06-أكتوبر-2020

يمكن من قرية كفرور مشاهدة ساحل فلسطين | تصوير غسان دويكات

إلى الغرب من قرية تل جنوب نابلس، وعلى مسافة لا تبعد أكثر من 2 كم عن آخر بيت مأهول في القرية، ستجدون أطلال قريةٍ اسمها كفرور، كانت قائمة منذ أكثر من 360 سنة على جبل مرتفع ومنبسط في الأطراف الغربية لسلسلة جبال وسط فلسطين، ترتفع حوالي 700 متر عن سطح البحر. ومن هناك إذا نظرنا نحو الغرب لا نرى جبالاً أعلى منها، كما يمكن مشاهدة الساحل الفلسطيني والبحر المتوسط وقد انعكست على مياهه أشعة شمس المغيب1.

من المؤكد أن قرية كفرور كانت قائمة منذ أكثر من 360 سنة، ويمكن منها مشاهدة ساحل فلسطين

من المؤكد أن القرية كانت قائمة منذ أكثر من 360 سنة2، فيما يُعتقد أن وجودها يعود للعهد المملوكي، فحجارتها ضاربه في القدم، وذات أحجام وأبعاد كبيرة3.

يمكن رؤية ساحل فلسطين من على أطلال قرية كفرور | تصوير غسان دويكات

يقع في الطرف الشرقي الشمالي من القرية مسجدها، وهو المَعلَم الواضح والظاهر، مستطيل الشكل له مدخل واحد من جهة الشمال، تم وضع أحجار بلاط مصقولة وناعمة في أرضيته من الخارج، يقابله بالضبط جنوبًا المحراب ذو الحجارة المقصوصة بشكل نصف دائري وبعناية فائقة.

مسجد كفرور: لوحظ خلو الجهة الشرقية والشمالية من الأبنية | تصوير غسان دويكات

وأبعاد المسجد كالتالي: العرض 8 أمتار، الطول 11.5 متر ونصف، يتوسطه، وعلى مسافة بلغت 3.5 متر من كل أضلاع المستطيل، قاعدتان حجريتان دائريتان لعامودين حملا السقف يومًا ما. تظهر بوضوح أرضية المسجد الملساء التي شُغلت باستخدام وخلط الحجارة الصغيرة مع الشيد والماء وتم صقلها جيدً4.

المدخل الوحيد للمسجد وقاعدتا العامودين لحمل السقف | تصوير غسان دويكات

إذا حسبنا (وفق الآلية التي يستخدمها الباحثون) أن عرض المسجد يكفي لاصطفاف سبعة صفوف من المصلين، بواقع 23 مصلٍ في كل صف، فإن ذلك يعني أنه كان في القرية 161 شخصًا من أرباب الأُسر. فالمسجد كان يُصمم ليتسع كامل السكان في الصلوات الجامعة لكل الناس دفعة واحدة، كصلاة العيد.

وبحسب دراسات أوروبية، فإن معدل عدد أفراد الأسرة الفلسطينية إبان العهد العثماني هو 6 أفراد، فيكون لدينا عددٌ تقريبيٌ لكامل سكان القرية، وهو 966 شخصًا، وهذا عددٌ ليس متواضعًا بمقاييس ذلك العهد.

المحراب نصف اسطواني ومشغول بعناية | تصوير غسان دويكات

أما بيوت كفرور فيُلاحظ أن بعضها متراصة، ويغيب عنها الطابع المتعارف عليه للبيوت الريفية الفلسطينية آنذاك، التي كان يتم تصميمها وفق الطراز العثماني، فيكون لها ساحة خارجية "حوش"، وراويات وأقواس حجرية.

