16-يوليو-2018

طلبة الثانوية العامة "الإنجاز" (صورة أرشيفية/ سليمان أبو سرور)

لمَّا تمرُّ دقائق على إعلان النَّتائج وحتّى قبل إعلانها، حتّى تَلاشى الهدوء النسبيّ إلى صخبٍ هائل وهرجٍ ومرجٍ حتّى راح ضحيّتهُ أحد الطلبة؛ تلك نتائج "التّوجيهي" أو ما تحاول المؤسسة الرسميّة أن تفرض تسميته الجديدة: "الإنجاز".

إشكاليّة التّسمية قد تستطيع اختصار المعنى الكامن وراءها. "الإنجاز"، أي، "قام بإنجازِ مهامّه، إتمامها، إكمالها"، أي أنجَزَ، أي حقَّقَ ما كان يجب عليه تحقيقه حتى يُحقّقَ بنجاحٍ "إنجازًا" ما.

  لم يتطرّق أحد للحديث عن غير الناجحين، أو الذين لم يتقدّموا للامتحان! هل تعرّضوا للسجن أو الإصابة أو الإحباط من فرط "الخُضوع المجتمعي لأهميَّة الامتحان القُصوى في تحديد "مُستقبل أبناء المجتمع"  

في امتحان الثانويّة العامّة لهذا العام، وبحسب وزير التّربية والتعليم، فإنّ عدد المُسجّلين للامتحان بلغ 72 ألفًا و65 مشتركًا، وتقدّم منهم للامتحان 237 ألفًا و71 مشتركًا. نجح منهم 47 ألفًا و903 مشتركين، بنسبة 67,24%. في بيانه الصحفيّ لعام 2016، شدّد الوزير نفسه، على أن إجراءات تطبيق "نظام ثانوية عامة جديد" تطوي أكثر من نصف قرن من "الممارسة للنظام الحالي"، في مواكبة "لمستجدات تربوية"، تهدفُ إلى تخفيف "حالة القلق" من الامتحان الحالي، وتزيد عدد "الفرص" المقدّمة" للطلبة، وتضع "أسس الاهتمام برعايتهم وإبداعاتهم"، وتبقي على "مصداقيّة شهادة الثانوية العامة"، باعتبارها "شهادة اعتزاز بنظامـ"نا" التعليمي، وجواز مرور لـ"طلبتنا" نحو المستقبل.

وفي بيانه الصحفيّ لهذا العام، شدَّد الوزير نفسه على نسبة الزيادة في عدد الطلبة الناجحين، وكذلك على نجاح "نموذجه" الجديد من النّظام التربوي التعليمي.

عبثًا حاولت إيجاد تقرير صحفيّ أو خبر أو بيان رسميّ من وزارة التعليم العالي، معنون بما يلي: "نسبة غير الناجحين بامتحان الثانوية العامّة "إنجاز". وكان من الطّبيعي أن لا أجده، حتّى أولئك الذين لم يشتركوا في الامتحان والبالغ عددهم 828 طالبًا، لم ينتبه أحد إلى مرور رقمهم مرورًا سريعًا، لماذا لم يشتركوا؟ ولماذا الإصرارُ على نسبة النجاح؟

كان من الممكن صياغة الجُمل على النّحو الآتي: إنّ عدد الذين لم يشتركوا بامتحان الثانويّة العام بلغ 828 طالبًا من أصل 72065 مشتركًا، وقد بلغت نسبة الطلبة غير الناجحين في الامتحان 32,76% من الطّلبة المتقدمين للامتحان. وبالعودة إلى البيان الصحفيّ الخاص بالوزير لعام 2016، والذي تحوّل إلى بيان "إشادة" بالنّظام التعليميّ الجديد لهذا العام 2018، فمن الممكن صياغته على النحو الآتي:"سنُطبِّقُ نظامًا تعليميًا جديدًا، يهدفُ إلى إلغاء النّظام التعليميّ السابق، لكي نُطبِّق قواعدنا الجديدة نحن، والتي تتّفِقُ مع ما نراه صحيحًا وعادلًا في نظرنا "نحنُ". نحن القادرون على إعداد نماذج معياريّة عن معنى "الذكاء بمعناه الاجتماعي" الذي نراه، كذلك، القادرون على مَنح الإذن والتّرخيص، لأولئك القادرين على اجتِياز ما سمَّيناه بامتحان "الإنجاز" في توافق واضح عن معنى "الإنجاز" كما نراهُ نحنُ، لا كما يراهُ أيّ أحدٍ آخر غيرنا. نحن، نصنِّفُكم، إلى راسبين وناجحين، أذكياء وغير أذكياء، صالحِين وغير صالحين، إذًا، إلى فئات معياريّة وضعناها نحنُ لكم.

