25-فبراير-2017

صورة تعبيرية - Getty

بعد رسوبها في الامتحان الرسمي للسياقة للمرة الأولى، بحثت "سماح" عن طريقةٍ أخرى للنجاح في المرة الثانية، وكان المدخل هذه المرة أحد موظفي دائرة السير في الخليل، الذي بدوره أوعز للفاحص بإجازتها قائلًا: "دير بالك عليها"، فحصلت على نتيجة "ناجح" في الامتحان الرسمي، أهلتها للحصول على رخصة السياقة.

ويؤكد الشاب "م.ش" أن قريبه تقدم للامتحان مرتين، ولم ينجح إلا في المرة الثالثة بعد دفع رشوةٍ بقيمة 500 شيقل للفاحص. بينما يتفاخر شابٌ آخر أنه يضع النجاح في الامتحان الرسمي للسياقة في "جيبه"، لأن أحد أقاربه "واسطة" لدى أحد الفاحصين، وسيمكنه ذلك من كسب رهان رخصة السياقة.

لا يدور الحديث هنا عن حالاتٍ فرديةٍ، فالرافضون الحديث علنًا في دفعهم رشاوى أكثر ممن يبدون استعدادًا للتحدث دون كشف هوياتهم، رغم أنهم لا ينكرون بشكلٍ شخصيٍ لجوءهم لهذه الوسائل، ونجاحهم فيها. وإضافةً لذلك، فقد تبين لنا بعد جولةٍ أجريناها على عددٍ من مدارس تعليم السياقة، أن جزءًا من الدعاية والترويج لدى بعض المدارس هو اجتياز الامتحان الرسمي من المرة الأولى، والسبب "الفاحص عندي".

فاحصون في وزارة المواصلات بالضفة الغربية يملكون مدارس سياقة مسجلة أسماء أشخاصٍ آخرين، ومدارس تتفاخر أن "الفاحص في جيبها"

ورصد "ألترا فلسطين" ملكية فاحصين لمدرستي تعليم سياقة، وهو ما أكد عليه مدربون تحدثنا إليهم، أوضحوا لنا أن هذا الأمر يشكل ظاهرة؛ لكن يصعب اكتشافها، إذ يسجل هؤلاء الفاحصين المدارس بأسماء أشخاصٍ آخرين.

اقرأ/ي أيضًا: وثائق: الرئاسة وهبت أرض "المسكوبية" للبعثة الروسية

وأفاد مدرب سياقة، رفض كشف هويته، أنه حتى وإن لم تكن ملكية المدرسة للفاحص؛ فإن عددًا من الفاحصين يعقدون اتفاقياتٍ غير معلنةٍ فيما بينهم؛ ينجح بموجبها طلاب المدرسة في الامتحان من المرة الأولى.

"ألترا فلسطين" نقل هذه المعلومات إلى وزارة المواصلات، فجاء الرد على لسان نائب مدير عام الترخيص في الوزارة إبراهيم العتر، بالتأكيد على وجود عددٍ من القضايا المتعلقة برشاوى الفاحصين في المحاكم الفلسطينية، ولا تزال عالقةً فيها منذ زمن، وقد فُصل على إثر واحدةٍ من هذه القضايا أحد الفاحصين قبل سنوات، فيما يستمر توقيف عددٍ آخر بانتظار حكم المحكمة.

وأفاد العتر، بأن وزارة النقل لجأت مؤخرًا لاستخدام نظامٍ محوسبٍ لتوزيع الفاحصين بشكل إلكترونيٍ عشوائيٍ على الطلاب، بهدف الوصول لما وصفها بالشفافية في اختبارات السياقة، مبينًا، أن هذا النظام معمولٌ به في عدد من المحافظات، وجاري تطبيقه على بقية الدوائر.

لكن هذا النظام لم يحل المشكلة، وفقًا لما أفادنا به أيمن أبو الرب، الذي يعمل فاحصًا في دائرة السير بمدينة جنين، إذ بين أن النظام يختار أكثر من طالبٍ في نفس الموعد للفاحص الواحد، ما يسبب خللاً في المواعيد، وهو ما يتم إصلاحه من قبل الموظفين كما يريدون.