بيوت متراصة في كفرور | تصوير غسان دويكات
بيوت متراصة في كفرور | تصوير غسان دويكات

تنقل لنا المصادر صورًا للحياة في قرية كفرور منذ أكثر من 360 سنة، وتساعدنا في تتبع بعض عائلات القرية، وبعض جوانب حياتهم اليومية. فمثلا؛ باع مخلوف بن خليفة الذي كان وصيًا على شقيقيه القاصرين آنذاك خلف وحماد، ومعه شقيقه لأبيه معلى بن خليفة ووالدهما خليفة بن أحمد الدويدار، وهو طاعن بالسن كما يُفهم من الوثيقة، حيث باعوا 25 شجرة زيتون في واد زيبار في كفرور لسعد بن مهنا وشريكه طريف بن علي، وقبضوا ثمنها 30 قرشًا، وبشهادة وحضور رجلين هما؛ أحمد بن فرحان وياسين بن زعتر، وكلهم من كفرور، وذلك يوم الأحد 8 تشرين أول/أكتوبر 51656.

يُلاحظ في بيوت كفرور أنها في الغالب متراصة، وليس لها حوش وأقواس حجرية

وطريف بن علي هذا كان متزوجًا من امرأة اسمها غنيمة بنت غنام، باعها بعد الزواج حقل زيتون يشتمل على 69 شجرة زيتون، وقد أنجب منها ثلاث إناث؛ صالحة وجارية وديبة، تزوجن في حياة أبيهن. وقد توفي والدهن طريف في النصف الأول من العام 1687م، فتقاسمت الأم حقل الزيتون مع بناتها الثلاثة بواقع الربع لكل واحدة6.

اقرأ/ي أيضًا: كفر سِب: قصَّة قرية من العصر الروماني بقي منها معْلَمان فقط

تسجل لنا المصادر حادثة وقعت في قرية كفرور يوم السبت 31 آذار/مارس 1657، تنادى لها سكان القرى المجاورة والبعيدة؛ من تل وصرة وسنيريا وبورين وجت وبيت سلوم، والأخيرة هذه اليوم عبارة عن خربة تابعة كفر قدوم.

والحادثة هي غرق أحد سكان كفرور في بئر ماء، ووفقًا لرواية الأب دخل الله والأشقاء أحمد ونعمان أولاد دخل الله فقد حصلت الواقعة كالتالي: "كان شقيقهم الثالث محمد عائدًا من عمله في الحِراثة، فرأى دجاجة تطير -فارَّة من شيء أفزعها- في الجو وسقطت في البئر الواقع قرب المسجد، فقفز محمد خلفها ليخرجها فغرق". يُعتقد أنه فعل ذلك حرصًا على الماء وليس حرصًا على الدجاجة، ويبدو أن كل محاولات إنقاذه باءت في الفشل رغم الصراخ وتعالي الأصوات التي جعلت الكل يهرع للمكان.

بئر ماء ما زال مستغلا، يقع في الجزء الغربي من كفرور | تصوير غسان دويكات

ويُعتقد أن محمد قد ارتطم بجدار البئر مما أفقده الوعي وحال دون إنقاذه، ذلك أن جثته بقيت في البئر فترة ليست قصيرة، لحين قدوم أمير لواء نابلس عساف بن محمد طرباي ومعه كاتب محكمة نابلس، حيث تم الكشف على الجثة وإخراجها من البئر.

جزء من حجر البد وأنقاض المعاصر في كفرور | تصوير غسان دويكات

واللافت في القصة، تسجيل كاتب المحكمة في محضر استجواب الأب والأشقاء؛ بأن ذلك "قضاء وقدر"، وأنه ليس لهم أي حق لدى أي إنسان آخر. والسبب أن العائلة ذاتها ليست من سكان قرية كفرور الأصليين، بل من قرية صانور، جاءوا وقطنوا في كفرور من مدة ولأسباب لم تُذكر7.

كانت كفرور وحتى يوم الخميس 9 تموز/يوليو 1846 على الأقل ما زالت قائمة وتُعرَف كقرية، وقد ورد ذلك في إطار عملية بيع قطعة أرض مملوكة لأبناء عبد الله أبو زيت من قرية تل إلى إبراهيم محمد الحمد من صرة8.

