02-يناير-2019

"يا رب لم نهرب من المجاعة أو عداء أو فيضان (..) ولكن هربنا من الرجال" هكذا تبدأ مسرحية "احنا كمان هون.. نساء فلسطين"، بدعواتٍ وابتهالاتٍ من نساءٍ مقهوراتٍ يحملن مشاعلَ بيدٍ وفوانيسَ باليد الأخرى، وكل ما يحتجنه هو مكانٌ آمنٌ وبعيدٌ عن الرجال.

المسرحية التي عُرضت في مسرح الحرية في مخيم جنين، من إخراج أحمد الطوباسي وزوي لافيرتي، تنقل أوجاع النساء الفلسطينيات ومشاكلهن، متناولة قضايا التحرش والتعليم والزواج والسيطرة الذكورية، بأسلوب مستوحى من مسرحية "المتضرعات"، وهي واحدة من الأساطير الإغريقية الأدبية للروائي المسرحي اليوناني اسخيليوس.

مسرحية "احنا كمان هون" مستوحاة من مسرحية المتضرعات، وهي واحدة من الأساطير الإغريقية الأدبية

تخبرنا المخرجة زوي لافيرتي، أن ما يميز هذا العمل إنه منح مساحة لفتيات عاديات ليس لهن خبرة في المسرح ليسمعن صوتهن للمجتمع والناس، مضيفةً، "نعم هنا في فلسطين يتحدثون عن قضايا سياسية واجتماعية، ولكن نادرًا ما نجد مساحة لمجموعة من النساء، فقط نساء، يخبرن الناس عن همومهن ومشاكلهن، وهذا هو الهدف الأساسي من المسرحية".

وتقول لافيرتي إنه قبل آلاف السنين هربت نساءٌ من مصر وطلبن من "الآلهة" اللجوء في "مكانٍ مقدسٍ" باليونان، ليس بسبب الحروب أو المجاعة، بل بسبب الرجال، مضيفة، "اليوم الفلسطينيات في هذه المسرحية يطلبن مكانًا مقدسًا يلجأن إليه ليس من الحروب أو الاحتلال، بل بسبب الرجال أيضًا".

ويقول المخرج أحمد الطوباسي، إن "النساء بشكل عام نسين حقوقهن، ولم يعد بمقدورهن تمييز الحق الطبيعي أو ما يمنح لهن من الرجال على أساس أنه تفضيل، وهذه المسرحية لتذكير النساء والفتيات بحقوقهن الطبيعية".

ويتابع أن جميع الممثلات في المسرحية ليس لهن خبرة سابقة في التمثيل؛ وهذه تجربتهن الأولى وبعضهن الثانية، مضيفًا، "وهنا تكمن الصعوبة والقوة أيضًا، فتيات من المجتمع يتحدثن عن أنفسهن للناس، وخاصة أن كل ما جاء بالمسرحية هي قصص حقيقية مأخوذة من تجارب الفتيات (الممثلات) أو محيطهن".

مسرحية "احنا كمان هون" قدمت قصصًا حقيقية مأخذوة من تجارب الممثلات أو محيطهن، والممثلات ليس لهن خبرة سابقة في التمثيل

ويُبين الطوباسي أن الجمهور انقسم في رأيه إلى فئتين، الأول كان متحمسًا جدًا ويتفق تمامًا مع ما جاء في المسرحية، ومعظمهم من النساء، بينما الفئة الثانية اعترضت على محتواها معتبرة أن هناك مبالغة بما نُقل من قصص على لسان الفتيات.

الممثلات في المسرحية هن: أريج ديرية، وأمينة أبو زهو، وآيات نزال، ورزان جعايصة، وروز بيبلوس، وسجى مرعي، وشذا جرار، وقد اجتمعن من عدة مناطق في الضفة الغربية للمشاركة بمشروع تدريبي للأمم المتحدة في الدراما؛ يسعى لتعزيز مشاركة الفتيات في السلم المجتمعي، وتطبيق قرار مجلس الأمن 1325، وخرجن منه بهذه المسرحية.

تخبرنا أريج ديرية أن ما دفعها للمشاركة في هذه المسرحية أن لديها طاقة وقوة كبيرة تريد أن تخرجها، مضيفةً، "تحدثت عن فتاة محرومة من التعليم لأن ذلك يحصل في محيطي ويتكرر دائمًا. هناك العديد من الفتيات المتفوقات اللواتي حُرمن من الوصول إلى الجامعة فقط بسبب معارضة أب أو شقيق أو زوج".

