02-مارس-2020

مثل "الإسلاموفوبيا" بالضبط، يحدث الآن مع شعوب شرق آسيا. ذنبهم الوحيد أن مرض الكورونا ظهر في بلدانهم ضمن ظروف بيولوجية معقدة لا يمكن الحكم عليها أو تحميل مسؤوليتها لهويةٍ سياسيةٍ ولا هويةٍ بيولوجية.

عنصريةٌ فائقة الوضوح تحدث في العالم مع كل الآسيويين، تشبه تلك التي تحدث ضد المسلمين في العالم

عنصريةٌ فائقة الوضوح تحدث في العالم مع كل الآسيويين، تشبه تلك التي تحدث ضد المسلمين في العالم، فما الفرق بين ما كانت تتعرض له المحجبات في أوروبا من تنمر واعتداء جسدي، وبين وما حدث في رام الله مساء الأحد؟ عندما تعرضت فتاتان من اليابان تعملان في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني للاعتداء في أحد شوارع المدينة.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة تقبض على سيدة اعتدت على يابانيتين في رام الله

لم يكن للبنت المحجبة ذنبٌ ولم يكن للبنت الآسيوية أيضًا ذنب، والأمر مرتبطٌ بمخزون متعفن من الأنانية والعنصرية والجهل لدى المعتدين سواءً في لندن أو في بطن الهوى.

أكثر الناس معرفة بمظالم الإسلاموفوبيا يجب أن يكونوا أكثرهم انتباهًا للكورونوفوبيا، ولكن للأسف يحدث العكس، فيوم الجمعة الماضي صليت في مسجد ضجت خطبته بالعنصرية ضد الصين، وقال الشيخ إن ما يحدث في الصين هو عقاب رباني على ما فعلوه بمسلمي الأيغور. طبعًا هذا حكمٌ فارغٌ لا قيمة له ونفته الدولة الصينية، وأدارت حملات تحقق إعلامي حوله أكثر من مؤسسة، وتبين أنه موجةٌ من موجات من حروب نفسية ونزعات شعبوية فتاكة تلحق بالثقافات بين فترة وأخرى.

على وزارة الأوقاف التحرك ضد هؤلاء الأئمة، ليس بجلسات التأديب أو العقوبات الإدارية، بل بفتح جلسات عصف فكري بينهم، وربما بجلسة مع السفير الصيني حتى تنتهي الانطباعية والأحكام المسبقة والتنميطات من عقول أئمة الجمعة.

على وزارة الأوقاف التحرك ضد هؤلاء الأئمة، ليس بجلسات التأديب أو العقوبات الإدارية، بل بفتح جلسات عصف فكري بينهم

صدمني الإمام وهو يقول إن الصين منعت الناس من الدراسة في الأزهر، ومن دراسة الفقه في الجامعات الإسلامية، واستذكر كيف أرسل امبراطورهم قبل ألف عام التراب في صحائف ذهب!!! طبعًا ممنوع الاحتجاج ولا الانسحاب، وعليك أن تظل في الصلاة حتى الصلاة الإبراهيمية.

اقرأ/ي أيضًا: عن فايروس كورونا والسخرية.. وانعدام الثقة

في الشارع، وفي "فيس بوك" تحدث كورونوفوبيا، على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الجهلة شتموا وفودًا ومنظمات وضيوفًا آسيويين. كلنا شاهدنا أصحاب حسابات يشتمون ويطلقون أقذع الألفاظ على ضيوفنا الآسيويين، وتذكرت نفس المواقف الشعبوية الرخيصة ونفس الوجوه والأسماء كيف كانت تعلق على حوادث عنصرية ضد المسلمين في العالم.

ماذا أضاف هؤلاء المتهالكون على قول رأيهم؟ بماذا هو أفضل تواصلنا الاجتماعي البائس عن جلسات زيارة المرضى التي يتحول فيها الزائرون إلى أطباء بلا شهادات وجراحين ومصوري أشعة طبية وخبراء أوبئة وأمراض؟

يجب أن يهدأ هؤلاء المنفعلون ويعودوا إلى الآية الكريمة: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". يجب أن يعيد هؤلاء إسناد مهمات مواجهة الكورونا للحكومة، وكتابة الوصفات للأطباء وليس لمحلات العطارة، وأن يكلفوا أنفسهم قليلاً بالدخول على غوغل وقراءة المعلومات، بدلاً من الاستناد إلى القيل والقال وجلسات الدكاكين ومداخل الحارات واستراحات الموظفين.

يجب أن يهدأ هؤلاء المنفعلون ويعودوا إلى الآية الكريمة: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"

صدمني مشهد أطفال يلاحقون صحافية آسيوية قبل أشهر في رام الله، غضبت عليهم ولاحقتهم، أرعبني المشهد وكرهت الإنجاب والطفولة والعفوية والبراءة، وتذكرت أن أكثر رسوم متحركة ذات رسالة ومغزى يشاهدها أطفالنا هي القادمة من هناك، من الثقافات الآسيوية الهادئة وغير المتعجلة على التحول، والصامدة في مواجهة موجات العولمة و"ضرورات" العالمية.

فعل طلابٌ من بيرزيت ومن جامعاتٍ أخرى أشياء في منتهى الجمال، دافعوا عن ضيوف آسيويين في وجه سائقي عمومي استغلاليين، هذا فعلٌ جميلٌ وحبذا لو كل الحركة الطلابية الجامعية تقدم دروسًا في هذا الموضوع.

في جامعة بيرزيت درس أزواجٌ آسيويون اللغة العربية هنا قبل أشهر، وكان معهم أطفالهم، أجمل المشاهد كنت أراها عندما تنشغل الأم الآسيوية بالدراسة، فيما تلعب طالباتٌ وطلابٌ من الجامعة مع الطفلين الجميلين. لغةٌ عربيةٌ على صينيةٍ وصور سيلفي وهمهمات صوتية في منتهى الجمال كانت تتناهى إلى شبابيك الكليات والدوائر المجاورة.

هناك مسؤولية جماعية وفردية علينا جميعًا بالتصدي للكورونوفوبيا، فنحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومسيحيي الشرق أكثر الناس معرفة بالجروح التي تسببها العنصرية.


شاهد/ي أيضًا: 

فيديو | فايروس كورونا: لا داعي للقلق

فيديو | فايروس كورونا: إرشادات لسلامتكم