03-أكتوبر-2017

صورة تعبيرية - عدسة حسام سالم (Getty)

لم يكن ينقضي يوم إلا ويتعرض فيه أحمد (30 عاماً) للشتم من أمه، فزوجته لا تروق لها، وكثيرًا ما يتملكه الغضب فيضرب زوجته كي تتجنب إزعاج أمه، حتى طفح الكيل بزوجته، ولم تعد قادرة على تحمل الشتم والأذى النفسي الذي تتعرض له، فذهبت إلى بيت أهلها برفقة أبنائها "حردانة".

وتأديبًا لها قررت والدته إقراضه مبلغًا من المال، ليصلح بيته، ويملأه بـ"العفش الجديد"، كي يستقبل به زوجته التي اختارتها الوالدة مؤخرًا. بعد أيام أرسلت الزوجة أبناءها لوالدهم، وبدأت الخلافات مع الخطيبة الجديدة تطفو على السطح، ليسارع إلى طلاقها، قائلاً: "ظلمتُ الاثنتين".

في غزة رجال يختارون الزواج نكاية في طليقاتهم، أو أمهاتهم. تجارب أفضت في النهاية إلى الطلاق والمحاكم

يقول أحمد: "أخطأتُ حينما لم أقرر سير حياتي بنفسي، وما فعلته تأديبًا لزوجتي، ها أنا أجنيه تأديبًا لنفسي، وأدفع ثمنه ديونًا متراكمة. أعدت زوجتي الأولى بعد أن أضفت لنفسي همًا لم أحسبه".

اقرأ/ي أيضًا: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

أحمد كان واحدًا من حالات عديدة رصدها "ألترا فلسطين"، خلال بحثه في الأسباب المخفية للطلاق فلسطينيًا، وتحديدًا في قطاع غزة، إذ تبيّن أن زواج النكاية كانت نهايته الطلاق، هذا إضافة إلى أن زواج النكاية كان تجربة الزواج الثانية، وليس الزواج الأول بالنسبة للرجال.

ولا يمكن تحديد إحصاءات واضحة تتعلق بهذا النوع من الزواج، إلا أن "ألترا فلسطين" استطاع التحدث إلى حالات عديدة رفض المتحدثون فيها الكشف عن هوياتهم، "بسبب خصوصية هذه المواضيع".

"سعيد" (39 عامًا) أحد هذه الحالات، قرر الارتباط بابنة عمه، بعد "حرد" زوجته الأولى التي أنجب منها خمسة أبناء، ثم ما لبثت أن حملت زوجته الثانية، بعد فترة قصيرة، لم يتآلف قلبه وزوجته فطلقها وأعاد الأولى بعد أن دفع لها مهرًا جديدًا نظرًا لانتهاء عدتها.

يبرر "سعيد" ما فعله بأنه "لم يكن بكامل وعيه"، فهو كما يقول "يحب زوجته الأولى كثيرًا، وأراد أن يؤدبها فقط". ويضيف، "سعدتُ بداية زواجي بالثانية، وسرعان ما تلاشى هذا الأمر أمام المسؤوليات التي جلبتها على رأسي بتهوري، ولا زلت حتى هذا اليوم مطلوبًا لجلسات المحكمة بسبب النفقات وغيرها".

يجمع معظم الأزواج الذين تحدث إليهم "ألترا فلسطين" أن السبب يعود "لعصبية الرجل الغزّي، وعدم تقدير الزوجة لظروف زوجها"، خاصة في ظل الأوضاع السيئة التي يعيشها داخل البيت وخارجه، فيدفعه أحيانًا للتصرف بتهور.

في حين يعتبر أبو علي (38 عامًا) أن ما حدث معه كان بمثابة " قرصة أذن" له ولزوجته الأولى بعد خلافه معها لرفضها إقراضه ذهبها، ليرتبط بقريبته المطلقة بمهر لا يتجاوز ألف دينار، فيختلف معها لاحقًا ويطلقها، ثم يعيد زوجته الأولى، معترفًا أن زواجه من الثانية لم يكن حاجةً بقدر ما هو نكايةً وتأديبًا لزوجته الأولى.

أما "ياسر" (27 عامًا)، فلم يكن زواجه هذه المرة نكاية بزوجته كما سابقيه، بل نكاية في والدته التي اختارت له زوجته الأولى، ثم لم تتوقف عن الشجار معها صباح مساء، ليختصر على نفسه العناء بعد أشهر قليلة ويطلق زوجته، وسط سعادة أمه.

