11-يونيو-2017

صورة تعبيريّة/ getty

لأسباب تعلمها وزارة الماليّة ومن ورائها الحكومة، لكنّها ترفض الإفصاح عنها أو التعليق عليها، قُطعت رواتب أكثر من 277 أسيرًا، غالبيّتهم من مُحرري صفقة "وفاء الأحرار"، ممّن أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، سواء كانوا في الضفة الغربيّة أو قطاع غزة.

"لا يوجد رصيد"، عبارة ظهرت على شاشة الصرّاف الآليّ، لنحو 277 أسيرًا مُحررًا، قطعت وزارة الماليّة مستحقاتهم الشهرية، دون إبداء الأسباب!

قطع الرواتب الذي بدأ مع دخول شهر حزيران/ يونيو الجاري، لم يأت بين ليلة وضحاها، فقد سبقته تصريحات واشتراطات وأقاويل، كانت تؤشّر إلى أنّ مياهًا تجري من تحت الأسرى.

اقرأ/ي أيضًا: القدرات الجنسية للأسرى السابقين.. السجن ما زال هنا

الأسير المُحرر جهاد بني جامع، من بلدة عقربا جنوب شرق نابلس، أمضى 21 سنة متواصلة في سجون الاحتلال، أصيب خلالها بمرض "باركنسون" العصبيّ (الشلل الرعاشي)، تضاعف لاحقًا ليزداد وضعه الصحيّ سوءًا، فباتت الكلمات تختنق في جوفه، ولا يقدر على نُطقها، ليشكو حاله وعائلته، بعد أن قطعت وزارة المالية دخله الشهريّ، وهو الذي يحتاج مبلغًا شهريًا لا يقل عن 1500 شيقل، تكاليف علاج وأدوية فقط، إضافة لمصاريف بيته وأطفاله.

الاحتلال أفرج عن جهاد في صفقة "وفاء الأحرار" 2011، لكنّه أعاد اعتقاله مع أسرى آخرين بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة في حزيران 2014، وتم الإفراج عنه بعد ذلك، لصعوبة وضعه الصحيّ.

تقول زوجة أبو جامع في حديث لـ "الترا فلسطين" إنّها توجّهت إلى الصرّاف الآليّ مع بداية شهر حزيران لاستلام راتب زوجها، وتفاجأت بأن الرصيد غير متوفّر، وأنّه تم إيقافه من المصدر، دون أيّ إنذار أو توضيح رسميّ مسبق. متسائلة عن الذنب الذي اقترفه جهاد ليُكافأ بهذه الطريقة، وعن الكيفيّة التي سيتدبرون بها حياتهم سيما أنّ زوجها لا يقوى على العمل.

وقف المخصصات تمّ دون إخطار مسبق. وزارة المالية التزمت الصمت، وهيئة الأسرى قالت إنّها لا تعلم شيئًا

عبد الله أبو شلبك (50 عامًا)، من مدينة البيرة، أمضى أيضًا 21 سنة في سجون الاحتلال، وهو واحد من الأسرى الذين أفرج عنهم في صفقة المقاومة بدل الجنديّ الإسرائيلي جلعاد شاليط، وأحد من قُطعت رواتبهم. يقول إنّه فوجئ بقطع مصدر دخله الوحيد، يوم الأحد الفائت، ودون أيّ مقدمات، حي أخبره الموظف عن توقّف معاشه، دون إيضاحات.

أبو شلبك الذي عاش وغيره من الأسرى "ظروفًا صعبة" في سجون الاحتلال، لا يعرف كيف سيتدبّر أحواله، بعد أن قُطعت رواتب من كانوا "خطًا أحمر" يومًا ما.

اقرأ/ي أيضًا: رومانسية أسرى وزوجاتهم على عينك يا سجان

وقف الرواتب، لم يقف عند الأسرى وحدهم، بل امتدّ ليشمل "مؤقتًا" نوابًا في المجلس التشريعي، لكنّ اللافت أنّ وزارة الماليّة ردّت سريعًا هذه المرّة بالقول إنّ "خللًا فنيًا في نظام الرواتب حال دون صرف رواتب النواب"، لكن فيما يتعلّق بقطع رواتب الأسرى المحررين، فقد التزمت "الصمت المطبق"، وتجاهلت الردّ على التساؤلات في هذا الملف.

أمّا عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى، فقال إنّهم "كجهة اختصاص تفاجأوا بهذا الأمر"، وطالب الحكومة ووزارة الماليّة بـ "توضيحات رسمية" حول حقيقة قطع رواتب أسرى محررين.

وأوضح قراقع في حديث هاتفيّ مع "الترا فلسطين" أنّهم توجهوا للقيادة الفلسطينية لمناقشة الموضوع، ولكن لا ردّ حتى اللحظة. مُتأمّلًا أن تتم معالجة القضية، وتعاد الرواتب للأسرى.

اقرأ/ي أيضًا: رسائل صغيرة كبيرة!

في (7 أيّار/ مايو) نقلت وسائل إعلام محليّة، تصريحًا لوزير العدل علي أبو دياك، مفاده أنّ قرارًا رئاسيًا صدر بنقل الإشراف على "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" من منظمة التّحرير إلى وزارة الداخليّة عبر تحويلها لجمعيّة أهليّة، وأنّ القرار سيُطبّق أوّلًا على قطاع غزة، ثم سيشمل الضفة الغربيّة، بهدف "الضغط على حماس لإنهاء انقلابها".

في ذات اليوم؛ نفى رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، وبشكل قاطع، أن يكون صدر قرار كهذا. وتم التأكيد على أنّ الخبر ليس صحيحًا.

والشيء بالشيء يُذكر، فقد أصدر الرئيس عباس مرسومًا بتاريخ (29 أيار/مايو 2014)، يقضي بتحويل "وزارة شؤون الأسرى والمحررين" من وزارة حكوميّة، إلى "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" وتتبع مباشرة الى منظمة التحرير، وتخضع لإشراف الرئاسة الفلسطينية، وقيل في حينه إنّ الضغوط الدولية والإسرائيلية على السلطة، كانت وراء القرار.

وبالعودة إلى الخبر الذي نُفي لاحقًا، وتراجعت عنه وسائل الإعلام التي نشرته، فقد جاء بعد لقاء الرئيس محمود عباس، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث أبدى الأخير "قلقه من دفع السلطة الفلسطينيّة مخصصّات الأسرى"، وطالب بـ "ضرورة حلّ هذه المسألة".

أمّا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فطالب علانية، وفي أكثر من مرّة، بقطع مخصصات أهالي الشهداء والأسرى، واعتبر أنّ خطوة كهذه بمثابة "اختبار أمام السلطة للمضيّ في طريق "السلام"، معتبرًا أنّ هذه الرواتب تساهم في التحريض، و"تُشجّع على المضيّ في الإرهاب".

الشرط الإسرائيليّ على السلطة بوقف تحويل مستحقّات الشهداء والأسرى، كان من بين البنود التسعة التي حملها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لعملية السلام جيسون غرينبلات، للرئيس محمود عباس في آذار الماضي.

وصادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع، ظُهر الأحد (11 حزيران/ يونيو) على مشروع قانون قدّمه عضو الكنيست عن حزب "يش عتيد" اليعازر شتيرن، والقاضي بخصم الاموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية كمخصصات للأسرى وعائلات الشهداء من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة.


اقرأ/ي أيضًا:

عندما فرض الأسرى إنهاء القمع مقابل وقف "تشفير" الوجوه

أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لـ"تفاصيل صغيرة"

طحين الأسرى وابتساماتهم