02-يناير-2017

انتظرت الفتاة "أحلام" من مدينة الناصرة، جنينها الذي كان في شهره السادس بكلّ شغف وحُب، لكنّ أحلامها اختنقت كما روحها، بعد أن أقدم زوجها على قتلها أواخر شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام المنصرم 2016، وادّعى بكلّ بساطة أنّه قتلها "غيرة عليها"، وعبّر عن كامل ارتياحه لفعلته.

تُقتل امرأة كل 5 أسابيع، تقريبًا، في الداخل الفلسطيني المحتل، والشرطة الإسرائيلية لا تتدخل إلّا في حالة انتقال الجرائم للمجتمع الإسرائيلي!

16 امرأة قُتلن خلال 2016 في الداخل الفلسطيني المحتل، وفي العام الذي سبقه قتلت 15 امرأة، بينما قُتلت سبع نساء في 2014. بمعدّل امرأة قتيلة كلّ خمسة أسابيع، وفق ما كشفته نائلة عواد مديرة جمعية "نساء ضد العنف"، التي توثق حالات القتل، وتفاصيل الجريمة أوّلًا بأوّل.

موقع "ألترا فلسطين" حصل على شهادات لأهالي الضحايا عن النساء المقتولات، وتفاصيل ارتكاب هذه الجرائم، التي تتغافل عن متابعتها الشرطة الإسرائيلية، ما يشي بتقاعس ممنهج يستهدف المجتمع الفلسطيني، في الداخل المحتل.

اقرأ/ي أيضًا: في بلادنا الرجال يأكلون أولاً

وفي تفاصيل مقتل الضحيّة أحلام (20 عامًا)، يشير بيان النيابة إلى أنّ الزوج البالغ من العمر (23 عامًا)، قدّم في أواخر شهر أكتوبر الماضي بلاغًا عن اختطاف زوجته على يد ملثمين مجهولين، خلال عودتهما من سهرة في حيفا، ولكن الشرطة اكتشفت لاحقًا أنّ أقواله غير صحيحة، فتمّ اعتقاله، خاصةً أنّ البلاغ أتى بعد يومٍ من ذهابه إلى كوخ خشبيّ، والتقاط تسجيل له وهو يدخل برفقة زوجته، ويخرجها جثة هامدة بعد نحو ساعتين. ويشير التقرير إلى أنّ الزوج القاتل تفقّد المكان، ثم وضع جثة زوجته على المقعد الخلفيّ في سيارته، وألقى حذاءها في الطريق.

وجاء أنّ المتهم ذهب لمنزل شقيقته، وطلب منها أداة للحفر وبعد ساعات عاد إلى شقيقته، واعترف لها أنّه "خنق" زوجته حتى الموت، وأن لا أحد يستطيع العثور على الجثة.

متهم طلب من شقيقته أداة للحفر، وبعد ساعات عاد واعترف لها أنّه "خنق" زوجته حتى الموت، وأن لا أحد سيعثر على جثتها

والدة "المغدورة" أحلام، ذكرت في شهادتها أنّ ابنتها بدأت تتعرض للعنف من قبل زوجها، بعد الزواج، بادّعاء الغيرة، وتشير إلى أنّ زواج ابنتها من القاتل، استمرّ عامًا واحدًا فقط، وفيه ضربها ضربًا مبرحًا استدعى نقلها بسيارة إسعاف إلى مستشفى في العفولة، بعد أن رآها الجيران مصابة. وتروي الأم: "منذ تلك الحادثة حاولنا إقناعها بتركه، ولكنها كانت ترفض، وقد تنازلت عن الدعوى ضدّه، ولكنّه عاود ضربها وقدّمت شكوى أخرى، ثم تنازلت عنها للمرة الثانية.

في ذات فترة مقتل أحلام، عُثر على جثتين لنساء، إحداهما فتاة (17 عامًا)، وتم قتلها طعنًا أثناء عودتها من المدرسة.