بعد مرور وقتٍ قصير، أرادت "أم ياسر" أن تخطب له أخرى، فرفض تمامًا، وبعد إلحاحٍ لمدة عام قبل بشرط أن تكون العروس صمّاء، رفضت والدته الشرط أول الأمر، ثم ما لبثت أن استسلمت أمام إصراره، ووجدت له ما يُريد.

ياسر "اختصر على نفسه عناء الحياة واشترى راحة باله" كما يقول، تعلّم لغة الصم خلال فترة خطوبته، وهو سعيدٌ للغاية، "فأمه وزوجته لا تستطيعان تبادل الحديث مطلقًا، فتنتظرانه حتى يعود من عمله، ليعلم ماذا تريد كل واحدة منهما، دون حدوث أي خلاف بينهما".

وتظل الزوجات هنّ الضحايا الأكبر في هذه الحالات، إذ يجدن أنفسهن يخضن زواجًا عامرًا بالخلافات والمشكلات التي يعود أصلها إلى عدم تخلص الشريك من آثار تجربة الزواج الأولى، أو شوقه لطليقته، فيدفعن ثمن أخطاء غيرهن، وهذا ما حدث مع "سمية" (28 عامًا) التي ارتبطت بابن خالتها نزولاً عند رغبة أهلها الذين يريدون تخليصها من لقب "المطلقة"، الذي يلاحقها عند كل قرار تتخذه في حياتها، كما تقول.  

لم تمض "سمية" فترة خطوبة كغيرها، ولم تتمكن من معرفة شخصه جيدًا، لأنها انشغلت بترتيب أمور زفافها الذي تم خلال أسبوعين. وقبل أن يُتم زواجها أسبوعه الأول، وقع الطلاق للمرة الثانية. تقول: "لم يكن بحاجة إلى الزواج، بقدر ما هو تفريغ لغضبه، ورغبته بالتسلط لا أكثر، فشعرتُ أني اتُخذت كوسيلة مؤقتة لا غير، وكلما حاولت أن أتغاضي، يفتعل المشاكل، حتى طلقني، وأعاد زوجته الأولى".

الزوجات أكبر ضحايا زواج النكاية، فهن يدفعن ثمن شوق أزواجهن لطليقاتهم، أو من تأثر أزواجهن بتبعات زواجهم الأول الفاشل

يرى الأخصائي النفسي درداح الشاعر أن "زواج النكاية" من أسوأ الأخطاء التي يرتكبها الشخص في حياته، لما له من "آثار مدمرة" على الصعيد النفسي أو الاجتماعي والاقتصادي.

ويبين الشاعر لـ"ألترا فلسطين"، أن أبناء هذا النوع الزواج يعانون من من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، فيعيشون حالة من التوتر بسبب المشاكل، مما يؤثر على تكوين شخصياتهم، فتجعلهم انطوائيين ضعيفي الشخصية، أو شديدي العنف والكره للمجتمع من حولهم.

ويعتبر الشاعر أن هذا الزواج شكل من أشكال الزواج الأرعن، غير المخطط له، ولا يكون هدفه طبيعيًا بتكوين أسرة مستقلة، إنما فقط من منطلق التشفي والحقد، وجميع مبرراته غير منطقية، وتنم عن قلة الشعور بالمسؤولية، حيث يرغب فيها الشخص بإخضاع الآخر، وفرض السيطرة عليه فقط.

ومعظم هذه الزيجات، وفق قوله، يندم أصحابها على قراراتهم بعد وقت قصير، بسبب الأعباء التي ترافقها من ديون وتكاليف مرهقة لا يستطيع الشخص تحملها، وأحيانًا عدم التوافق النفسي والتقلب العاطفي، إلى جانب مشاكل الأطفال، والأسر الممتدة، "فتجعل من حياة الشخص جحيمًا لا يطاق".

"ألترا فلسطين" تواصل مع مركز المرأة للإرشاد القانوني، ومركز الإحصاء الفلسطيني، والقضاء الشرعي، في قطاع غزة، إلا أن هذه الجهات أكدت أنه لا يمكن تحديد تفاصيل أو إحصائيات تتحدث عن هذا النوع من الزواج، كونه مبني على قرار شخصي لا يمكن رصده، ولا يُحب أغلب الناس الحديث فيه، إضافة إلى أن المطلقين والمطلقات عادة يعزون طلاقهم إلى أسباب مباشرة مثل العنف، وعدم التفاهم، وعدم الإنجاب، والخلافات مع أهل الشريك، دون أن يوردوا بأن الزواج أصلاً كان مبنيًا على قرار خاطئ.


اقرأ/ي أيضًا: 

في غزة.. محامون يزوجون قاصرات بعيدًا عن المحاكم

أزواج في البيت.. زملاء في مهنة المتاعب

غزة وبديهيات الحب في حارة العبيد