وأكد فاحصٌ آخر، رفض كشف هويته، أن النظام المحوسب لا يحد من الواسطة والمحسوبية، وأنه حتى بعد توزيع الطلاب على الفاحصين، يجري تبديل المعاملات بناءً على مصالح متبادلةٍ بين الفاحصين، مضيفًا، أن دائرة السير التي يعمل بها عادت للعمل بشكل يدويٍ واستبعدت النظام الإلكتروني.

أقرت وزارة المواصلات بالضفة الغربية نظامًا إلكترونيًا لتوزيع الفاحصين، لكنه لم يمنع المحسوبية، فالفاحصين يتبادلون المعاملات بينهم

وتشير إحصاءات الشرطة الفلسطينية لوقوع 10.600 حادث سير خلال عام 2016، ما أدى لـ159 حالة وفاة، منها 33 حالة وفاة دون سن 7 سنوات، و66 حالة وفاة دون سن 45 عامًا، وبين هذه الحالات 25 حالةً تترواح أعمار الوفيات فيها بين 18 و25 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: "متلازمة الأدراج" تُهلك آثار نابلس

وبيّن الناطق باسم الشرطة الفلسطينية المقدم لؤي ارزيقات، أن الشرطة تحاول الحد من حوادث السير من خلال تحرير المخالفات للسائقين كخطوات رادعة، مستدركًا بأن الحل الرادع يكمن في تفعيل وزارة النقل والمواصلات لنظام النقاط الذي يلزم السائقين بإجراءاتٍ أكثر صرامةً، كإعادة الامتحان الرسمي للسياقة، أو "التؤوريا"، أو الالتحاق بالدورات المانعة التي تقدمها دوائر السير في المحافظات.

وينص نظام النقاط على أن السائق الذي تُسجل بحقه أكثر من ست نقاطٍ مروريةٍ خلال عامين من تاريخ أول مخالفة، فإن لسلطة الترخيص الحق في أن تطلب منه تنفيذ الإجراءات الواردة في المادة "352" من اللائحة التنفيذية لقانون المرور مثل: دورة قيادة مانعة، فحص نظري، فحص عملي، فحص اللياقة الطبية.

وأشار ارزيقات، في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، إلى أن الشرطة حررت لشخصٍ واحدٍ من نابلس 51 مخالفةً، متسائلًا، "هل من القانوني أن يبقى هذا السائق سائقًا دون أي إجراءات أخرى؟".

وعلق العتر (من وزارة المواصلات)، بأن الوزارة تنتظر قرارًا من مجلس الوزراء حول مسودة التعديلات المتعلقة بنظام النقاط، لتفعيل النظام من جديد، وذلك بعد احتجاج نقابات السائقين على النظام، وهو الاحتجاج الذي دفع الوزارة لإعادة النظر في ميزان احتساب النقاط.

وتنص مادة "109" من قانون المرور رقم 5 لعام 2000، أنه إذا اقتنعت سلطة الترخيص بأن قيادة شخصٍ ما تعرض حياة الأشخاص أو الأموال للخطر، يجوز لها أن تأمر بتعليق رخصة قيادته إلى أن يجتاز الامتحانات والفحوص الطبية التي تقررها.

وأوضح العتر، أن وزارته غالبًا ما تسحب رخص السياقة "لأسبابٍ سلوكيةٍ وأخلاقيةٍ، كأن يكون السائق متعاطي للمخدرات، أو أن يقوم بسلوكيات منافية للأخلاق"، حسب تعبيره.

وحصل "ألترا فلسطين" على أرقامٍ رسميةٍ من وزارة النقل والمواصلات، تُبين أن عدد رخص السياقة الممنوحة لأول مرة بلغ 35.733 رخصةً لعام 2016، بينما سحبت الوزراة في نفس العام 862 رخصة، وقد تراوحت الحالات هنا بين سحب درجة السائق، أو كل درجاته.

ويبين الجدول التالي تفاصيل الرخص التي أصدرتها وسحبتها وزارة النقل خلال عام 2016.

اقرأ/ي أيضًا: 

المقاولات في غزة.. تدليس أم شطارة؟

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة

شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة