01-ديسمبر-2019

عرضت مؤسسة عبد المحسن القطان، يوم السبت 30 تشرين الثاني، الفلم الوثائقي "المعبر"، وهو من منتجات مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية" الذي تُنفذه في مؤسسة القطان بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في بلدة نعلين غرب رام الله، حيث تدور أحداث الفلم الذي أخرجه بسام جرباوي.

فلم "المعبر" يتناول في 25 دقيقة آثار حاجز نعلين على حياة الناس في البلدة

يتناول الفلم في 25 دقيقة آثار حاجز نعلين على حياة أهل نعلين، وهو الحاجز الذي يدخل آلاف العمال إلى الخط الأخضر للعمل فيه، كما يستخدمه الفلسطينيون داخل الخط الأخضر أيضًا في الدخول للضفة والخروج منها.

اقرأ/ي أيضًا: قلنديا رايح جاي: يوميات أهل القدس في قالب كوميدي

يعرض الفلم مجموعة من القصص المنفصلة التي يجمعها رابطٌ مشتركٌ هو "المعبر" وانعكاسه على الحياة في نعلين، وتدور جميعها في إطار الصراع الذي يحدث بين فئتين من الشعب الفلسطيني، الأولى استسلمت للاحتلال كأمر واقع لا يمكن التخلص منه، وهي تحاول الاستفادة منه اقتصاديًا، وبين من يرفضون هذا الأمر الواقع ويرون في الاحتلال عدوًا أبديًا.

أولى القصص في الفلم تدور حول رجالٍ وفتيةٍ من نعلين يُقيمون ما يُشبه "الدكان" عند "المعبر"، يبيعون من خلاله المواد الغذائية للعمال الذين يستخدمون "المعبر"، ثم ينتقل إلى الحديث عن المواجهات التي تندلع أسبوعيًا وارتقاء عدد من الشهداء في نعلين منذ إقامة الجدار الفاصل، وينتهي بالحديث عن دخول المستوطنين إلى نعلين لشراء بضائع مختلفة أو لصيانة سياراتهم.

هذا التنوع في القصص، وإن كان محاولة لتغطية كل آثار "المعبر" على نعلين وأهلها، إلا أنه تسبب بنوع من التشتيت. فلم يستطع الفلم أن يُعطي كل قصة حقها في التغطية، خاصة أن 25 دقيقة ليست كافية للحديث عن كل هذه القصص أو المواضيع الفرعية بالعمق الذي تستحق، ولذلك حاول المخرج أن يُسلط بقعة ضوء على كل موضوع بشكل منفصل عن سواه، وفي النهاية، لم يُنصف الفلم، المواضيع، لكن دون إنكار أهميته كعمل.

جاءت بداية الفلم قوية بعرض مشهد لاتصالات هاتفية يجريها أحد أبطال القصة "حمدان" مع العاملين معه. يبدو الأمر غامضًا في البداية قبل أن يبدأ "حمدان" بشرح القصة تدريجيًا ليُصبح موضوع الفلم تدريجيًا أوضح للمشاهد، فالعاملون في "الدكان" يبدأ يومهم عند الساعة الثانية فجرًا، ومنهم من يعمل في "الدكان" ثم عند السابعة صباحًا يذهب لمدرسته أو عمله الأساسي، وهي قصة في غاية الأهمية لم تُطرق من قبل، لكنها كانت تستحق أن تأخذ قدرًا أكبر من الشرح.

كشف مخرج فلم "المعبر" تفاصيل القصة تدريجيًا، لكنه كلما توسع في القصص أفلتت الخيوط من يده

في الحديث عن هذا "الدكان" تظهر لقطةٌ واسعةٌ قويةٌ لدخول صف طويل من العمال إلى الخط الأخضر، ولعلها أول "Wide shot" تقريبًا في الفلم، فالدقائق السابقة كانت في الغالب "Medium shot" أو "Close shot" أحيانًا. يتحدث "حمدان" مع هذه اللقطة عن الذل في الإجراءات على هذا المعبر، وهي أول مرة تحضر فيها سيرة الاحتلال في الفلم لكن بصفته الضمير المستتر الذي لا يُحدده "حمدان"، لكن يظهر توافقٌ جيد بين هذه اللقطة وكلام "حمدان"، وهو أمرٌ جيدٌ تكرر في أكثر من مرة.

مع ذلك، تظهر هنا نقطة ضعف في عرض الفلم تتعلق بالمتحدثين، فرغم تعدد الفئات العمرية للمتحدثين (وهذا مهم)، إلا أن بعضهم لم يكن مناسبًا الحديث معهم في مواضيع محددة، فمثلاً الحديث عن ما يدور داخل "المعبر" يجب أن يكون من أحد العمال الذين يدخلونه ويتعرضون للمعاناة، وليس مع "حمدان" الذي يبقى خارجًا، وهو خطأ سيتكرر وسنشير إليه لاحقًا.

