي الخاص، لذا عليكِ أن تتحملي، أنا الخاسر في الموضوع".

تلكَ النبرة التجارية في كلام الطبيب، كانت أبرز مخاوف مديرة برنامج العون والأمل إيمان شنن، المتعافية أيضًا من سرطان الثدي، إذ أوضحت لـ الترا فلسطين أن ما يحدث على أرض الواقع هو أن الطبيب يهدف إلى الربح المادي من المريضات الراغبات حقـًا بعودة أشكالهن إلى سابق عهدها، رغمَ جهلهن بأن نسبة النجاح ضئيلة بسبب عدم تهيئة أجساد النساء لها أثناء عملية الاستئصال.

الأطباء المنفذون لعمليات استئصال الأورام من أجساد النساء المصابات بسرطان الثدي في قطاع غزة؛ يهدفون إلى اجتثاثه خشيةً من عودته، لذا فإنهم يُمعنون في جرف الأجزاء المصابة والأنسجة السليمة تحتها، متذرعينَ بصعوبة التحويلات الطبية لإتمام العلاج في الخارج، وصعوبة متابعته في غزة بسبب عدم توفر الجرعات اللازمة، ناهيكَ عن عدم حرصهم على وجود طبيب تجميل أثناء العملية لتشكيل الجرح حتى يصبحَ صالحًا بعَد ذلكَ لعمليات الترميم، لذا من الصعب أن تنجح عمليات الترميم خاصة في بيئة قطاع غزة يفتقر حتى للمواد اللازمة لزراعة الأثداء أو ترميمها.

يُمعن أطباء غزة في جرف الأجزاء المصابة والأنسجة السليمة تحت الأثداء عند استئصالها، ما يجعل أمل نجاح عمليات الزراعة أو الترميم ضعيفًا

الطبيب وائل وشاح، الذي أعلنَت وزارة الصحة عن نجاح أول عملية ترميم ثدي ينفذها في مستشفى حكومي في غزة، بيَّن في حديثه لـ الترا فلسطين أن عمليات ترميم الأثداء للمُتعافيات من سرطان الثدي؛ رغمَ تكلفتها العالية إلا أنَّ الطلب لها مرتفع.

وقال: "لم أجد أي جهة تمول مشروع ترميم الأثداء الذي قدمته لمؤسسات خاصة برعاية مرضى السرطان، وحتى ذلك الوقت أعلنت عن إمكانية إجراء عمليات من هذا النوع دونَ الحاجة إلى السيلكون، إذ بالإمكان طبيًا الاستفادة من عضلة الظهر المقابلة للصدر المصاب، أو عضلة البطن، إن كان فيها بروز وبالإمكان استغلالها"، مشيدًا بهذا النوع من التجميل الذي قالَ إنه يتقنه.

الكثير من الترحيب قابلت بهِ مجموعة النساء المتعافيات من سرطان الثدي فكرة ترميم الجزء المستأصل منه، غير أن "السعر" وفقَ ما اتفقنَ على تسميته كانَ صادمًا. تقول إحداهن – رفضت الكشف عن اسمها- " بإمكاني حشو حمالة الصدر بإسفنج لا يكلفني أكثر من ثلاثة شواكل، دونَ الحاجة إلى عملية لا أضمن نجاحها وأدفع عليها كل هذا المال".

وعلقت (د.ح)  التي تعمل مُدرّسة: "لا يهمني أبدًا إن تقبلَ زوجي لشكلي أم لا، كُنت إنسانة كاملة ذات يوم، والمرض قبلَ شكلي الأنثوي، إن لم يرد زوجي تَقبلَ شكلي فليدفع ألفي دولار لتحسينه، وهو مبلغ بالمناسبة أقل من مهر عروسٍ جديدة".

وكان بحث أعدّه عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الإسراء بغزة، علاء مطر، أشار إلى أن 38% من مريضات السرطان في القطاع طلقهن أزواجهن بعد اكتشاف إصابتهن بمرض السرطان بشكل عام.


اقرأ/ي أيضًا:

مرضى غزة بين الحصار ووقف التحويلات

نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

الخليل: مراكز أشعة غير مرخصة وأجهزة متهالكة