05-سبتمبر-2019

لن تستطيع معلمة المدرسة "رسمية"، أن تعيش وزوجها الخياط "رشاد" في منزل واحد، بسبب ملاحقة موظفي ما يعرف بـ"التأمين الوطني الإسرائيلي" لهم، فهي تحمل الهوية الزرقاء التي منحها الاحتلال قسرًا لأهل القدس، أما زوجها فهو من قرى القدس الواقعة خلف جدار الفصل العنصري ويحمل الهوية الفلسطينية الخضراء.

"قلنديا رايح جاي" تنقل بشكل أساسي المعركة المفتوحة مع الاحتلال للبقاء في القدس، ومحاربة كل أشكال التهجير والطرد التعسفي

لذا تحاول "رسمية" أن تستصدر لزوجها إقامة في القدس، حتى لو اضطر الأمر إلى لعبه دور المجنون على سلطات الاحتلال للتعامل معه كحالة خاصة.

وفي خضم معركة الوجود في القدس لـ"رسمية" و"رشاد" وابنتهما "مرح"، تتعرض العائلة لمحاولات الابتزاز من قبل السماسرة ومسربي الأراضي للاحتلال.

ما ذُكِر ليست قصة حقيقة وإنما مسرحية "قلنديا رايح جاي" للمخرج الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، استطاع عبرها إيصال معاناة المقدسيين اليومية مع واقع الاحتلال.

تناولت المسرحية بأسلوب ساخر كوميدي معاناة أهل القدس خلال التنقل عبر حاجز قلنديا العسكري، إضافة إلى الإجراءات التعسفية التي يُمارسها الاحتلال ضدهم، من تهديدٍ بسحب الهويات، وهدمٍ للمنازل، واستيلاءٍ على الأراضي.

المسرحية تنقل بشكل أساسي المعركة المفتوحة مع الاحتلال للبقاء في القدس، ومحاربة كل أشكال التهجير والطرد التعسفي. وقد كان العرض الثاني منها على خشبة مسرح الإغاثة الطبية في رام الله، مساء الأربعاء 5 أيلول/سبتمبر الجاري.

المسرحية التي تصل مدتها ساعة ونصف، جسد شخصيات قصتها كلٌ من، لارا نصار، ومرح ياسين، ومحمد مشارقة، وجميل السايح، وحسين نخلة، ومحمود طمليه، وعدي الجعبة، ووضع الموسيقى التصويرية لها وموسيقى الأغنيات رامي وشحة، وأدى الأغنيات جميل السايح، والإضاءة لرمزي أبو دية، وعبد الله وشاحي، وإدارة محمد فروخ وإبراهيم الزهيري.

يقول مخرج مسرحية "قلنديا رايح جاي" فتحي عبد الرحمن، إن المسرحية "تجربة تتناول معاناة المقدسيين بكل أنواعها".

المخرج فتحي عبد الرحمن: مسرحية قلنديا رايح جاي تتناول معاناة المقدسيين بكل أنواعها

وأضاف، "من الناحية الأولى حول ما يتركه حاجز قلنديا من آثار ومضار نفسية ومشقة وظلم في حياتهم، ومن الناحية الثانية ما يواجهه المقدسيون خلال صمودهم على أرضهم من هدم للمنازل ومصادرة للأراضي ومختلف أشكال القمع التي تمارسها سلطات الاحتلال بهدف تهجيرهم من القدس".

وحول تقديم هذه المعاناة في قالب كوميدي، أوضح عبد الرحمن لـ الترا فلسطين، أن "أعقد القضايا صعوبة وظلمًا بالإمكان تناولها في المسرح بأسلوب ناقد وساخر وتهكمي".

وشرح عبد الرحمن قصة المسرحية مبينًا أنها تتحدث عن أُسرة من القدس تحاول باستماتة الحفاظ على حقها في البقاء بالقدس وتمسكها بهويتها الخاصة بأهل المدينة، وكافة حقوقها بأسلوب ساخر، كما تُعرج على تجار الأراضي والسماسمرة وبعض المحاميين "الشواذ" الذين يعملون في التزوير.

