13-أغسطس-2017

كان الجوّ ربيعيًا حين خرج حسين عقاب حسن على رجليه، برفقة عدد من أطفال حارته إلى جبال قريته تياسير في الأغوار، بحثًا عن بيض "الشنانير"،  لكنّه عاد محمولًا على أكتافهم، مصابًا بجروح خطيرة بعد انفجار قنبلة من مخلفات الاحتلال. وضعوه إلى جانب الطريق وانتظروا سيّارة مارّة تُقله إلى أقرب مستشفى.

بعد دقائق مرّت سيارة فلسطينية نُقل بها حسين إلى مستشفى رفيديا في نابلس، وقد عرقل جيش الاحتلال مرورهم من حاجز تياسير، إذ قال أحد الجنود للسائق "خليه يموت"، ثم بعد جدال سمح للسيارة بالمرور، وفق ما يقول عقاب حسن والد الطفل حسين لـ "ألترا فلسطين".

جيش الاحتلال زرع المراعي بالألغام ما تسبب بارتقاء 180 شهيدًا، عدا عن نفوق عشرات الماشية سنويًا

كان ذلك الحادث في عام 2011 عندما كان عمر حسين (13 عامًا)، لكنّه اليوم أصبح شابًا يبلغ من العمر (19 عامًا)، وتعيش في جسده العديد من الشظايا التي اخترقته حينها، بعضها استقرّت قرب رئتيه وأخرى في رأسه وفق ما يقول والده.

اقرأ/ي أيضًا: لأول مرة: إسرائيل تصنع مدافع لإطلاق قنابل عنقودية منها

حسين واحد من مئات الفلسطينيين الذين سقطوا ضحايا الأجسام المشبوهة من مخلفات جيش الاحتلال أو الألغام التي تنتشر في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، يقول رئيس مجلس قروي المالح في الأغوار عارف دراغمة لـ "ألترا فلسطين"، إنه خلال العامين الماضين استشهد 4 مواطنين وأصيب 16 أخرون، ونفق 80 رأس من الأغنام جراء انفجار الأجسام المشبوهة الناتجة من مخلفات الاحتلال المنتشرة في الأراضي الزراعية والمراعي وقرب المساكن الفلسطينية في الاغوار.

يضيف دراغمة، "يوجد في منطقة المالح وما حولها 9 معسكرات تدريب لجيش الاحتلال تغلق 48% من أراضي السكان والمراعي هناك من يوم الأحد حتى الخميس. وعندما ينسحب الجيش وينهي تدريباته يترك خلفه القنابل والذخيرة، الأمر الذي يعرّض الرعاة والمزراعين والأطفال لخطر انفجارها".

ويوضح أنه "خلال السنوات الثلاث الماضية اتّبع جيش الاحتلال سياسة تهجير المواطنين من مساكنهم في الأغوار لأغراض التدريب العسكري، وعندما ينتهي الجيش من تدريباته يعود المواطنون إلى سكناهم، وهنا يكمن الخطر الحقيقي حيث نجد القنابل والذخائر المتفجرة خاصة الفسفورية التي يتخيلها الأطفال على شكل لعب، وعندما يلعبون بها تنفجر بهم متسببة بالحروق الشديدة في أجسادهم".

ويوجد في منطقة المالح 16 حقل ألغام أكثرها على الحدود الشرقية للأغوار (قرب الحدود مع الأردن)، يدعي جيش الاحتلال أنه قام بتنظيفها، لكن ذلك غير صحيح، وفق دراغمة الذي يؤكد أن المزارعين والرعاة يدخلون هذه الحقول لأنها تشكل بالنسبة لهم المراعي الحقيقية، بينما المراعي الأخرى مستباحة من قبل جيش الاحتلال لعمليات التدريب.

وسجل المركز الفلسطيني لمكافحة الألغام ارتقاء أكثر من 180 شهيدًا بسبب الألغام والمخلفات الحربية مثل القنابل والقذائف التي يعود بعضها لفترة الانتداب البريطاني، وفقًا لما أفادنا به مدير المركز العميد جمعة موسى عبد الجبار.