فيما تقول رزان جعايصة، "تحدثنا عن قضايا تهمنا كفتيات يعشن في مجتمع شرقي، عن مواقف حصلت معنا نحن أو مع من حولنا، كالتحرش بالفتيات بالمواصلات العامة، وإجبار الفتاة على الزواج من شخص ما دون موافقتها، عدم احترام أحلامنا ومنعنا من تحقيقها".

قسمٌ من الجمهور غادر مسرحية "احنا كمان هون" خلال عرضها، وهو ما اعتبرته إحدى الممثلات انتصارًا لهن

وحول ما إذا كان للمسرحية القدرة على التغيير الذي يطمحن به الفتيات، أجابتنا سجى مرعي بأن المسرحية ساعدتهن في توصيل أفكارهن وأفكار غيرهن من الفتيات، "نحن نعلم أن مسرحية واحدة لا تكفي لتؤثر على جمهور عاش مع هذه الأفكار طيلة حياته وخاصة الرجال، فبعضهم سيحتاج سنوات طويلة ليفهم الفتيات ومطالبهن (..) وهذا سبب خروج عدد منهم خلال عرض المسرحية أيضًا".

فيما ترى آيات نزال خروج بعض الحضور خلال عرض المسرحية "انتصارًا وقوة لهن ولفكرتهن"، مضيفة، "هؤلاء يعلمون أن هناك خطأ ما يحصل ولكن لا يريدون تغييره. لا أحد يحب أن يسمع عن مساوئه أو أخطائه".

المشاهد خلال العرض سيكتشف دون علمٍ مسبقٍ أن هذه التجربة هي الأولى للفتيات في التمثيل، فأداؤهن في بعض المشاهد كان خالٍ من المشاعر، إلا أنه من الممكن أن يُغفَرَ لهن، كونهن فتياتٍ عادياتٍ قررن أن يخرجن عن صمتهن ويقفن على المسرح ويحدثن العالم عن همومهن ومشاكلهن.

مرح الحوراني بعد مشاهدتها المسرحية قالت إن ما ميّز "احنا كمان هون" هي الجرأة في طرح قضايا النساء، خاصة أنها نابعة من تجارب ومشاكل شخصية وواقعية وموجودة في مجتمعنا، مضيفةً، "كنت أتمنى لو أن الحضور كان فيه تنويع أكثر، غالبية الموجودين كانوا نساء وهذه المسرحية موجهة للرجال أيضًا، لماذا لا يهتم الرجال لمشاهدة هذه العروض؟".

أما الصحافي سائد نجم فقال، إن ما لفت انتباهه في العرض هو البدء بذكر معاناة المرأة الفلسطينية مع الاحتلال قبل الوصول إلى المشاكل والتعقيدات المجتمعية، مضيفًا، "تمثيل الممثلات كان مبتذلًا بشكل واضح، وكان هناك مبالغة في طرح بعض القضايا بشكل قد يفقد ثقة الجمهور، والأغرب في المسرحية هو صراخ الممثلات الغاضبات في وجوه الحاضرين على الرغم من أن الفئة الموجودة في المسرح بأغلبها مؤمنة بحقوق المرأة، أليس غريبًا أن نُطالب بعدم العنف ضد المرأة بالصراخ؟".

ويبدو أن أحمد مطاحن المتخصص في الديكور والإضاءة نجح في جذب انتباه الجمهور، إذ أشار نجم إلى أن توظيف الأضواء كان "لافتًا وذكيًا"، موضحًا أن استخدام الإضاءة الخفيفة المتدلية من السقف والمشاعل والفوانيس أشعر المشاهد وكأنه يرافق الفتيات برحلتهن داخل معبد إغريقي.

هذا العرض لمسرحية "احنا كمان هون.. نساء فلسطين" لن يكون الأخير، حيث ستتجول المسرحية بعدة مناطق في الضفة الغربية كطوباس والخليل ورام الله ونابلس، في محاولة مستمرة من هؤلاء الفتيات لإيصال رسائلهن إلى المجتمع الفلسطيني، بانتظار حصول تغيير ما يمنح الفتاة حقوقها.


اقرأ/ي أيضًا:

ذوو الإعاقة في "دفتر كشكول".. قراءة نقدية

"الزوبعة": مسرحية لا ترحب بالإعلام

مسرحية "الراحلة".. الألم بالجملة