22-ديسمبر-2018

قبل عشر سنوات تقريبًا، كان وجود كاميرات المراقبة في الضفة الغربية يقتصر على الشركات الكبيرة والبنوك ومحال الصرافة، في مسعىً لتجنّب عمليات السطو، أو للإمساك بخيوط توصل للفاعلين. ظلّت الأمور إلى هُنا في سياق طبيعيّ ومتفهّم؛ فالشعور بالأمان، هو ما تمنحه هذه الكاميرات. لكنّ الحديث اليوم تحوّل إلى مناقشة فكرة الجدوى من "تغوّل كاميرات المراقبة" والمبالغة في تركيبها، ورصدها لتحركّات في الشارع أو الحيّ المقابل. 

  انتشار كاميرات المراقبة سهّل الكثير على سلطات الاحتلال، لكن هل تشترط الجهات الرسمية وشركات التأمين وجود هذه الكاميرات؟ 

بعد كل عمليّة مسلّحة في الضفة الغربية يحدث السيناريو المتوقّع: يقتحم جنود إسرائيليون منطقة ما، ويبدأون بحثًا متسلسلًا من محل إلى محل، ومن شارع إلى آخر، عن كاميرات المراقبة، في محاولة لرصد مسار انسحاب المسلحين أو المنفذين المحتملين. 

وما أن يبدأ الاحتلال أولى خطواته بهذا الاتجاه، تبدأ حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى عبر مكبّرات الصوت في المساجد، مثل "احم ظهر المقاومة" أو "لا تكن عينًا للاحتلال" تدعو لحذف تسجيلات الكاميرات، وتنحية اتجاهها، كي لا تتحوّل لسلاح بيد الاحتلال يُمكّنه من تتبع المقاومين. 

آخر تلك الحملات، وربما أشدّها، كانت عقب عمليّة إطلاق النار قرب مستوطنة "عوفرة" شرق رام الله، حيث شنّ الاحتلال حملة مداهمات في رام الله والبيرة لفحص تسجيلات الكاميرات في أحياء البالوع والإرسال والمصايف، في النهاية توصّل الاحتلال لمنفذي العملية وصادر المركبة التي نُفّذت فيها من حي عين مصباح. 

عينٌ ترصد كل شيء! 

يقول المختصّ في متابعة الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب إنّ انتشار كاميرات المراقبة في المدن والقرى الفلسطينية سهّل الكثير على سلطات الاحتلال، وأسهم في اعتقال عدد من منفذي الهجمات. فرغم أنّ "إسرائيل" تستعين بمناطيد التصوير المثبتة في الجو، لكنّ هذه المناطيد لا تغطي كل الأماكن، كما أنها تفقد فعاليتها في الأحوال الجوية السيئة. 

ويشير أبو عرقوب إلى أن جيش الاحتلال وجهاز الشاباك يعتمدان أيضًا على منظومة كاميرات بعضها ظاهر كتلك التي تكون على الشوارع والمفارق، وأخرى مخفيّة بين الأشجار والصخور تحديدًا في المناطق المحاذية للمستوطنات، ويتم اللجوء إلى الكاميرات التي يضعها فلسطينيون أمام منازلهم أو منشآتهم، حال وقوع أحداث أمنيّة في المكان. 

هل تشترط الجهات الرسمية وشركات التأمين تركيب كاميرات مراقبة؟ 

السجال الدائر حول هذه الكاميرات، يدفع للتساؤل حول إن كان تركيب كاميرات المراقبة مثلًا اشتراط تطلبه الجهات الرسمية لمنح التراخيص أو كنوع من متطلبات الأمان والسلامة التي تفرضها شركات التأمين. وهو ما سألناه لرئيسة تحرير وكالة الأنباء الفلسطينية خلود عساف، بعد أيام من اقتحام جنود الاحتلال للمكان، ومصادرة تسجيلات الكاميرات. 

تنفي خلود وجود أي اشتراطات من أي جهة رسمية لتركيب هذه الكاميرات، وتقول إن الأمر متعلّق بالأمان، لا أكثر. لكنّها تشير في الوقت ذاته إلى ضرورة صياغة نظام لإلزام أصحاب المؤسسات والمحلات والمنازل بتوجيه الكاميرات باتجاه الأبواب والجدران فقط دون كشف الشارع. 

وتعتقد أن هذه الكاميرات تنتهك الخصوصيّة أولًا، كما أنه يجري استغلالها من قبل جيش الاحتلال، مشيرة إلى اعتقال مقاومين شرق رام الله عام 2015 استنادًا للمعلومات التي وفرتها تسجيلات كاميرات في تلك المنطقة. 