اقرأ/ي أيضًا: سرطان الثدي قد يعني الطلاق بغزة

فخّار يكسر بعضه!

89% من الملفات المتعلقة بموضوع العنف يتم إغلاقه من قبل الشرطة الإسرائيلية بدعوى أن "القضية لا تعني الجمهور"، تقول نائلة عواد مديرة جمعية "نساء ضد العنف"، وتضيف أنّ من بين 11 ملف قتل، قُدمت ثلاث لوائح اتهام فقط، فالشرطة لا تعمل عملها بالشكل الكافي.

وتعتبر أنّ الشرطة الإسرائيلية تطبّق المثل القائل "فخّار يكسّر بعضه" من خلال تقاعسها عن القيام بدورها، مشيرة أيضًا إلى حجم الممارسات العنصرية التي يواجهها فلسطينيو الداخل، من قبل "إسرائيل"، ولعبها دور المتفرّج أيضًا فيما يخصّ أحداث العنف.

دور الشرطة الإسرائيلية يغيب تمامًا حين يتعلّق الأمر بقضايا جنائيّة

النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي حنين الزعبي، قالت في حديثها لـ "ألترا فلسطين" إنّ  دور الشرطة الإسرائيلية يغيب تمامًا حين يتعلّق الأمر بقضايا جنائيّة، ويقتصر عملها على الدور "السياسي" بفضّ الاعتصامات والمظاهرات والتضييق على الفلسطينيين، فالشرطة –والحديث لزعبي- لا تتدخل في الجرائم التي تحدث إلّا في حالة انتقالها من المجتمع الفلسطيني إلى الإسرائيلي، فتشعر حيالها بالتهديد، فتتدخل لحلّ الأزمة.

وتحدّثت زعبي عن أنّ المجتمع الفلسطيني في الداخل، يشكِّل ما نسبته 18%، لكن العنف والجريمة ينتشر فيه بنسبة 65%. فالشرطة الإسرائيلية تتعامل مع حوادث العنف بثلاث طرق؛ النفي والإنكار، والقول "نفعل ولدينا خطط"، أو إلقاء اتهامات بعدم التعاون مع الشرطة لحلِّ قضايا العنف.

اقرأ/ي أيضًا: شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة

وفي حديثها عن ظاهرة العنف بحقّ النساء، تاريخيًا، تعتبر الناشطة الاجتماعية سمر عزايزة، أن ظاهرة العنف لم ترتفع، وإنما "قوتها" قد ارتفعت، والتي انتقلت من الضرب إلى الطعن ثم القتل.

وتضيف، أن غالبية النساء يقتلن بدعوى "الخيانة والحفاظ على شرف العائلة"، أو خوفًا أن تترك الزوج وتطلب الطلاق، وأحيانًا عند رفضها العلاقة الجنسية، أو الاختلاف حول نمط العيش والسلوك.

وترى عزايزة أن انتشار فوضى السلاح الذي يحصل عليه القاتل من خلال شرائه من الجيش الإسرائيلي، أو عن طريق سرقته، بالإضافة إلى عدم وجود قانون "رادع"، يعاقب المجرمين في ظل إغلاق ملفات " المقتولات" من قبل الشرطة، إضافة إلى صمت  غالبية النساء على العنف، والاتهام الجاهز للمرأة، مقابل التبرير للرجل، وكُلّها عوامل عززت ظاهرة القتل.

أحكام لا تردع

من جهتها، تشير د.هالة اسبنيولي المستشارة التربوية والنفسية، أن العديد من النساء يبلغن الشرطة بتعرضهن للعنف، لكن الشرطة لا تتصرف بالشكل الكافي حيالهنّ؛ حتى النساء لا يثقن إن كانت الشرطة ستنقذ حياتهنّ وتحميهن، فإبلاغ الشرطة سيزيد من وجهة نظرهنّ، الخطر المحدق بهنّ.

