29-ديسمبر-2018

عزيزي السودان، ألف لا بأس عليك، سمعنا أنك تمر بوعكة صحية، أم أنها ليست بالوعكة أبدًا؟

بدأت قصة حبي لك منذ أن رأيت أهراماتك، لم أكن أعرف أن لديك من الأهرامات الجميلة ما يكفي ويزيد لتكون من عجائب الدنيا السبع. أتابع صفحة تُعنى بالثقافة سودانية ومع كل منشورٍ وصورة وقصيدة أتساءل لماذا ندير ظهرنا لكل هذا الجمال؟

   ننسى نصيب غيرنا من الاهتمام لا سيما نحن الذين اعتدنا على كثرة الاهتمام   

أنت حتمًا تعرف أنّ العالم غارقٌ في حُبّ الرجل الأبيض وكل ما يتصل به ويشبهه. حتى أولئك الذين لا ينتمون له غارقون في اللهاث وراءه. أنت حتمًا تعرف أنّ تعريف الجمال لدينا دقيقٌ ومحددٌ وموجود ضمن قوسين لا نوسعهما، قوسين مغلقين غير قابلين للإضافة.

عزيزي السودان، اعذرنا فحب الجمال متصلٌ أيضًا بالسياسية. بمعنى أننا نتضامن فقط مع الأشياء التي نظنُّها جميلة، لا أقصد أنك لست جميلًا ولكن انظر إلى تعريفهم الضيّق للجمال وأنت ستفهم ما أعنيه. نحن لا ندير ظهرنا لجمالك فقط بل لموتاك أيضًا. قسمة غير عادلة في الموت والحياة أليس كذلك؟ 


في عرضها الكوميدي الجديد تحدثت المذيعة ايلين ديجنيريس عن المحنة التي عاشتها في شبابها بعد وفاة صديقتها. تصف مشهد وحدتها في غرفةٍ ضيّقة انتقلت إليها لأنها لم تعد قادرةً على دفع إيجار بيتها القديم الذي كانت تتشاركه مع صديقتها المتوفاة. لا يوجد شيءٌ في الغرفة سوى فراش أرضي والكثير من البراغيث التي تثير غضب إيلين.. هذه الكائنات الضئيلة حيّة وصديقتها الشابة الجميلة لم تعد هنا!

عند كل موت قد تصيبك هذه الحالة، تنظر إلى كل الكائنات التي لا ترى لها فائدة وتتساءل بغضب: لماذا تعيش هذه ويموت من أُحبّ! وحتى يزول هذه الغضب وحتى تفهم أكثر عن عدالة الحياةو عليك بأفلام الأنيميشن تلك التي يكون أبطالها من الحيوانات، أقترح عليك: (The Bee) (Watership down) (Zootopia) (The Ant Bully) (Antz)


ارتفعت حرارتي وأنا أقرأ تعليق أحدهم المتفاخر بزيارة البشير للأسد وبفتح سفارة البحرين في دمشق قريبًا. حتمًا "مطّ" الصديق الفيسبوكي جسده ووضع يداه خلف رأسه وابتسم للشاشة وهو يتخيّل وجوه أعداء النظام السوري وهم منكسرين من عبقرية ما كتبه! هذه لم تخطر على بال أحد.. "زيارة البشير الذي يقتل شعبه الآن. وفتح سفارة البحرين التي تغازل إسرائيل علنًا هو دليل على انتصار النظام السوري وقوّته"، أريد أن أضيف صورة ليد تصفق ولكن حتمًا المحرر سيحذفها.


لو كنت حيوانًا أي حيوان ستختار؟

كنت أجيب بسرعة وأنا صغيرة لأنني كنت أفكر بالجمال فقط.. "أريد أن أكون غزالة أو عصفورة"، أمّا الآن فأعتقد أنني كبيرةٌ بما يكفي لأختار خيارًا آمنًا لا مغريًا. حسنًا أريد أن أكون حيوانًا لا يستفيد الإنسان من وجوده أو قتله، حيوان لا يرغب به الإنسان ولا يهتم لأمره فيتركه وشأنه. أفكر في "الحمارة نشيطة"، أفكر في التفاح والشوكولاته التي يقدّمها لها صاحبها. أفكر في هذا الحب الكبير الذي يمنحه هذا الطفل لحمارته رغم هذا المكان الضيّق الذي نعيش فيه. اقرأ التقرير ستفرح كثيرًا وستحزن كثيرًا. إن السياسية حقًا أمرٌ خطير طال حتى الحمارة نشيطة. عليك أن تتذكر ذلك وأنت تختار أي حيوانٍ تحب أن تكون إذ سألك طفلك هذا السؤال أو إذا كنت تؤمن بأنّك ستعود للحياة بعد الموت بشكل جديد.


أنا نباتية، أشعر أنني أجرح مشاعري الشخصية وأنا أتحدث عن حقوق الحيوانات بالعيش الآمن. نعم أنا فلسطينية وأعيش الكثير من التناقضات. أشعر أحيانًا أنني ناقمة على الحيوانات هنا لأنها أكثر سعادةً ورغدًا من الكثير من سكان الكرة الأرضية، ولكنني أعود لقلبي كلما اشتدّ غضبي على هذه الحيوانات المسكينة. ما ذنبها في عقدي النفسية. ها؟ الحمد لله على نعمة القلب.


حسنًا حسنًا.. تقدّم الآن، لديك ما يكفي من المعلومات لتدافع عن رأيك. ضع عينك بعين كل الذين يحاربونك، ارمِ جداول احصاءاتك وبياناتك في وجوههم. يمكنك أن تفعل ذلك ولكنّك لم تعد تبالي. بات الأمر بلا جدوى، أنت لا ترغب في مناقشة أرائك مع الآخرين، أنت متعبٌ من تصحيح أحدهم إن هو قال معلومة خاطئة، التمسّك بالرأي بات هو الرأي. أنت يأسٌ جدًا، تمر بجوار أناسٍ يتشاجرون ولا تبالي. أشخاصٌ يرمون زجاجات المشروبات الغازية على الأرض ولا تبالي.. أنت تحترق من الداخل ولكن وجهك لا يبالي. والمسافة بين الشيئين جثةٌ من الأمل.


ننسى كثيرًا جدًا نصيب غيرنا من الاهتمام لا سيما نحن الذين اعتدنا على كثرة الاهتمام. نحن محور الأحداث وقد اعتدنا على سماع اسمنا يتردد في نشرات الأخبار، الناس يحبوننا، أغرقونا بالحب لدرجةٍ لم يعد فيها ممكنًا أن نمنحه لأحد. هذا ليس دورنا في معادلة الحب.. هذه ليست وظيفتنا اتجاه العالم، هل تشعر بذلك كفلسطيني أم أنه يهيّأ لي؟


اقرأ/ي أيضًا:

ذكر الرجال بحفظ تاريخهم: هامش على "الفدائي" لطوقان

اقتناص الوظائف العليا في دولةٍ يحدُّها حزبٌ واحد

صلاح بديلا للقضايا الكبرى: أو كيف تعلمت اللامبالاة

صالح الأول.. وصالح الثاني