وترى عسّاف أنّ المناداة بحذف التسجيلات لن يكون مجديًا على الأغلب، فهو يؤخّر فقط استخراج المعلومات، إذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن بالإمكان استعادة التسجيلات حتى لو تم حذفها، والحل هو تنظيم عمل هذه الكاميرات رسميًا من خلال توجيهها بشكل لا يكشف أكثر مما يلزم. 
      
 لا إلزاميّة في وضع الكاميرات

مدير العلاقات العامة والإعلام في الدفاع المدني الرائد نائل العزة، أكدّ في حديثه لـ "الترا فلسطين" على عدم إلزامية تركيب كاميرات المراقبة، وأشار إلى أنّ شروط الترخيص تقتصر على مسائل الأمان، من ناحية تركيب أجهزة الإنذار المبكر والكشف عن الحرائق (تحسس الدخان أو اللهب أو الحرارة)، وكذلك أنظمة الإطفاء التلقائي، لما لها من علاقة في كشف الحرائق.

وأضاف العزة أنّ مسألة تركيب الكاميرات مسألة أمنية قد لا تمنع الحرائق، مع ضرورة التأكيد على أهمية أن لا يطغى الجانب الأمني على جانب الأمان في أي منشأة، بمعنى لو قامت مؤسسة ما بتركيب أبواب للأمن والحماية، فيجب أن لا تكون مقفلة في حالات الطوارئ، ويجب أن تُفتح تلقائيًا. 

  شركات التأمين تفضّل وجود الكاميرات، لكنّها لا تُلزم بها  

ذات السؤال حول إلزاميّة تركيب الكاميرات من عدمه، توجهنا به إلى الأمين العام للاتحاد  الفلسطيني لشركات التأمين أمجد جدوع، والذي أجاب بأنّ "التركيب اختياري، وليس إلزامي". وإشار إلى أنّ الاهتمام لديهم يتمحور حول وجود وسائل الأمان كمضخات المياه لإطفاء أي حريق.

ولا يخفي جدوع أنّ شركات التأمين تفضّل دائمًا وجود كاميرات المراقبة، على اعتبار أنّها من أدوات الحماية من السرقة، وتساعد في التعرّف على الجناة، ويمكن أن تساعد في معرفة سبب الحريق.

ورغم "دور الكاميرات الإيجابي" في كشف خيوط الجريمة حين ترتكب، وفق قول المتحدث باسم الشرطة العقيد لؤي ارزيقات، إلّا أنّ خطورتها تتمثّل بإمكانيّة استغلالها من قبل الاحتلال الإسرائيلي كما يقول.

ويُقرّ العقيد ارزيقات بغياب أي تشريعات تُنظّم إجراءات عمل وتركيب كاميرات المراقبة، معللًا ذلك بتعطّل المجلس التشريعي. لكنّه يأمل بأن تعمل الجهات الحقوقية والرسمية ذات الصلة، على صياغة مقترح قرار بقانون لهذا النظام، بحيث لا تُنتهك خصوصية الأشخاص والمؤسسات، في ظلّ النمو الكبير والمتسارع في تركيب الكاميرات. 

رخيصة، وسهلة التركيب، لذلك في كل مكان! 

"الكاميرات سلعة تُباع في محلات الكمبيوتر والإلكترونيات، وبإمكان أيّ كهربائي أو فني تركيبها، دون الاستعانة بمتخصص"، يقول الخبير التقني في أنظمة المراقبة أنس شحادة لـ "الترا فلسطين"، مشيرًا إلى أنّ بيعها وتركيبها لم يعد مقتصرًا على الشركات المتخصصة، بالتالي من الصعب حصر وتحديد أماكن تركيب الكاميرات، ومعرفة مدى انتشارها. 

ويلفت شحادة الذي يعمل مديرًا تنفيذيًا في شركة "تكنو بال" إلى أن نطاق عملهم يشمل مؤسسات رسمية وأهلية ومحلات تجارية ومنازل؛ فلا يكاد يخلو أي مبنى في الشارع بغض النظر عن حجمه أو تصنيفه من وجود الكاميرات على مدخله، بعد أن كان يقتصر تركيبها قبل عقد تقريبًا على البنوك ومحلات الصرافة.