ويضيف العميد جمعة، أن 19 شهيدًا ارتقوا ونحو 20 جريحًا أصيبوا داخل حقول الألغام المنتشرة في الضفة، بالرغم من وضع أشياك سلكية ولافتات تحذيرية حول هذه الحقول.

قسمٌ من حقول الألغام في الضفة الغربية زرعها الجيش الأردني قبل النكسة، وأخرى أوجدها جيش الاحتلال تمنع الوصول لـ7 كنائس أثرية قرب المغطس

ويوضح، أن حقول الألغام موجودة ما بين أعوام (1955-1967) أثناء الصراع العربي الإسرائيلي، والحقول المنتشرة في الضفة الغربية هي أردنية، كان الجيش العربي الأردني يقوم فيها بمهمات أثناء الصراع، ويبلغ عددها 16 حقلًا منتشرة من جنين شمال الضفة حتى الخليل جنوب الضفة، من بينها حقل في القدس أزاله الطرف الإسرائيلي مؤخرًا.

ويؤكد العميد جمعة، أن السلطة الفلسطينية أزالت الألغام من حقل النبي إلياس في قلقيلية الذي تبلغ مساحته (64 دونمًا)، إضافة إلى تنظيف حقل حوسان، وأم الدرج وصوريف، مبينًا، إزالة الألغام جارية الآن من حقل دير أبو ضعيف في جنين بمساحة (22.5 دونم)، وقد تعاقد المركز الفلسطيني لإزالة الألغام التابع لوزارة الداخلية مع منظمة "هالو ترست" لهذا الغرض.

هذا ويبلغ عدد حقول الألغام التي زرعها جيش الاحتلال الإسرائيلي 65 حقلاً، منها 42 حقلاً في أريحا، و23 حقلاً في طوباس، منتشرة على طول نهر الأردن، وفي مناطق تبادل خط المواقع ما بين فلسطين والأردن.

يقول العميد جمعة: "استطعنا إزالة الألغام من منطقة المغطس وهو موقع أثري فلسطيني مسجل لدى اليونسكو، وقد وجدنا فيه 2700 لغم أرضي".

ويبيّن، أنه في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل ستبدأ إزالة الألغام من مناطق قريبة من المغطس يوجد بها سبع كنائس أثرية، تم وضع الألغام بها عام 1967 من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا يستطيع أحد الدخول إليها منذ ذلك العام حتى اليوم، رغم أنه يأتي لمنطقة المغطس قرابة ألف سائح يوميًا.

تستعين السلطة الفلسطينية بمنظمة دولية لأزالة الألغام، وتقول إنها تلتزم المعايير الدولية وتكون نسبة الخطأ فيها واحد في الألف

وتقدر المدة التي سستغرقها إزالة الألغام من منطقة الكنائس السبعة عامين، ثم بعدها سيتم إعادتها إلى مرجعياتها الدينية المختلفة، وإعادة العمل بها كدور عبادة وأماكن للسياحة.

وتتراوح تكلفة زراعة اللغم ما بين (3 – 5) دولارات، لكن إزالة اللغم الواحد يكلف 1000 دولار. يشير العميد جمعة لوجود خرائط توضح أماكن توزيع الألغام، لكنها غير دقيقة بسبب عمليات التعرية التي حركت أمكان الألغام وغيرت من معالمها، لذلك يقوم العاملون في مجال نزع الألغام  بالاعتماد على البحث اليدوي وتعيينها ثم إزالتها.

ويؤكد العميد جمعة أن أعمال إزالة الألغام في الأراضي الفلسطينية تعتمد على المعايير الدولية، وأن نسبة حدوث خطأ في تحديد وجود الألغام (واحد في الألف)، بمعنى أنه يتم إزالة الألغام بالكامل.


اقرأ/ي أيضًا: 

"دماء الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

فيديو | إسرائيل تطور طائرة قتالية انتحارية

إيلان بابييه يفضح فكرة إسرائيل