30-أبريل-2018

صورة توضيحية: سوق في مدينة غزة - تصوير علي جاد الله (Getty)

أدى الوضع الاقتصادي المتدهور في قطاع غزة إثر 11 سنة من الحصار، وما رافقه من تدهور في مختلف مجالات الحياة، إلى لجوء التجار والشركات الكبيرة لتجزئة السلع الاستهلاكية بكميات بسيطة ثمنها 1 شيكل، ليبدو ذلك في ظاهره خدمة للمواطن، بينما يحتوي في باطنه على الكثير من الاستغلال والغش.

وانشرت هذه المنتجات بكميات بسيطة تباع بثمن 1 شيكل، مثل الشاي، والقهوة، والبهارات، وزيت والزيتون، والصلصة، والطحينة، وغيرها من مستهلكات المواطنين اليومية، دون الرقابة عليها أو وضع مُحددات واضحة تحكم آلية اختيار أوزانها وتسويقها، ما جعلها مساحة كبيرة للتلاعب والغش في الأوزان والأسعار.

تلاعب في الأوزان وأرباح تزيد عن 100% في منتجات تُباع بشيكل واحد فقط في غزة

الخبير الاقتصادي نهاد نشوان يشرح لـ الترا فلسطين أن الفلفل الأسود، لا يخلو بيت فلسطيني منه، يتم استيراده على هيئة حبوب بملغ 15 ألف شيكل للطن الواحد، بحسب البيان الجمركي، بينما مع بيعه بوزن 9 جرامات للعبوة الصغيرة مقابل 1 شيكل، يصبح سعر الطن نفسه أكثر من 110 ألف شيكل.

وفي حِسبة أخرى، فإن زيت الزيتون يُستورد بمبلغ 15 شيكل للكغم، ويُباع بالتجزئة بـ 50 شيكل، بمعنى أنه يجب شراء 50 عبوة لتحصيل نفس الـ كلغم من نفس المنتج بهامش ربح 30 شيكل. أما الطحينة من صناعة غزة فسعر الـ كغم منها 10 شواكل، تُباع مجزئة بـ 30 شيكل، والتوابل سعر جملتها 20 شيكل، بينما التجزئة منها 66 شيكل.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | آية كشكو مديرة البساطة

ويبين نشوان، أن وزارة الاقتصاد تُخضع هذه المنتجات لأسلوب العرض والطلب على قاعدة الاقتصاد الحر وعدم وجود الاحتكار، إذ أن المواطن غير مُجبر على شراء هذه المنتجات، بينما الواقع أن قطاع غزة يعد منطقة نامية تمر بمرحلة انهيار اقتصادي كامل، وبحاجة إجبارية لإعادة النظر في كل الأدوات ومقومات الاقتصاد، أهمها ما تلامس المواطن مباشرة من سلع أساسية.

ويضيف أن عملية التجزئة كانت غير منظورة سابقًا لأن ظروف القطاع كانت أفضل، "ووقتها لم يكن هناك مجال للخوض في الصغائر، أما الآن فيجب الحديث عن أي استغلال لحاجة المواطن المغلوب على أمره، لأن الاقتصاد ليس لغة لوغاريتمية بل نظريات يجب أن تتواءم مع الواقع".

ما يحدث في منتجات 1 شيكل هو فجوة كبيرة وقفزة ضخمة بين السعر الأصلي وسعر البيع بالتجزئة مقابل الوزن أو المكيال المقدم في الحالتين، وهذا يستوجب، بحسب نشوان، تطبيق أحكام المادة 27 من قانون 25 للعام 2005 لحماية المستهلك.

ما يحدث في منتجات 1 شيكل في غزة هو فجوة كبيرة وقفزة ضخمة بين السعر الأصلي وسعر البيع بالتجزئة

وتفرض المادة 27 من قانون حماية المستهلك عقوبة السجن لمدة لا تزيد عن 10 سنوات أو بغرامة لا تتجاوز 10 آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، أو بكلتا العقوبتين، على كل من عرض أو باع سلعًا تموينية فاسدة أو تالفة، أو تلاعب بتاريخ صلاحيتها، أو احتفظ بالموازين أو المكاييل غير المعتمدة من الآلات غير الصحيحة المعدة لوزن السلع أو كيلها.

اقرأ/ي أيضًا: شبهات فساد نتيجة فجوة زمنية بين الحسابات الختامية للسلطة

ويوضح نشوان، أن المكيال الصحيح ليس وزنًا مضبوطًا فقط، وإنما وزنًا مضبوطًا يتناسب مع سعر المنتج ضمن سياق واضح ومعيار محدد، قائلًا إن هذا شيء يجب أن تراقبه دائرة حماية المستهلك ضمن واجباتها في حماية المواطن من الغش والاستغلال والغلاء، وليس مراقبة 3 سلع تعتبرها الدائرة أساسية، وهي الطحين الزيوت والبذور.

الأمر لم يتوقف هنا، يقول نشوان: طالبنا الجهات المختصة بإعادة النظر بكل المنهج الاقتصادي المتبع في قطاع غزة تماشيًا مع الوضع الحالي، وبالفعل تم عقد جلسة مع المجلس التشريعي الذي انتدب وزارة الاقتصاد، فردت أن السوق يعمل على "قاعدة اقتصاد حر".

