13-أغسطس-2020

مقال رأي |

هل يجب أن يثير الإعلان الأخير للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الاستغراب حقًا؟ ربما لا مساحة أبدًا للاستغراب ومثله التعجّب وكل المرادفات، شعوريًا ومشهديًا.

مردّ نفي ممكنات الاستغراب لا يعود إلى اعتياد تقديمات الإدارة الأمريكية الحالية بخصوص المسألة الفلسطينية، بما أنها صاحبة ملف "صفقة القرن" العجائبي الإعلامي أساسًا. لكن الاعتياد مردّه في تلقّف تل أبيب لكل مشروع "سلام" لا يغيّر في الوضع القائم في عموم فلسطين الانتدابية ومعها الجولان وحدود دول الطوق ما يستدعي وحدات قتالية أو قلقًا من نوع استخباري، رفقة توفير قنوات إضافية لاستدامة إذلال كل ما هو فلسطيني، بل عربي. فكيف إذا كان "السلام" لا علاقة له إلّا بـ "إسرائيل" في فلسطين؟!.

     لماذا أصبحت الأولوية المعلنة للصهيونية الحاكمة عربيًا منشغلة إلى هذا الحدّ بترتيب وضعيتها بالكامل تحت مظلة تل أبيب؟    

استكمال مردودية الاعتياد عائد أيضًا إلى طبيعة التركيبة الفعلية للمجموعات الحاكمة في السواد الأعظم من الكيانات الوظيفية في المنطقة العربية، المسمّاة تجاوزًا لكل مفردات تقرير المصير والسيادة الوطنية دولًا. ربما، وليس من باب الصدفة، أبرزها مجموعة آل سعود وأبناء زايد تحت سطوة وقرار "بوسطن كونستالتنت غروب" الراجعة لإدارة توني بلير. وبذكر بلير قد تكون مراجعة خرائبه وعجائبه في ملف "السلام" في إيرلندا الشمالية مسعفة في أحد جوانب فهم "الثقة" التي يستند إليها في دفع محمد بن زايد، مع جاره ابن سلمان، بين طيات أوراق جاريد كوشنر.

من غير المستغرب أيضًا أن تنشغل مساحة المنظمة الأممية الأكبر دوليًا، أي الأمم المتحدة بمجالسها الأمنية وغير الأمنية وجُلّ لجانها في الأيام الأخيرة بحديث العقوبات واستدامة فرض حظر التسلح على إيران. وهي ذاتها إيران التي سلّحها البنتاغون في حقبة رونالد ريغان عام 1986 عبر تل أبيب في صفقة "إيران كونترا" ذائعة الصيت أقله وقتها. في منتصف ثمانينات القرن الـ20 عندما كانت طهران الملالي ضرورية في نظر تل أبيب وواشنطن، ومعهما الرياض. كيف لا وهي تسهم في تحييد العراق الذي تقلق مقدّراته الأمن القومي الإسرائيلي حقًا، والذي لم تتبلور "كامب دافيد" على قياسه ليكون بحياد وإيجابية مصدر القلق الأساسي الثاني لجيش تل أبيب، أي مصر، حتى بعد غزوة بوش الابن 2003. 

عدم الاستغراب المستمر هذا في جزء منه يعود إلى طبيعة منظمة الأمم المتحدة، بما هي مسرح استعراضي تتخلله تجاذبات الأطراف المهيمنة، كل ونسخته من الإمبريالية. كما أنّ هذه المنظمة نفسها شهدت على تعطيل تنفيذ قرار بحجم 194 لعام 1949 منذ يوم إقراره حتى اللحظة، وهي نفسها، أي الأمم المتحدة التي منحت السعودية رئاسات كثيرة للجان حقوقية، بعضها للغرابة يختص بحرية ومصير المرأة! لذلك، أو جزء منه، قد يكون من الضروري التركيز على عدم القلق كثيرًا بمفردات شرعية الخطوة الإماراتية الإسرائيلية عبر واشنطن، ولا اللجوء للاستنفاذ الخطابي في تجريم مثل هذه الفعلة، المجرّمة أساسًا، من باب الشرعية في إطار القانون الدولي، التي لا أولوية لها على شرعة الحياة نفسها، ومنها ضرورات التحرر وتقرير المصير.

لماذا يحضر هذا الحجم الهائل والمعلن من تملّق تل أبيب ورعاية خاطرها من طرف المنظومة الحاكمة في أكثر من بلد عربي؟ ولماذا أصبحت الأولوية المعلنة للصهيونية الحاكمة عربيًا منشغلة إلى هذا الحدّ بترتيب وضعيتها بالكامل تحت مظلة تل أبيب؟ يمكن القول بخصوص المجموعات الحاكمة تلك، والصهيونية في آن، أنها على قناعة راسخة حول الشرط الأساسي لبقاء وجودها على مقاعد السلطة، وإن كان في موضع الجمهور لدى حضور أسماء من نوع بلير ونتنياهو وكوشنر إلى الملعب، وهذا هو المحور أساسًا. أمثال أبناء زايد، وهم كثر، لديهم من المعرفة والقناعة ما يفيدهم أن "إسرائيل" هي ورقتهم الضامنة، بالتأكيد رفقة الفعلات البترودولارية الكثيرة، التي تحضر "إسرائيل" ضامنًا لاستمرارها على ما هي عليه أيضًا.

     الصهاينة العرب اليوم قلبوا المعادلة الأمنية في العقل الإسرائيلي تمويليًا     

ما يدفع بنيامين نتنياهو ليغادر "كابينت طوارئ" وزاري على النحو الذي جرى بعد ظهيرة اليوم الخميس 13 آب/أغسطس 2020، هو كما اتضح على صلة بالضرورة بالتمثيلات الواقعية للوضع القائم في الفضاء العربي الأوسع. إذ يتوفّر لـ "إسرائيل"، ومن حيث تعلم جيدًا، مرتزقة وجيوش استخبارية وإلكترونية وإعلامية، لكن بالطبع أيضًا مالية، دون أدنى عناء تبذله، أي "إسرائيل". حتى أمكن القول أن الصهاينة العرب اليوم قلبوا المعادلة الأمنية في العقل الإسرائيلي تمويليًا، فلم يعد اختلاق مليشيات ومرتزقة من أمثال سعد حداد وأنطوان لحد بالأمر الذي يتطلب التفكير بتوفير حتى ثمن الطلقات والخراطيش، بل إن جيوشًا بمسمى دول تطرق أبواب عقل "إسرائيل" كي يمنّ عليها بتقبّل قرابين ما لا يمكن تسميته مجرد تطبيع أو تحالف أو ما شابه، إنما هو الارتهان الجاسوسي مكتمل الأركان، والمعلن منذ الآن وما قبل. 

أما وهذا هو المشهد بعموميته واستعجاله، فالقلق أقله يجب أن يكون من بوادر تأكيد الأخوة وعلاقاتها بـ"الأشقاء العرب". إذ إن ما يحضر منذ اليوم من فرص لأصحاب مسمى التمثيل "الشرعي" والرسمي للشعب الفلسطيني ومسألته في ترسيم من يعادي صالح كل من يدعون تمثيله عدوًا لم تعد بالأريحية وقابلية "الزهايمر" كما قبل. 



اقرأ/ي أيضًا:

غير المتغير في مسخة القرن

معضلة "الحل الأفريقي" في فلسطين

تجريب التطبيع ومتلازمة الكلب الضال

فيسبوك واستخبارات إسرائيل.. غراميات معلنة