18-نوفمبر-2018

فكّرت "سماح" بالانتحار، لكنّها فضّلت مراسلة معلمتها، أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت جمان قنيص شارحة لها عن تعرضها للعنف الأسرى والإهمال من قبل زوجها الذي سافرت معه إلى الولايات المتحدة. ومن هنا أخذت قنيص قصة فيلمها الوثائقي "سماح"، الذي أخرجه مراد نصار وعُرِضَ على مسرح بلدية رام الله.

انطلقت قنيص من قصة سماح إلى البحث حول العنف الأسرى الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات هنا، وكانت النتائج مخيفة. فقد خلصت قنيص، وبحسب مراكز إحصاء فلسطينية، أنه من بين كل 10 نساء فلسطينيات تتعرض 7 منهن للعنف الأسري.

بين كل 10 نساء فلسطينيات تتعرض 7 منهن للعنف الأسري

يسلط فيلم سماح الضوء على عدة قصصٍ حقيقيةٍ لنساءٍ تعرضن للعنف الأسري من قبل أزواجهن أو عائلات أزواجهن. وقد تحدثت عن حالاتٍ مختلفة ومن فئاتٍ عمريةٍ عديدة. كما تطرق الفيلم إلى رأي الأديان الثلاثة حول العنف ضد المرأة، ورأي العلم في قضية العنف وتعريفه.

اقرأ/ي أيضًا: قتل مباح.. قتل محظور!

التطرق لهذا النوع من الأفلام في مجتمعٍ محتلٍ كالمجتمع الفلسطيني؛ يراه البعض غير ضروري. وهنا الفخ الذي يقع فيه كثيرون بالنظر إلى مشكلات المجتمع والتطرق لها كشيءٍ ثانويٍ مع ظرف الاحتلال، إلا أن تعامل الاحتلال مع مجتمعٍ مفككٍ ومتراجعٍ حضاريّا سيسهل سيطرته عليه ويمكنه منه بسهولة تامة، وهو الرأي الذي يتبناه مخرج الفيلم مراد نصار حول أهمية التطرق لهكذا مسائل مجتمعية وإخراجها إلى الضوء فيقول: "لقد صنعت العديد من الأفلام حول الاحتلال والأفلام السياسية، ولكني الآن أجد في المشاكل المجتمعية خطورة أكبر من الاحتلال نفسه علينا".

ويضيف نصار، "هذا الفيلم موجه للنساء الفلسطينيات، وليس للمؤسسات الرسمية، هذا الفيلم يقول لنساء فلسطين المعنَفّات، اطرقن جدار الخزان".

ويعلق عبد الرحمن أقرع، أستاذ علم وظائف الأعضاء الطبي في جامعة النجاح، وأحد المشاركين في الفيلم أن "فيلم سماح شجاع، لأن التصدي لنبش عيوب وأخطاء المجتمع في كل ما هو مسكوت عنه لا يقل أهمية عن أي شجاعة أخرى في مواجهة الأخطار الخارجية".

ويرى أقرع أن العنف لا يقف عند حدود الضرب أو الإيذاء الجسدي، "فالعنف الممارس ضد نسائنا يشمل الإهمال، يشمل حركات الجسد والاشارات المهينة المتضمنة للحوار، هذه التفاصيل الدقيقة قد تؤدي إلى مشاكل حقيقية تقع كلها تحت إطار العنف".

فيلم "سماح" تناول قصص لسيدات تعرضن للتحرش والخيانة والعنف الجسدي والإهمال

وتناول الفيلم أربع قصص أخرى غير قصة سماح، كانت الشخصيات ذات أسماء وهمية ووجوه مغطاة لحفظ السرية. فـ"سراب" من بيت لحم كانت تتعرض للتحرش الجنسي من والد زوجها دون أن يصدقها أحد. و"ليالي" من بيت لحم أيضًا كانت تتلقى إهانات الضرب والشتائم في حياتها اليومية. أما أحلام من الخليل، فقد كان زواجها بعد قصة حب طويلة تحولت إلى خيانات يومية، وعنف تجاهها وتجاه أطفالها بشكل يومي لإجبارها على طلب الطلاق. والأخيرة "شمس" فهي زوجة أسير مارس بعد خروجه كل أشكال العنف والتفريغ النفسي عليها، وجعلها تلاقي الويلات في معاملات الطلاق والنفقة.

اقرأ/ي أيضًا: امرأة من النقب: عن سلوى التي احترق عالمها

تطرق الفيلم بشكل سريع إلى المآخذ على القضاء الشرعي الفلسطيني، وقانون الأحوال الشخصية الذي يتفق جميع المثقفين على إجحافه بشكل صارخ في حق المرأة، كونه يحرمها من طلب خلاصها دون الشعور بالخوف من الضياع المادي الذي سيتلو ذلك. تعلق "شمس" على هذه القوانين قائلة: "لوين بدكم توصلوا المرة بهاي القوانين لوين؟".

الفيلم أثار نقاشًا استمرَّ ساعة ونصف، رأى فيه مشاركون أن الفيلم عرض قصصًا عادية لا يُمكن اعتبارها "عنفًا"، فيما رأى آخرون أن العنف ليس حقيقيًا في مجتمعنا، بل هو لحالات معدودة فقط، وقد ردت رئيس النيابة الشرعية صمود ضميري قائلة: "من ردود فعل الحضور تبين لي أن مجتمعنا الفلسطيني بحاجة فعلًا لتعريف العنف وفهمه على حقيقته".

وأضافت، "نحن بحاجة إلى هذه النوعية من الأفلام ذات المسؤولية الثقافية والمجتمعية التي تعتبر أقرب إلى الناس منا، وهي قادرة على إيصال تأثيرها بشكل أكبر لشرائح مختلفة من المجتمع لتوضيح مواضع الثغرات ومواجهتها، وإخبار المجتمع الرافض لحقيقة وجودها بأنها موجودة وبكثرة، وتحتاج إلى الكثير من التدابير السياسية والاجتماعية والإعلامية لحلها، وهذا الفيلم يحقق جزءً من هذه المسؤولية".

 فيلم "سماح" ضرب شعور الحاضرين في العمق حد بكاء بعضهم حين مس جزءًا من واقعٍ حقيقيٍ لنساءٍ فلسطينيات ما زلن تحت غطاء العيب والمستور.

كما أتقن نصار إخراج الفيلم بتقنية عالية في دمجه للرواية المحكية والصورة البصرية والموسيقى التصورية بشكل حرفي منسجم. فيلم "سماح" كان بادرة مهمة في صناعة يدٍ فاعلة لنساء فلسطين، طرقت جدار الخزان.


اقرأ/ي أيضًا:

سقط التعليم وزُفّت الطفلة عروسًا

غزة: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

في بلادنا يستعلون على الخادمة ويعشقون قصة سندريلا