وزارة الاقتصاد في غزة رفضت إعادة النظر في المنهج الاقتصادي المتبع لديها

ويصف نشوان المنظومة الاقتصادية الحالية في قطاع غزة بـ "الفساد القائم الذي يحتاج للتصويب، وأن على الجهات المسؤولة تجاوز مصالح التجار الكبار لحماية المستهلكين والمواطنين".

اقرأ/ي أيضًا: من أين يأتي المحاصرون في غزة بمصاريفهم؟

التقينا عددًا من المواطنين في أحد أسواق مدينة غزة، وسألناهم عن تجزئة السلع، فأجاب الثلاثيني محمد أبو ياسين أن الأمر فيه تخفيف عن المواطن، وقالت الشابة سمية أبو كويك إن هذه المنتجات تقدم لك حاجتك من الكمية دون زيادة غير مرغوب فيها، تحديدًا لو كنت خارج المنزل، بينما أجاب حسام قويدر أن طرح هذا الموضوع "لا فائدة منه سواء الرغبة في البحث مع مشكلات غير موجودة".

وعندما شرحنا للمتسوّقين الآلية وذكرنا الأرقام وهوامش الربح الخيالية، لم يصدقوا في البداية، فاضطررنا لحساب الأسعار خطوة بخطوة، قبل التجزئة وبعدها، لتوضيح حجم المشكلة. قالت السيدة عايدة المدهون: "لم أتعامل يومًا مع هذه المنتجات، سرقة كبيرة والكمية صغيرة، عندما أحتاج شراء بهار بكمية قليلة اشتريه أو أرسل ابني لشرائه السوق وليس من السوبر ماركت".

دائرة حماية المستهلك التي تعمل بطاقم مكون من 30 مفتشًا فقط لكل أسواق قطاع غزة، تقول إنها غيرة قادرة على مراقبة الأسعار نظرًا للاتساع الكبير في العمل والنقص في العاملين.

يقول مدير الدائرة محمد العبادلة لـ الترا فلسطين، إن عمل الدائرة يتركز حاليًا على جودة المنتج، ومدى التزامه بالمعايير والمواصفات الفلسطينية، ذلك بعد أن فحصت العديد من هذه المنتجات وكشفت أنها لا تصلح للاستخدام ومخالفة للمواصفات.

وذكر العبادلة أنه قبل فترة بسيطة تم ضبط كمية من الفلفل الأسود، وبعد تحليلها تبيّن أنها "مفتول" أضيف إليه صبغة سوداء وماء وفلفل أحمر مطحون، وهذا الغش موجود في الكثير من السلع الأخرى، ما يجعل الدائرة تركز على نوع المنتجات أكثر من سعرها.

غش في سلع التجزئة بغزة، فالفلفل الأسود هو مفتول أُضيفت إليه صبغة، وزيت الزيتون فيه نسب عالية من البيروكسيد

زيت الزيتون الذي يباع بـ 1 شيكل، توجد فيه نسب عالية من الحموضة والبيروكسيد، الذي يعتبر مضرًا بجسم الإنسان ومخالفًا للمواصفات، وقد تم فرض عقوبات على أصحاب هذا المنتج، إضافة لحبوب الهان "الهيل"، إذ تبين أن ما يوضع بعبوة 1 شيكل هو نوعية رديئة جدًا تكاد تكون قشور المنتج فقط، بحسب العبادلة.

وأشار إلى أن تجار غزة يبررون رفع أسعار منتجات التجزئة بعدد العمال الإضافيين وأكياس التعبئة والأجهزة، وهذا وفق اعتقاد العبادلة "صحيح نسبيًا، لكن يجب أن يكون ضمن نسبة واضحة ومحددة، وليس بقفزة كبيرة كما هو الوضح الحالي".

هذا المبرر رفضه الخبير نشوان، الذي رأى أن التكلفة الإضافية الناتجة عن التجزئة من مكينات تغليف إضافية، لا تخلق كل هذا الفرق في السعر، وهي عبارة عن "أرقام غير مفهومة وغير دقيقة"، ويجب احتسابها بما يتلاءم مع سعر السلعة الأساسي.

ويطالب العبادلة بسن قوانين وعقوبات إضافية على من يتلاعب بالمنتجات، سواء في الجودة أو الكمية والسعر، لكن وجود الانقسام وضعف الخبرات يعطل ذلك بشكل واسع.

وكان زياد أبو شقرة، المدير السابق لدائرة حماية المستهلك، قد أعد دراسة شاملة حول منتجات التجزئة، وخرج بتوصيات ونتائج، لكن وكيل وزارة الاقتصاد الذي وجهت له نتائج هذه الدراسة رفض اطلاعنا عليها أو إعطاءنا نسخة منها، وذلك بعد أن رفض حتى لقاء الترا فلسطين.

أما الشركات الكبيرة التي بدأت تقدم منتجات التجزئة في قطاع غزة؛ ومشى على نهجها الشركات الأصغر، فلم نستطع الحصول على تعقيبٍ منها حول الموضوع، إذ قابلت اتصالاتنا بالتجاهل والمماطلة.


اقرأ/ي أيضًا:

الإعلانات في فلسطين.. هل شعرت بالاحتيال؟

المحل للإيجار.. الإعلان الأشهر في غزة

الذهب في غزة في عصره الحجري