من المثير جدًا بمكان أن نقرأ بيانًا صحفيًا كهذا، بيانًا يتخلّى عن "المشهديّة الرسميّة"، وبيانًا يبدأ بأولئك الذين لم يجتازوا قواعد الصلاح الاجتماعي كما تقرّرها وزارة التربية والتعليم، وبأولئك الذين لم يتقدَّموا أصلًا لكي تختبر المؤسسة قدراتهم. ولكنّ أولئك الذين لم يتقدَّموا أصلًا للامتحان، هم أصل وجهة البحث الواجب أن يُراجع الخطاب التربوي التعليمي لوزارة التعليم.

اقرأ/ي أيضًا: طُلاب غيّبهم رصاص الاحتلال عن "إنجاز" 2018

ربّما كان بعضهم قد سُجِنَ خلال فترة الامتحانات، وربّما يكون الآخر قد تعرّض لإصابةٍ منعته من إكمال اجتيار "إنجاز" وزارة التعليم، وقد يكون البعض الآخر، أصيب بالإحباط من فرط "الخُضوع المجتمعي لأهميَّة الامتحان القُصوى في تحديد "مُستقبل أبناء المجتمع" باعتباره جَواز مرورهم الوحيد إلى هذا المُستقبل! وهؤلاء هم المُستثنون من بيان وزير التعليم الخاصّ بنتائج الثانويّة العامة؛ فهم من جهة، نقيضُ "المشهدية الاحتفالية الصاخبة" حول المؤسسة والتي تعني فيما تعنيه، قبولًا اجتماعيًا مُطلقًا بخِطاب المؤسسة والسُّلطة من ورائها، أي، "قوّة الرسميّ" التي تقفُ وراء قرارات وزارة التعليم وخطاب لجانها المتوالية والتي من مهامّها الأساسيّة تحسين العملية التعليميّة وكان من ضمنِ أهم قراراتها: تغييرُ المصطلح الذي يصف امتحان الثانويّة العامّة إلى "الإنجاز". يتعارضُ واقع السِّجن والإصابة والإحباط النفسيّ والاجتماعيّ، مع "المُنجزات" الخاصّة بلجان وزارة التربيّة والتعليم، والتي هي جزء من "الرسميّ العام" الخاصّ بالسُّلطة الفلسطينيّة ككلّ، وما يتعارض يجبُ أن يظلّ خافيًا في مقابل تأكيد على الظّاهر ألا وهو نسبةُ النّجاح العالية التي تُدلّل على فعاليّة منجزات اللجان والوزارة معًا وخطّهما التطويريّ الرسميّ.

اقرأ/ي أيضًا: "صورة لشهيد مجهول الهوية"

إنّ الحقيقة الرسميّة التي تُصرُّ المؤسسة – وزارة التعليم – ومن خلفها "الدّولة" ممثّلة بالسُّلطة ومؤسساتها التعليميّة، في حالة امتحان الثانويّة العامة، إن الحقيقة الرسميّة التي تصرُّ على تثبيتها في ذهن العموم علنًا؛ هي فعاليّة المؤسسة متمثّلة، بنسبة نجاح أعلى بما يقارب الـ2 بالمئة عن السنة الماضية. ومن خلال هذه الحقيقة الرسميّة، تتأكّد حقائق رسميّة أخرى، فعاليّة المؤسسة نفسها، وفعاليّة مؤسسات "الدّولة" نفسها، ومن ثمّ فعاليّة المَشروع الوطني كما تتصوَّره السُّلطة الفلسطينيّة وتُطبِّقهُ على أرض الواقع، ومن ثمّ، فعاليّة المسؤولين عن صياغة هذا المشروع وشرعيَّتهم/ مشروعيَّتهم في الوجود في وظائفهم الرسميَّة في داخل المؤسسة الفاعلة.