اقرأ/ي أيضًا: أولاد المختار: حكاية جميلة عابها إهمال التاريخ والتفاصيل

ينتقل الفلم إلى "نجاح"، وهي أم وناشطة مجتمعية كما علمنا في النقاش الذي أعقب الفلم، فالفلم وقع في خطأ غير مفهوم يتمثل في عدم كتابة أسماء الشخصيات التي ظهرت فيه، والاكتفاء بكتابتها في شارة النهاية كما يحدث في السينما، وهذا لم يكن مناسبًا لعمل وثائقي.

تواصل "نجاح" الحديث في موضوع "دكان المعبر" وآثاره على حياة عائلتها، فابنها تراجع أداؤه في المدرسة بسبب عمله في "الدكان"، والوقت وسير تفاصيل الحياة تغيّرا داخل البيت. ثم تتوسع "نجاح" في حديثها لتتطرق إلى القيود الإسرائيلية المشددة على إصدار التصاريح للعمال، والعقوبات الجماعية المتمثلة في منع إصدار تصاريح بسبب أفعال يقوم بها أشخاصٌ تربطهم صلة قرابة مع العامل صاحب التصريح. هنا تأتي سيرة الاحتلال للمرة الثانية، لكنها الأولى التي يتم تحديده فيها، ولا شكَّ أن حديث "نجاح" عنه كان مغامرة بالنسبة لسيّدة تعلم أن زوجها قد يدفع ثمنه بوقف تصريحه، ولذلك ظهرت "نجاح" مرتبكة وحذرة عند الحديث حوله.

ينتقل الفلم بعد "نجاح" من قصة "الدكان" والعاملين فيها إلى المواجهات الأسبوعية في نعلين، وهنا يبدو أن المخرج فقد السيطرة على سير الفلم بتوسيع خيوطه، فالحديث ليس عن "المعبر" فقط وإنما الجدار الفاصل أيضًا، ورغم أن الفلم المترجم إلى الإنجليزية لم يُقدم شرحًا واضحًا لأي مشاهد أجنبي عن الجدار الفاصل، إلا أنه حاول -ولأول مرة- الإسهاب في تقديم إجرام جيش الاحتلال بقمعه المتظاهرين السلميين وقتلهم، بما في ذلك الأطفال.

من هنا يبدو واضحًا أن بقعة الضوء التي يُحاول الفلم تسليطها ليست كافية لإنصاف المواضيع التي يتطرق لها، فالمواجهات في نعلين لأكثر من عقد من الزمن لم تكفها دقائق لتحكي عن كل آثار الجدار في هذا الجانب، إلا أن جهدًا يستحق الذكر ظهر في توثيق اعتداءات الجنود جسديًا وبقنابل الغاز، مع الإشارة إلى تشابه اللقطات وندرتها، ربما بسبب تصوير يوم واحد من المواجهات فقط.

المتحدثون في هذه المرحلة غالبًا من الأطفال، أحدهم تعرض للاعتقال والتحقيق بسبب المظاهرات السلمية. وفي أحد المشاهد، يسأل طفلٌ "ليش بدنا نخاف منهم؟"، ويظهر في الوقت ذاته واقفًا ويديه على خصره بين جنود الاحتلال لا يكترث لهم، في توافق جيدٍ آخر بين الكلام والصورة، كنا قد أشرنا له سابقًا.

هناك توافقٌ بين اللقطات والكلام داخل فلم "المعبر" في عدة مشاهد، وهذا يستحق الثناء

ينتقل الفلم للحديث عن منطقة المهلل في نعلين، وهي المنطقة التي يقصدها المستوطنون لصيانة سياراتهم وشراء احتياجاتهم. هذا الموضوع، هو الأكثر حساسية في الفلم، إلا أن تناوله جاء ضعيفًا كمحتوى، لكنه جيدٌ فنيًا، إذ أظهر الفلم لقطاتٍ قوية ومؤثرة عن خطورة ما يحدث في هذه المنطقة، رافقها شرحٌ من متحدثة أخرى في الفلم "فردوس" عن هذه المنطقة، وقد ظهر هنا التوافق مرة أخرى بين كلام المتحدثة وبعض اللقطات.