فالفتاتان "مثال الخطيب" و"سارة معدي" تُعتبران نموذجًا واضحًا، فقد قتلتا على يد أفراد العائلة، وكانتا من ضمن عشرات الحالات التي تجاهلت الشرطة شكواهنّ، وأعادتهنّ إلى عائلاتهنّ، أو إلى شخصيات مرموقة، وكانت النتيجة "الموت".

وتلفت اسبنيولي، إلى أنّ العقوبة الموجهة للقاتل، قد تصل أقصاها للسجن من (4-5) سنوات، غير أنّ هناك حالة واحدة، حصل فيها القاتل على حكم المؤبد.

القاتل.. ليس تمامًا!

وفي دراسة للباحثة عايدة توما، حصلت عليها "ألترا فلسطين"، بعنوان "العمل ضد جرائم شرف العائلة، داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل". كشفت في 58 قضية قتل عاينتها، أنه تم تعديل التهمة من "قتل متعمد" إلى "قتل غير متعمد" أو أقل، وتقليص العقوبة في حالة نفّذ المتهم جريمته، نتيجة اعتلال نفسي أو جرّاء إعاقة عقلية.

كشفت دراسة، أنّه وفي 58 قضية قتل، تم تعديل التهمة من "قتل متعمد" إلى "قتل غير متعمد" أو أقل، وتقليص العقوبة في حالة نفّذ المتهم جريمته

حدث ذلك، مع ملف قضية موت الفتاة ليلى قيس، والتي شارك فيها شقيقاها وشقيقتها، وفقًا لبروتوكول المحكمة، وللوائح الاتهام وإفادات المدعي العام، فقد تم إرغام ليلى على تناول السم، وهي على علم أنه في حال لم يؤد إلى موتها، عليها أن تجد طريقة لقتل نفسها.

بعد عدة ساعات جاء الشقيق ليتفقدها فأبلغته أن السُمّ لم يؤثر بها، وأنها حاولت أن تشنق نفسها ففشلت، فطلب منها أن تنتظر نحو ثلاث ساعات إضافية، وفي حال لم تمت عليها أن تأخذ جرعة سمٍ إضافية. فعاد شقيقها ليتفقدها فوجد أنها تحاول أن تخرج من بئر كانت ألقت نفسها فيه، فطلب من شقيقته الأخرى أن تراقب ليلى كي لا تحصل على مساعدة طبية، وقطع خطّ الهاتف وذهب لإبلاغ شقيقه الآخر. بعد ظهر اليوم التالي، زار الشقيقان البيت، وتأكدّا من وجود ليلى مع شقيقتها، و"توفيت" ليلى في منتصف الليل بعد أن انهارت جميع أجهزة جسمها انهيارًا كاملًا.

لاحقًا، حكم القضاء الإسرائيلي على الأخوين بالسجن لأربع سنوات، وتم تعديل تهمة الشقيق الأكبر من "القتل من الدرجة الأولى" إلى "الإقناع بالانتحار". أما الشقيق الثاني فتم تعديل تهمته إلى "التسبب بالموت من خلال الإهمال" بعد أن كانت "القتل غير المتعمد"، بينما الشقيقة الأخرى لم تدخل السجن، في أعقاب تدخل عدد من القيادات الدينيّة في أقليّة الدروز، بذريعة أنّ سجن النساء يُلحق العار بالعائلة.

وتبيّن الباحثة توما استنادً إلى القانون الإسرائيلي، أنّ على "المتهم" أن يُثبِت للقضاء وجود سلوك استفزازي من قبل الضحية، دفعه للقتل وأدى إلى ارتكاب الجريمة وعدم السيطرة على النفس، ليتم تخفيف العقوبة والتهمة، وأن القاتل لم تكن هناك لديه "نيّة أوليّة للقتل".

 

اقرأي/ي أيضًا: 

الشباب الدرزي.. لن أخدم مُحتلي

وأنت.. ما رأيك بتسمية "عرب إسرائيل"؟

"فلسطينيو الداخل" ... خط الدفاع الأول