ووفق عبد الرحمن، فإن المسرحية تنتقد "أخطاءنا وتقصيرنا (..) فهناك أخطاء سياسية تجعلنا نكبل أنفسنا بأنفسنا، ولا نستطيع مواجهة هذا الظلم والاحتلال بشكل صحيح".

هنا يتحدث عبد الرحمن عن إخلاء سبيل "أبو نزيه" سمسار الأراضي والعقارات للاحتلال، بعد أن كان مُعتقلاً لدى الأمن الفلسطيني، نتيجة التنسيق الأمني، "ولو أن المحقق الفلسطيني فضل تصفيته على إطلاق سراحه ولكن هذه هي السياسة والاتفاقيات مع الاحتلال" كما قال.

عندما سألناه عن الجمهور المستهدف في المسرحية، أجاب، "نحن نعرف أن الفلسطيني يعرف معاناته اليومية، ولكن هناك مزيد من المعرفة يجب أن يتم تعميمها في المحافظات والمناطق البعيدة عن القدس، لأن هناك من يزور القدس نادرًا، ولا يعرف المشاكل والهموم والمعاناة وثمن الصمود داخل القدس".

وأضاف، أن أغلب المسرحيات تشارك في المهرجانات والعروض في الخارج، "وهناك رسالة من هذه المسرحية للخارج، ولكن لا مانع من النظر إلى أنفسنا وإلى أخوتنا في القدس على بعد أمتار قليلة منا، وأن نفكر في صمودهم ودعمهم".

محمد مشارقة الذي جسّد دور "رشاد" في المسرحية، وهو عضو وممثل في فرقة المسرح الشعبي، يقول إن "كل هذه الضغوطات التي يتعرض لها الأصدقاء والمعارف في القدس معروفة لدينا، لكن ندعو من خلال المسرحية لدعم هؤلاء الناس حتى يصمدوا"، معتبرًا ذلك هو "الهدف الأسمى" للمسرحية.

ورأى مشارقة، أن المسرحية والدراما دورها الأساسي مرتبوطٌ بالتوعية، "ولكن يجب عمل دراما وأحداث لتحقيق دورها التوعوي وحشد الجماهير والمشاعر ودفع طاقاتهم حتى يصمدوا".

مسرح الإغاثة امتلأ عن آخره بالمشاهدين خلال العرض الثاني للمسرحية، ومع نهاية العرض اهتزَّ المسرح بتصفيق الجمهور الذي عبّر عددٌ منه عن استحسانهم للمسرحية، عندما سألناهم عن آرائهم.

مسرح الإغاثة امتلأ عن آخره بالمشاهدين خلال العرض الثاني لمسرحية قلنديا رايح جاي

تقول لينا صالح إن العرض "رائعٌ جدًا، والمسرحية التي تشاهدها للمرة الأولى تصف معاناة تعيشها شخصيًا كل يوم بسبب عملها في القدس"، مضيفة، "المسرحية أوصلت المعاناة بشكل كبير جدًا".

رشا قواس، رأت أن العرض "مفاجأة ومميز، وفكرته قوية". وأضافت، "نحن نعرف هذه التفاصيل ونعرف من يعيشها، ولكن كان من المبهر أن تقدم بهذه الطريقة".

اتفق سعيد نخلة مع هذين الرأيين، وأضاف أن العرض "كان رائعًا جدًا، ويجب أن يعرض في أكثر من مكان، حتى يتعمم، وأن يتم تصويره ونشره حتى يعرف دور السماسرة وما يقومون به".


اقرأ/ي أيضًا: 

"أولاد المختار": حكاية حميلة عابها إهمال التاريخ والتفاصيل

"7 أيام في عينتيبي".. محاولة فاشلة في الحياد

ما هي أحوال سينما فلسطين بعد 9 عقود من ولادتها