17-يونيو-2017

- "كان من السهل اغتصابها لأنّها (متخلّفة عقليًا) وبكماء".

- "بينما كان ما يبثّه التلفزيون الإسرائيلي من أفلام يثيرني. فكّرت في إلقاء نظرة على جسد أختي النائمة في غرفتها".

- "عندما كانت أمي تخرج من البيت كان أبي يخلع ملابسه ويجلس بجواري ويلمسني بطريقة غريبة، ويخبرني أنّ كل الآباء يفعلون ذلك مع بناتهم، وأنّ هذا يجب أن يبقى سراً بيننا."

هل سبق وقرأت محضر تحقيق في جريمة؟ إذا كانت الإجابة لا فأنت محظوظٌ حقًا، حيث أن ما تقرأه من اعترافات للمجرم وشهادات للضحايا مادة سترافقك ككابوس طوال حياتك. الجمل أعلاه تشبه ما قد يتضمنه هذا المحضر، والقصص أعلاه حدثت بالفعل وقد تم الاطلاع على محاضر جرائم الاغتصاب الثلاث في مكتب محامي بمدينة رام الله، ضمن تدريب صحفي شاركت فيه، واستمر ستة أشهر بعنوان: تغطية أخبار القضاء والمحاكم الفلسطينية.

مع كل جريمة اغتصاب نسمع بها، نتحول جميعًا إلى "أبو الخيزران" سائق الشاحنة في رواية كنفاني "رجال في الشمس" ونتساءل: لماذا لم يطرقوا جدار الخزان؟

الجزء الأصعب خلال قراءة محاضر التحقيق في جرائم اغتصاب الأطفال ليس التفاصيل الدقيقة المؤلمة التي يصف فيها المجرم الكيفيّة التي نفّذ بها جريمته، وليس الحوار الذي دار بينه وبين ضحيته قبل الجريمة وخلالها وبعدها، وإنما هو رؤية توقيع الضحية، فقد ينتهي بك الأمر إلى كثير من الحزن وأنت ترى أن توقيع الضحية طفوليٌ جدًا، وذو حروف كبيرة، وسيؤلمك مثلاً أنّها اختارت أن ترفق اسم والدها بجوار اسمها رغم أنّه هو المجرم الذي اغتصبها! وكأنها لا تميّز بين التوقيع أسفل محضر جريمة اغتصابها وبين تدوين اسمها على كتبها ودفاترها المدرسية.

تحدث الجرائم الأكثر بشاعة عندما يكون المجرم والضحية من ذات العائلة فهذه الجرائم تستمر طويلًا، بحيث يصبح الخوف الدائم والاعتداء الجنسي المتكرر نمط حياة تعيشه الضحية، وبينما يلجأ الكثير من المجرمين في هذه الحالة إلى تخويف الضحية وتهديدها لضمان سكوتها، فإن البعض يلجأ لطريقة أكثر مكرًا، وهي إيهام الضحية أنّها مجرمة أيضًا وأنّها مسؤولة عمّا يحصل، وأن معرفة من حولها بهذه العلاقة لن تفيدها، بل ستجعلهم يكرهونها ويشمئزون منها.

مع كل جريمة اغتصاب نسمع بها، نتحول جميعًا إلى "أبو الخيزران" سائق الشاحنة في رواية كنفاني "رجال في الشمس" ونتساءل: لماذا لم يطرقوا جدار الخزان؟ ففي رواية كنفاني يفقد ثلاثة فلسطينيين حياتهم داخل خزان مياه بينما كانوا يحاولون التسلل إلى الكويت لإيجاد فرص عمل، وبدل أن يطرقوا جدار الخزان وينجوا، اختاروا أن يختنقوا ويموتوا في صمت. ولكن هل كان عليهم أن يطرقوا جدار الخزان حتى ينجوا؟ ألم تكن معرفة أبو الخيزران بالخطر الذي يهددهم كفيلة بإنقاذهم؟ وهل تهرّب أبو الخيزران من مسؤوليته وأراح كتفه من ذنب موتهم عندما تساءل: لماذا لم يطرقوا جدار الخزان؟

مؤخرًا حاولت طفلة يهودية الانتحار بعد أن كتبت رسالة مؤثرة لأهلها تشرح فيها بتفاصيل الزمان والمكان والجسد كيف اغتصبها عمّها على مدار ثماني سنوات مذ كانت في الخامسة من عمرها. ترجمت صديقة نصّ الرسالة إلى العربية، الرسالة تحتوي على الكثير من التفاصيل الحسّاسة التي من المؤلم  حتى قراءتها. تكرار اغتصاب العم لابنة أخيه مرات عديدة جعل التساؤل الأكثر تداولًا في التعليقات هو: لماذا لم تخبر الطفلة أهلها؟ لماذا انتظرت ثماني سنوات؟ (لماذا لم تطرق جدار الخزان؟).

صادقوا أطفالكم ومثلما تعلّموهم أن يجيدوا التصرف ويحسنوا الأدب مع الآخرين، علموهم أيضًا كيف يواجهوا المجرمين

ورغم أننا جميعًا نبدو أمام هذه الجرائم خائفين على الضحايا، ونتمنى منهم أن يطرقوا جدار الخزان لينجوا، إلا أنّ الكثير من القصص المروعة تخبرنا أن الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي نادرًا ما يطرقون جدار الخزان في الوقت المناسب، وهنا بدلًا من أن نفكر فقط كيف يجب على الأطفال أن يتصرفوا، علينا أن نفكر أيضًا كيف على الأهل أن لا يسمحوا لكل هذا أن يحدث من الأساس، أو على الأقل أن ينقذوا أطفالهم مبكرًا، وكيف عليهم أن يمنحوا أطفالهم الحماية بدل انتظار أن يطلبوها هم، لأنّ طلب الحماية يعني أنّ جريمة ما حصلت، وأنّ الطفل قد مرّ بما لا يجب أن يمر به أصلًا.

حسنًا، لا يمكننا دائمًا منع حدوث الأشياء التي نخافها، ولكن يمكننا أن نكون مستعدين لها، فصادقوا أطفالكم ومثلما تعلّموهم أن يجيدوا التصرف ويحسنوا الأدب مع الآخرين، علموهم أيضًا كيف يواجهوا المجرمين، وتحدثوا معهم كثيرًا، ودائمًا، وعن كل شيء، حتى  لا تسمحوا لأحد أن يغلق عليهم باب الخزان!


اقرأ/ي أيضًا:

أسماء العائلات الفلسطينية.. ما هو أصلها؟

محامون يزوّجون قاصرات بعيدًا عن المحاكم

الحبل السُري يلُف "مجهولي النسب" بالمجهول