ويعتبر شحادة أن تركيب الكاميرات لم يعد للحماية فقط. وإنما صار من الاحتياجات اليومية بالنسبة لأصحاب المنازل، كي يتعرفوا على من قدم إليهم أثناء سفرهم، أو لمعرفة من زارهم أثناء غيابهم في العمل، وحتى من قام باعتداء ما. مبيّنًا أنّ المكاتب الهندسية صارت تؤسس في كل تصاميمها لتركيب الكاميرات، بغض النظر أكان يتعلق ذلك بمؤسسة أو شركة أو حتى منزل، خاصة وأن تكلفة التركيب منخفضة. 

ويكشف شحادة عن أنّه وفي الأونة الأخيرة باتوا يلاحظون أنّ أصحاب المنازل تحديدًا يطلبون عدم توجيه الكاميرات على الشارع، مع انتشار حملات التوعية في هذا السياق، والحملات المتكررة التي يشنها الاحتلال في ملاحقة المقاومين وتتبّع أثرهم من خلال هذه الكاميرات.

بحاجة لتنظيم وقوانين

وحول إمكانيّة اختراق أنظمة المراقبة، والوصول للتسجيلات من خلال شبكة الانترنت، يقول الخبير التقنيّ إنّه وكما أن أجهزة الحواسيب والهواتف الذكيّة المربوطة بالإنترنت قابلة للاختراق، فإن أنظمة الكاميرات ليست بعيدة عن هذا الموضوع. 

وينوّه شحادة لأهميّة تنظيم عملية تركيب الكاميرات، من خلال الإشارة لقوانين وشروط  الترخيص التي تفرضها دول أوروبية مثلًا على كل من يستخدمون أنظمة المراقبة، من حيث ما يُرى، وماهيّة المساحة المسموحة، ومدة الاحتفاظ بتسجيلات الكاميرات، انطلاقًا من أنّ أنظمة المراقبة يجب أن تراعي الخصوصية الشخصية.

ويلفت إلى أنّه وبحسب القانون في تلك الدول، يجب أن يكون هناك توضيح بأن هذه المنطقة فيها نظام مراقبة وحماية، حتى يعرف المارة ذلك، إضافة إلى أنّ أقصى فترة زمنية مسموحة للاحتفاظ بالتسجيلات في ألمانيا على سبيل المثال، لا تزيد عن 30 يومًا، وهي مدة كافية لرصد أيّ خرق أمني، وما يزيد عن ذلك يعدّ متطفلًا على خصوصيات الناس.

من جهته، يشدد مدير عام النقل الطرقي والسككي في وزارة النقل والمواصلات، يوسف دراوشة على أهمية تنظيم التركيب العشوائيّ، وتطرّق إلى خطة السلطة الرامية لتركيب كاميرات مراقبة في مختلف المحافظات، كجزء من البرامج والخطط لتطوير وتنظيم قطاع النقل في فلسطين باستخدام أنظمة النقل الذكي والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في العالم. 

وكان مجلس الوزراء قرر قبل نحو عام تقريبًا تشكيل فريق يضم كافة الجهات ذات الاختصاص من وزارة النقل والمواصلات، إضافة لوزارات الحكم المحلي والاشغال العامة والداخلية (ممثلة بشرطة المرور) والتربية والتعليم العالي (أساتذة جامعات) لوضع خطة استراتيجية للنقل الذكي في فلسطين (تمتد لـ10-12سنة)، بحيث تعتمد على البرامج والأنظمة الإلكترونية التي تهدف لتنظيم قطاع النقل، وتعمل على تقليل الازدحامات المرورية.

  خطة حكوميّة لتركيب كاميرات في المحافظات، بهدف تنظيم السير وضبط المرور.. لكن هل يُمكن أن تُسهّل هذه المنظومة عمل الاحتلال؟ 

وأضاف منسق الفريق الوطني لوضع الخطة الاستراتيجية للنقل الذكي، أن بعض تلك البرامج والخطط، متصل بتركيب نوع معين وعدد محدد من كاميرات المراقبة قرب إشارات المرور لضبط المركبات التي تقطع الإشارة الحمراء، أو على مفترقات وشوارع معينة أو ذات اتجاه واحد أو على جدار بناية، بحيث تبث تلك الكاميرات بشكل مباشر إلى غرفة عمليات رئيسة في مركز الشرطة، بهدف ضبط السرعة والمخالفين للتعليمات المرورية، وضبط الحالة المرورية. 


اقرأ/ي أيضًا:

كاميرات المراقبة.. أجهزة مموهة ترصدُ المقاومين في الضفة الغربية

كاميرات سرية إسرائيلية على أبواب منازل في تقوع

كتيبة إسرائيلية للتصوير فقط.. احذروا!

1700 كاميرا مراقبة إسرائيلية في الضفة.. ماذا حققت؟