18-مايو-2021

يدرك الشباب العربي اليوم أن النضال لأجل الحريّة لا يمكن أن يتجزّأ (Getty)

ثمة تطوّر جليّ في تفاعل العرب عمومًا مع الوضع الفلسطيني والعدوان الإسرائيلي المتصاعد منذ أكثر من أسبوع على قطاع غزّة المحاصر.  فلطالما كان التفاعل الشعبي العربي مع القضيّة الفلسطينية منفصلًا إلى حد بعيد عن الواقع المحلّي وهمومه، بمعنى أن حراك التضامن مع فلسطين في الشارع، ومؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، كان أقرب إلى هبّات الغضب التي تستثيرها جرائم الاحتلال الإسرائيلي ووحشيّته، واستهدافه للمدنيين، والأطفال والنساء خاصّة، واستخدامه الأسلحة المحرّمة التي تلحق أشدّ أصناف الأذى والتشويه، دون تورّع عن استهداف المساجد والمدارس والمستشفيات. وحتى على السوشال ميديا، كان التفاعل يظلّ منحصرًا في التفاعل اللحظي والمؤقت غالبًا، حسب تطورات الأحداث وأخبار التصعيد، ومقاطع الفيديو وترقّب ردّ المقاومة، من دون أن يحيل ذلك إلى صورة أوسع تتعلق بالوضع العربي العام، بما يتّصل بالهمّ العربي المشترك، الساعي للتحرّر والديمقراطية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية.

إن حريّة العرب من حريّة فلسطين

هذه المطالب التي تصاعد زخمها في سنوات الربيع العربي، رغم كل محاولات وأد إمكاناتها، وتشويهها، والحشد ضدّها والانقلاب عليها، رغم أنّها لم تنطلق سوى من رغبة في تجربة ما يكون عليه العيش الكريم، والتحرّر من ربقة الاستبداد، وامتلاك الحقّ في التعبير والحركة والتجمع السلمي، والقدرة على ضبط عسف السلطة وتجبّرها واعتباطها السلطوي، والرغبة في المشاركة السياسيّة وصناعة التغيير عبر الأدوات الديمقراطية الحديثة، المضبوطة بقيم العدالة وحقوق الإنسان والمساواة بين كافّة المواطنين والمواطنات، وإطلاق إمكاناتهم في صناعة المعرفة والإسهام الفاعل في العالم الحديث.

اقرأ/ي أيضًا: صناع الهوية الفلسطينية 

غير أنّ الأمر بدا وكأنّه يتبدّل منذ بدء التعاطي الشعبي العربي مع مأساة التهجير العنصرية التي تتهدّد مصير أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وما تزامن معها وتبعها من استفزازات واعتداءات إسرائيلية داخل المسجد الأقصى وفي ساحاته، ووصولًا إلى العدوان الوحشيّ الحالي على قطاع غزّة، والذي أودى بحياة أكثر من 212 شهيدًا، من بينهم عشرات الأطفال والنساء. فالعربي المتضامن مع فلسطين اليوم، يدرك أن التضامن لن يكون ذا معنى إن لم ينطلق من قناعة ترى بأن تغيير الوضع القائم عربيًا، والتحوّل نحو أنظمة تمثيلية ديمقراطية حرّة، والتخلّص من الاستبداد وإرثه وتفكيك شبكاته، هو أحد أهم الشروط الكفيلة بتغيير المعادلة على أرض فلسطين على المديين المتوسّط والبعيد. فالنشاز الإسرائيلي الإرهابي في قلب العالم العربي، لا يمكن أن يتحوّل إلى طفرة حريّة وديمقراطية منفردة في محيط استبدادي، فحريّة العرب من حريّة فلسطين، والعكس صحيح.

لذلك نلاحظ اليوم في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي عربيًا ارتباطًا عضويًا بين التحرّرين، رغم اختلاف أدوات النضال، فحيثما ذكر حق الفلسطينيين في دولة مستقلّة حرّة وديمقراطية، ذكر إلى جانبه حق العربي في سوريا ومصر والمغرب والأردن ولبنان وغيرها، بمثل ذلك، من حريّة وكرامة واستقلال كامل ونظم ديمقراطية.

ففي الأردن مثلًا، لم تغب في هتافات الناس ويافطاتهم أو تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالب الإصلاح الوطنيّة الكبرى، بل كان جليًا وعي الأردنيين بأن ذلك لا يمكن أن ينفكّ عن التضامن الحقيقي مع فلسطين، بمعنى أنّه لا يمكن نصرتها بدون إصلاح ديمقراطي وحياة سياسية تقودها نخبة تمثّل الشارع وتطلّعاته، التي في مقدّمتها قضيّة فلسطين والعلاقة مع دولة الاحتلال، كما أنه لا يمكن تصوّر إصلاح ديمقراطي دون أن تكون قضيّة فلسطين والعلاقة مع دولة الاحتلال في مركزها. وهكذا تصدرت الدعوات باسترداد الولاية العامة لرئيس الحكومة، والانتقال إلى نهج الحكومات البرلمانية، والمطالبة بقانون جديد للانتخابات، وتحديث قانون الأحزاب السياسية، وإلغاء قانون الدفاع، كما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن بمقارنات تاريخية بين مواقف رجالات الدولة ونخبها في الماضي والحاضر، وهذا جنبًا إلى جنب المطالبات الشعبية بطرد السفير الإسرائيلي، وإغلاق سفارة الكيان، وإلغاء اتفاقية وادي عربة، واتفاقية استيراد الغاز، بل وحتى المطالبة بإلغاء اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، نظرًا إلى أن الأخيرة تدعم دولة إرهابية وتساندها بالمال والسلاح.

ستظل فلسطين، وعدًا شاملًا بالتحرّر والعدالة لكلّ العرب، وانتهاء الاستبداد بكلّ أشكاله، استعمارًا أجنبيًا أو سلطوية وتخلفًا محليًا.  

ولعل هذا ما يفسّر طريقة تعامل السلطات الأمنية في العديد من العواصم العربية مع الوقفات الاحتجاجية السلمية المناصرة لفلسطين، وفضّها بطريقة عنيفة وصادمة، وكأنّ العقل العربي الرسمي يدرك تمامًا خطورة النضال الشعبي السلميّ مع أية قضيّة عادلة، حتى لو كانت تتعلق باستعمار إحلالي عنصريّ كما هو حاصل في فلسطين، وذلك لأنّ العدالة لا يمكن أن تتجزّأ، ومن يطالب بحريّة فلسطين اليوم، سيطالب بحريّته غدًا، وهذا ما يجعل فلسطين، وعدًا شاملًا بالتحرّر والعدالة لكلّ العرب، وانتهاء الاستبداد بكلّ أشكاله، استعمارًا أجنبيًا أو سلطوية وتخلفًا محليًا.  

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في ذكرى يافا المقاتلة

وداعًا عز الدين مناصرة عاشق الجفرا وحارسها

كمال عبد الفتاح: جبل من جنين يوازي كرمل حيفا