اقرأ/ي أيضًا: "7 أيام في عينتيبي": محاولة فاشلة في الحياد

لكن في الجانب الآخر، لم يحصل هذا الموضوع على النقاش الذي يستحقه، فالمتحدثون عنه -غالبًا- من الأطفال، وقد وردت على ألسنتهم جملٌ قويةٌ وعاطفيةٌ عن رفضهم لهذا التعاطي مع المستوطنين، ووضع لافتات باللغة العبرية في بلدتهم. لكن هنا لا بد من الإشارة إلى أن موضوعًا بهذه الخطورة، تظهر فيه الصورة كأن تطبيعًا اقتصاديًا يحدث بكل بساطة في بلدة مثل نعلين، لا يصح أن يتحدث عنه الأطفال وتمرَّ عليه الكاميرا مع حديثهم في دقائق معدودة، بل يحتاج لنقاش أعمق وأوضح، خاصة أنه يحدث في بلدات فلسطينية كثيرة أخرى. نُشير هنا إلى الخطأ الذي أوردناه سابقًا في اختيار أشخاص غير مناسبين للحديث عن مواضيع الفلم.

ينتهي الفلم نهاية مفتوحة دون التوصل لنتائج، وهذا يُمكن أن يكون مقبولاً لفلم وثائقي، وفي مشهد النهاية تنفخ "فردوس" على زهرة فتتطاير أوراقها في الهواء، وهي لقطةٌ استُخدمت كثيرًا في السينما والتلفزيون وحتى في الكليبات الغنائية، لكن هذا لا يُلغي أنها تتناسب مع خاتمة الفلم. إذ يبدو أن كل شيء في نعلين يقف في مهب الريح وقد يتطاير في أية لحظة وينتهي.

يبدو لافتًا الفارق بين بداية الفلم ونهايته، والفلم يصل إلى هذا الفارق تدريجيًا بسلاسة، ففي البداية يستفيد الفلسطينيون من "المعبر" ويعيشون من خلاله، وفي النهاية يستفيد المستوطنون منه أيضًا في تصليح سياراتهم وشراء احتياجاتهم بأسعارٍ أفضل بالنسبة لهم.

 فلم "المعبر" في بدايته يورد استفادة الفلسطينيين من المعبر اقتصاديًا، وفي نهايته تظهر استفادة المستوطنين أيضًا

يطرح الفلم إيجابياتٍ لـ"المعبر" تتمثل في كونه مصدر رزق للناس الذين لا تكفيهم الأجور في الضفة، سواءً الداخلين من خلاله إلى الخط الأخضر أو العاملين عنده في بيع المواد الغذائية، أو أصحاب المتاجر وورشات الصيانة في نعلين. أما السلبيات، فهي الوجه الطبيعي للاحتلال المتمثل في الاستيلاء على الأرض وقتل الناس. واللافت هنا، أن الإيجابيات  تطغى على السلبيات، وتظهر كأنها أهم وأكبر.

وخلاصة القول، أنه كان من الأفضل للمخرج الجرباوي أن يُسلط بقعة ضوءٍ كبيرةٍ على موضوع واحد، ولعل أفضل هذه المواضيع هو "الدكان" على "المعبر" وآثاره على حياة العائلات، بما في ذلك الأطفال في بيوتهم ومدارسهم. كان هذا الموضوع بحاجةٍ إلى مقابلاتٍ ولقطاتٍ أكثر، وبحث أكبر ينحصر في هذا الموضوع بدلاً من تشتيته بين عدة مواضيع.

كان فلم "المعبر" واقعيًا، ورغم بعض الاحتجاجات من الجمهور الذي أتى من نعلين، كون الفلم برأيهم "غير منصف لهم وقد أظهر التطبيع أمرًا عاديًا في بلدتهم"، إلا أن هذا باعتقادي يعود إلى الصورة التي اعتدنا نحن الفلسطينيين أن نُظهرها عنا، وهي الصورة الإيجابية عن الشعب المقاوم الذي لا يستسلم ولا يتنازل.

أما في "المعبر"، فقد ظهرت صورةٌ لا نُحب نحن الفلسطينيين أن تظهر، عن الناس المستسلمين الذين يريدون توفير لقمة العيش ولا شيء آخر، وإن كان جزءٌ من هذه الحياة يحدث بالتعاطي مع الاحتلال اقتصاديًا. لكن رغم ذلك، هذا الطرح لا يظلم أهل نعلين ولا يوجه تهمًا لهم، فهذه المشكلة عامة في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، ونحن نشاهدها في حزما والعيزرية وحوارة وغيرها، ولذلك نكرر القول إن هذا الموضوع كان يُمكن استثناؤه في الفلم، أو تخصيص الفلم حوله مع الإشارة لوجود هذه الحالة في بلدات أخرى غير نعلين، مثل حزما والعيزرية وحوارة.


اقرأ/ي أيضًا: 

مستوطنون زبائن في ورشات فلسطينية

المقاومة والانتفاع.. هل بدأ الصغار ينسون؟