03-نوفمبر-2018

لم تكن قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير بعد الدورة العادية الثلاثين جديدة، بل مكررة منذ اجتماعه في آذار عام 2015، حين أوصى بمجموعة قراراتٍ من ضمنها سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، لكن لم يتم تنفيذها. رغم ذلك، إلا أنه لا يجوز التقليل من أهمية القرارات، وطنيًا وسياسيًا، لتضمنها عناصر هامة، خاصة القرار المتعلق بتعريف العلاقة مع إسرائيل على أنها علاقة صدامٍ ومواجهةٍ ضد كيانٍ احتلاليٍ استعماريٍ عنصري، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومته بكل الوسائل التي أجازها القانون الدولي، والمقصود هنا الكفاح المسلح الذي  أسقطه اتفاق اوسلو، وتم إلغاء مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي تتحدث عن الكفاح المسلح  في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني بغزة عام 1996، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

لا يجوز التقليل من قرارات المجلس المركزي، لكن لا يُمكن اعتبارها قرارات ثورية تليق بحركة تحرر وطني

عبرت شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني ونخبه عن شكوكها من إمكانية التنفيذ، وشككت في توفر إرادةٍ حقيقية لدى القيادة، خاصة بعد يأس الكثيرين من عدم تنفيذ القرارات السابقة للمجلسين المركزي والوطني، وعدم قيام القيادة بتبرير عدم التنفيذ، فبقيت الساحة متروكة للكثير من الأقاويل أو التبريرات لعدم تنفيذ القرارات، وتراوحت  الأحاديث ما بين خشية قيادات فلسطينية على مصالحها ومكاسبها الشخصية، مرورًا بخشية السلطة من الردود الإسرائيلية التي قد تجعل من تكلفة تنفيذ تلك القرارات أكبر بكثيرٍ من الفائدة المرجوة من التحقيق، وانتهاءً بالادعاء أنه لا توجد نية حقيقية للسلطة وقيادتها لتنفيذ القرارات، خشية الدخول في مواجهة مفتوحة وغير محسوبة مع الاحتلال، وأن كل ما أرادت القيادة الفلسطينية تحقيقه من القرارات لم تكن إلا أهدافًا تكتيكية لتحسين شروطها التفاوضية، إيمانًا منها بما يسمى عملية السلام.

اقرأ/ي أيضًا: سباق التطبيع.. المهر الأغلى مقابل الثمن البخس

بغض النظر عن أسباب عدم قيام منظمة التحرير والسلطة بتنفيذ القرارات في الفترة السابقة، إلا أن عدم تقديمها مبرراتٍ مقنعة لذلك، أدى لضرب ثقة المجتمع الفلسطيني بالمنظمة ومؤسساتها وقياداتها المختلفة، في ظل عدم مشاركة أغلبية القوى السياسية الفلسطينية في تلك الاجتماعات، من حركة حماس، الجهاد الإسلامي، ومقاطعة فصائل في منظمة التحرير الدورتين الأخيرتين كالجبهتين الشعبية والديمقراطية، إضافة لحركة المبادرة الفلسطينية، وهذا عمَّق أزمة الثقة بالمؤسسات الفلسطينية، وأن قيادة السلطة كانت قد شاركت في كل تلك الاجتماعات، لا بل أن الرئيس محمود عباس، هو شخصيًا من ترأس تلك الاجتماعات، وهو من طرح تلك القرارات للتصويت عليها، لكنه كرئيسٍ للمنظمة والسلطة لم يوضح أسباب عدم التنفيذ، سواءً بالادعاء أن القرارات كانت متسرعة وغير مدروسة بشكل كامل، أو  أن تنفيذها مكلف فلسطينيًا، وأن القيادة بحاجةٍ للمزيد من الوقت لترتيب الأمور.

تبقى شكوك الكثيرين في محلها - ومن ضمنهم كاتب هذه المقالة - من احتمالية عدم تنفيذ السلطة لهذه القرارات، لعدم وجود جدول زمني للتنفيذ، وعدم وجود خطة تتطرق لمواجهة الردود الإسرائيلية المتوقعة في حال التنفيذ، لأن  إسرائيل ستصعد من إجراءاتها، رغم أن الردود الإسرائيلية حول قرارات المجلس المركزي تراوحت ما بين الاستخفاف بها واعتبارها أضحوكة كما وصفها رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وما بين الاطمئنان الرسمي والأمني من عدم التنفيذ على قاعدة أن السلطة مكبلة وخياراتها محدودة.

الاستخفاف الإسرائيلي بقرارات المجلس المركزي يعكس قراءة إسرائيلية أن السلطة بحاجة لإسرائيل، أكثر من حاجة إسرائيل للسلطة

ورغم أهمية قرارات المجلس المركزي، إلا أنه لا يمكن اعتبارها قراراتٍ ثوريةٍ عظيمةٍ تليق بحركة تحرر وطني، وخاصة الاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني، إذ أن القرارات تحاول إلغاء خطأ كبيرٍ عندما اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل وبحقها بالوجود الآمن في فلسطين، قبل أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية. هذا إضافة  لخطورة التنسيق الأمني، حين ألزمت منظمة التحرير نفسها بالعمل على ما أسمته مكافحة الإرهاب. والأخطر من ذلك كله، أن منظمة التحرير ورغم أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، إلا أنها لم تحصل على تفويض من الشعب الفلسطيني للاعتراف بصانع نكبته وجلاده دون حصوله على حقوقه الوطنية المشروعية في الحرية والعودة وتقرير المصير.

تعي القيادة الردود المشككة في القرارات، مما وضعها في امتحانٍ حقيقي وجعلها مطالبةً أكثر من أي وقتٍ مضى بالتنفيذ، خاصة أن مصلحتها كما مصلحة الوطن تتطلب التنفيذ السريع لإعادة بناءِ وترميمِ ثقة المجتمع الفلسطيني بالنظام السياسي، كما للرد على الاستخفاف الإسرائيلي الذي يعكس قراءةً إسرائيليةً بأن القيادة الفلسطينية  بحاجة إسرائيل أكثر من حاجة إسرائيل لها، إضافة إلى صعوبة مواجهة هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل دون اتخاذ مواقف فلسطينية واضحة وخاصة في الاعتراف بإسرائيل، إذ يستغل بعض المهرولين الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كذريعةٍ لاعترافهم بها، وهذا الاعتراف الفلسطيني تم التعبير عنه بشكل غامض، إذ غابت مصطلحات "إلغاء" أو "سحب"، وتم استخدام "تعليق"، ما اعتبره رجال القانون تعبيرًا يبقي الاعتراف قائمًا بينما يتم تجميده لفترة زمنية، وقد عمق ذلك الشكوك بعدم الجدية بالتنفيذ.

إضافة لكل ذلك، تفرض صفقة ترامب على القيادة تجميع معظم الطاقات الفلسطينية والعربية لمواجهتها، ولا يتم ذلك إلا بتبني السلطة لاستراتيجيةٍ جديدةٍ وجديةٍ تحظى بدعمٍ جماهيريٍ في ظل الانقسام المدمر، وأول هذه الاستراتيجية يتمثل في البدء بتنفيذ القرارات، وغير ذلك تصبح الساحة مفتوحة أمام مشاريع التصفية.


اقرأ/ي أيضًا: 

في الإصرار على اعتدال العدو

فشل مسار التسوية.. فشل مسار المفاوضات

في معنى ضم القنصلية الأمريكية للسفارة