   يوم صدور النّتائج هو بمثابة جحيم حقيقيّ لكلّ شخص لامبالي أو ساخط على المجتمع   

يوم صدور النّتائج هو بمثابة جحيم حقيقيّ لكلّ شخص لامبالي أو ساخط على المجتمع. من قبل، ظننت أنَ سخطي كان بسبب الضّجيج نفسه، وأحيانًا للامعقوليّة الفرح الذي يصيب النّاس بسبب شيء "ينجزه" الآلاف في كلّ عام؛ أي أنّه مبتذل وغير هام. إلَّا أن جحيم هذا العام كان عائدًا لأسبابٍ أخرى، تصوّرت أناسًا يخرجون ليحتفلوا بذلك الصّخب كلّه ليس إلَّا قبولًا بتصنيف المؤسسة لهم، تصنيف لم يتعدّى من وضعوا معاييره بضعة أشخاص؛ حتّى صارت معايير للأذكياء والبُلهاء. قبول مجتمع مطلق بتصنيفه وتقسيمه إلى فئاتٍ تضمّ أذكياء وبلهاء، ناجحين وغير ناجحين، صالحين اجتماعيًا وغير صالحين اجتماعيًا، تصنيفات تشبه تصنيفات أخرى؛ حسَنُ السُّلوك/ غير حسن السُّلوك، مذنب/ بريء، جيّد/ سيّء.. إلخ. وحتى أولئك الذين يظنُّون أن تحليلًا كهذا مبالغًا فيه، خاصّة بامتداده إلى السُّلطة ككلّ ومشروعها ككلّ، لا أحد منهم يُجادلُ بمشروعيّة/شرعيّة هذه التصنيفات، وإن تمرّد عليها، فهُو يقبلُها بطريقةٍ أو بأخرى.

   أصابتني البلادة لمَّا "صنَّفتني" وزارة التّعليم العالي في ذلك العام المشؤوم، ولم أعد أعبأ بشيءٍ فيما يتعلّق بالتصنيفات، فالعالمُ بالنّسبة لي مجالٌ للشكّ لا أكثر   

أصابتني البلادة لمَّا "صنَّفتني" وزارة التّعليم العالي في ذلك العام المشؤوم، ولم أعد أعبأ بشيءٍ رسميّ أو غير رسميّ بما يتعلّق بالتصنيفات، فالعالمُ بالنّسبة لي مجالٌ للشكّ لا أكثر، هو وحقائقه، الدينيّ منها والرسميّ، المُطلق وغير المُطلق، ببساطة، ليسَ هنالك حقيقة وحسب. وعلى الرّغم من ذلك، فإنِّني أخضَعُ لتصنيفات المؤسَّسة من دون قدرةٍ على الرّفض، كملايين غيري، فإن صنّفت المؤسسة شخصًا على أنّه غير ناجح وأبلهًا بالمعنى الاجتماعيّ للبَلَه، فلن أستطيع أن أثبت عكس ذلك، خاصّة إن كان هو نفسه قد قبل بهذا التصنيف دون قدرة على الرّفض، كبدهيّة وتحصيل حاصل في ظلّ قبول كلّ من حوله له، سيُلامُ هُو نفسهُ على "تقصيره" المفترض وعلى انطِباق التّصنيف علَيه:"أبله وغير مرئيّ" لأنّ "البُلَهاء"، ظلُّوا خافيين عن بيان وزارة التّعليم، طبعًا، بالمعنى الاجتماعيّ للبَلَهْ المَنسوب لأولئك الذين لم يجتازوا معايير الذكاء الاجتماعيّ المتّفق عليها بإجماع أولئك الذين خرجوا للاحتفال بِها في الشّوارع.



اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | أفراح طلاب في الثانوية العامة بنجاحهم

"توجيهي" 2017: سقطت التربية و"جوال" أكلت الحلوان

منح ماجستير ودكتوراة في المغرب ومقاعد دراسية بالأردن