كانت كفرور حتى يوم الخميس 9 تموز/يوليو 1846 على الأقل ما زالت قائمة وتُعرَف كقرية

أما كيف اندثرت القرية، فهذا ما تخبرنا به الرواية الشفوية المتناقلة والسائدة في المنطقة، إذ يُحكى أن عروسًا من قرية فقاس -وهي اليوم خربة للجنوب من تل- خرجت في الفاردة باتجاه قرية الصورتين -وهي خربة واقعة شمال تل- حيث ستتزوج هناك، وقد وصلت كفرور بنهاية النهار، وكانت العادات حينها تُوجِب استقبال العروس وذويها للمبيت في القرية التي تصلها عند هبوط الليل.

وقد حدث -وفقًا للرواية- أنه تم خداع العروس والاعتداء عليها ليلا من قبل شخص أُدخِل عليها وقال لها أنه زوجها. وتم اكتشاف الأمر في اليوم التالي عندما هَمّ ذووها بإكمال طريقهم لقرية العريس. وهنا حدثت "الطامة الكبرى" وعلى إثر ذلك دار قتال بين قريتي الصورتين وفقاس من جهة وبين أهالي كفرور من جهة ثانية9.

تقول الرواية الشفوية إن إبادة قرية كفرور سببها قتال مع قريتي الصورتين وفقاس بعد الاعتداء على عروس

هذه النسخة من الرواية تكررت وسُجلت في عدة قرى في نواحي متعددة خلال القرن التاسع عشر، وإذ لم يتسنَّ إثباتها ولا نفيها، فهي ليست سببًا كافيًا مقنعًا لاندثار قرية كاملة ودفعة واحدة. على أنه واردٌ جدًا أنها قد تكون أحد الأسباب التي أدت وساهمت باندثار كفرور. ولكن حين لاحت الفرصة المناسبة؛ وقد كانت الحرب الأهلية التي عصفت بفلسطين عام 1853، الفرصة المناسبة لتصفية الحسابات ليس بين كفرور والقرى المحيطة فحسب، بل بين كثير من القرى والشخصيات والأحزاب المتناحرة لشتى الأسباب آنذاك.

يُمكن للمتجول في موقع القرية، وهي ذات تربة سكنية اللون تميل للأبيض، رؤية قطع فخار صغيرة ومطلية بزجاج ملون، وذات نقوش وزخارف، وإن لم نلقي لها بالاً في البداية فقد تكرر المشهد بعدها، وقد أشار الراوي -في سياق سرد قصته عن اندثار القرية- إلى أن بعض أهالي كفرور كانوا يعملون في صناعة الفخار10.

قطعة فخارية ملونة ومطلية بزجاج | تصوير غسان دويكات

يُذكر أنه إلى الشرق من قرية كفرور وعلى مسافةٍ بسيطةٍ، تقع أطلال وبقايا أبنية حجرية يُعتقد أنها كانت معاصر زيتون، حيث وُجِدت أجزاءٌ من حجر بد قديم هناك. كما أمكن مشاهدة عدة آبار، ما زال أحدها مستغلاً بعد ترميمه.

بئر ماء، وخرزة البئر المكسورة يُعتقد أن نصفها الثاني سقط في البئر | تصوير غسان دويكات

1. جولة ميدانية، كفرور، تل، 3/10/2020م.

2. سجل محكمة نابلس رقم (1)، 29 رجب 1098هـ/1687م، ص 131.

3. جولة ميدانية، كفرور، تل، 3/10/2020م.

4. جولة ميدانية، كفرور، تل، 3/10/2020م.

5. سجل محكمة نابلس (1)، 19 ذي الحجة 1066هـ/1656م، ص 11.

6. سجل محكمة نابلس (1)، 29 رجب 1098هـ/1687م، ص 131.

7. سجل محكمة نابلس (1)، 15 جمادى الثاني 1067هـ/1657م، ص 154

8.  سجل محكمة نابلس (10)، 15 رجب 1262هـ/1846م، ص 219

9.  مقابلة شخصية، أحمد علي إبراهيم رمضان، 65 سنة، تل، 3/10/2020م.

10. مقابلة شخصية، أحمد علي إبراهيم رمضان، 65 سنة، تل، 3/10/2020م.


اقرأ/ي أيضًا: 

قرية سُمطا: صراع نفوذ أفضى لإبادة جماعية

المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا..