20-أكتوبر-2018

بفارغ الصبر ينتظر الفلسطينيون موسم الزيتون الذي يشكل مناسبة للتعاضد والتعاون بينهم، لما لشجرة الزيتون من أهمية، سواء دينيًا حيث وردت في الديانات السماوية، ووطنيًا كونها تمثل رمزًا للصمود والثبات والتجذر بالوطن، وكذلك اقتصاديًا حيث تعتاش عشرة آلاف أسرة من ثمار الزيتون والزيت، كما يغطي احتياجات 100 ألف أسرة من الزيت والزيتون. ورغم مصادرة الأراضي بالجدار أو المستوطنات والطرق الالتفافية، إلا انه بقي 11 مليون شجرة زيتون مغروسة على مساحة مليون دونم موزعة على مختلف المناطق، بعد أن كان عددها 27 مليون شجرة قبل التهام الجدار والمستوطنات؛ لأكثر من 20% من أراضي الضفة  التي كانت معظمها مزروعًا بالزيتون.

الحركة الصهيونية اعتبرت شجرة الزيتون نقيضًا لمشروعها، وسببًا في بقاء الفلسطيني وعدم انكساره

كما شكلت شجرة الزيتون جزءًا من هوية وعروبة فلسطين، ورمزًا للثبات، وسببًا للحفاظ على الترابط بين الفلسطيني وأشجار الزيتون، حيث الكبار يرحلون عن الحياة، فيما تبقى شجرة الزيتون تعمر وتزداد تجذرًا في أعماق الأرض، فساهمت في بقاء الفلسطيني في وطنه وعمقت من ارتباطه بالتراب الذي احتضنها.

اقرأ/ي أيضًا: "أبو المواسم".. فرحة الفلاحين

ولأن شجرة الزيتون جزءٌ من الهوية الوطنية الفلسطينية، اعتبرتها الحركة الصهيونية نقيضًا لمشروعها، وسببًا في بقاء الفلسطيني وعدم انكساره أمام عصا وجزرة الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها لدفعهم للرحيل. ولتحقيق ذلك، تكاتفت المؤسسات الحكومية الرسمية مع المؤسسة الدينية ( الحاخامية) وجمعيات المستوطنين لاقتلاع شجرة الزيتون، اعتقادًا منهم أن ذلك سيسهل اقتلاع الإنسان الفلسطيني المتجذر كشجرة الزيتون. وشنّت الحكومة الإسرائيلية حربًا على الأراضي الفلسطينية، خاصة المزروعة بالزيتون،  وبنت مستوطنات وطرقًا التفافية،  وأقامت جدار الفصل الذي التهم  12 % من  مساحة الضفة.

أما المؤسسة الدينية، سواء الرسمية أم الفرعية،  فساهمت هي الأخرى  بالحرب على الزيتون، وأصدرت  فتاوى بتقطيع وسرقة أشجار الزيتون، وكان الحاخام الأكبر السابق  لإسرائيل عوفاديا يوسف، وعددٌ من حاخامات المستوطنات، وخاصة حاخام مستوطنة "كريات أربع" في الخليل، المتطرف دوف ليئور، قد أفتوا بتقطيع أشجار الزيتون، وسرقة ثمارها، ومنع المزارعين الفلسطينيين من قطف الزيتون بالاعتداء والضرب.  ولتشجيع وتحفيز المستوطنين على تنفيذ تلك الفتاوى، أفتى بعضهم باعتبار تنفيذها فريضة، ويؤجر فاعلها ثلاثًا، الأول  لأنه استرد ما أسموه "خيرات اليهود لليهود"، والثاني لحرمان أعداء اليهود من الاستفادة من "خيرات اليهود"، فيما الأجر الأخير لأن تلك الأعمال ستؤدي - حسب تصورهم - إلى وصول الفلسطينيين  لليأس والإحباط، مما سيؤدي إلى تركهم لأراضيهم ليتسنى للمستوطنين الاستيلاء عليها بسهولة.

حاخامات أفتوا بأن قطع أشجار الزيتون ومنع الفلسطينيين من قطفها هو فرضٌ يؤجر فاعله ثلاث مرات

وشكلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والقضائية غطاءً وحمايةً للمستوطنين المجرمين، فمنعت قبول شكاوى الفلسطينيين ضدهم، إذ أشارت مؤسساتٌ حقوقيةٌ إسرائيلية إلى أن أكثر من 96% من شكاوى الفلسطينيين ضد اعتداءات المستوطنين مصيرها حاويات القمامة في مراكز الشرطة الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | زيتون زمان.. رزق وهداة بال

وبالتكامل مع سياسات الحكومة والمؤسسة الدينية الرسمية، تستمر جمعيات المستوطنين بتغطية نفقات  تسريب الأراضي الفلسطينية بالشراء أو التحايل. ونشطت تلك الجمعيات في السنوات الماضية مستفيدة من مليارات الدولارات التي يقدمها رجالُ أعمالٍ في إسرائيل والخارج، ويتم ملاحظة ذلك في كل المناطق، بينما الخطورة والخوف على مصير آلاف أشجار الزيتون التي بقيت خلف جدار الفصل العنصري، حيث الإجراءات الإسرائيلية التعجيزية لدخول أصحاب الأراضي للقطف والتقليم والحراثة تزداد صعوبة عامًا بعد آخر، مما أدى إلى تناقص واضحٍ وكبيرٍ في عدد أولئك الذين تسمح لهم سلطات الاحتلال بالدخول، وهذا يدق ناقوس الخطر على المستقبل، الأمر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية العمل بشتى الوسائل لدعم ومساعدة أصحاب الأراضي للدخول إلى أراضيهم وعدم خلخلة علاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه، خاصة تلك الموجودة خلف الجدار وفي محيط المستوطنات.

لم تعد مواسم قطف الزيتون مناسباتٌ اجتماعيةٌ تخص الفلاحين الفلسطينيين وحدهم، بل أصبحت مناسباتٌ وطنيةٌ للتلاحم والتعاون بين مكونات المجتمع الفلسطيني. وتبادر مؤسسات سلطوية وأهلية  لتنظيم حملاتٍ تطوعيةٍ للمساعدة في قطف الزيتون، ولكي يشعر الفلاحون والمزارعون العُزَّل بالدفء والأمان من المستوطنين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة. ويشاركُ في حملات التطوع موظفون وطلابُ جامعاتٍ  ومؤسساتٌ أخرى، لينضموا للأصدقاء والجيران جنبًا إلى جنبٍ مع أصحاب الزيتون.

كما أن حملات الاستهداف الصهيونية لشجرة الزيتون لم تنل من عزيمة وفرحة المزارعين، حيث لا زالت مظاهر الفرحة تراها على وجوههم وهم يقطفون حبات الزيتون، كما مظاهر الفرحة التي تبدو على وجوههم وهم يحيطون بالماكينات في المعاصر أثناء طحنها ودرسها لمحصولهم ونزول الزيت بنسبٍ عالية، لينقل الجيل الحالي أمانة الحفاظ على شجر الزيتون للجيل القادم، وليشكل منظر العائلة صغارًا وكبارًا وهم يشربون الشاي ويتناولون الطعام تحت أغصان شجرة الزيتون رسالة للمستعمرين، أننا وشجر الزيتون باقون ومتجذرون هنا.


اقرأ/ي أيضًا:

صور | البدّادة.. ما بقي من الزيتون

معصرة أحمد عيسى.. قرن ونيف من الحب

صور | زيتون غزة.. الجميع يبحثون عن الاكتفاء