24-نوفمبر-2019

ينتظر القضاة منذ ستة أشهر أن تُحلَّ الإشكالية التي تواجه جمعية نادي القضاة التي ما يزال ملفها معلّقا لدى وزارة الداخلية، فالانتخابات التي جرت في بداية شهر أيار/مايو الماضي أسفرت عن فوز كتلتين متنافستين مناصفة، ولم تتمكنا من تشكيل مجلس إدارة للجمعية، وأعيد إجراء الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو، وجرى انتخاب مجلس إدارة جديد، لكن قضاة من الجمعية اعترضوا أن بعض أعضاء الهيئة العامة لم يسددوا الرسوم.

الجهات المختصة في وزارة الداخلية أوصت بتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة جمعية نادي القضاة، لكن  المقترح تم تجميده في مكتب وزير الداخلية

المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الجهات المختصة في وزارة الداخلية أوصت بتشكيل لجنة مؤقتة، لكن المقترح تم تجميده في مكتب وزير الداخلية، ويبدو أن التجميد تقرر بسبب التغييرات التي جرت على القضاء في تلك الفترة، وتم فيها إقرار قانون تقاعد القضاة على عمر 60 سنة، وتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي.

اقرأ/ي أيضًا: ملاحقة الأشقر.. ضمان حرية القضاة في حرية التعبير

قضية النادي عادت إلى الواجهة مرة أخرى، وقد طلب رئيس مجلس القضائي الانتقالي في رسالةٍ وجهها بتاريخ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إلى شبكة المنظمات الأهلية التدخل مع وزارة الداخلية، كون الشبكة تخص منظمات المجمع المدني، وجمعية نادي القضاة جزءٌ من منظمات المجتمع المدني ومسجلةٌ بموجب قانون الجمعيات الخيرية.

خلال جلسة نقاش مع رئيس المجلس الانتقالي، قال إن "جمعية نادي القضاة يجب أن ينص عليها قانون السلطة القضائية، وأن يتم تنظيمها بموجب ذلك وليس بموجب قانون الجمعيات الخيرية، حفاظًا على استقلالية الجمعية". واقترح هذا النص لنقاشه مع القضاة ليتم تضمينه في أي تعديل لقانون السلطة القضائية.

وزارة الداخلية تأخرت كثيرًا في معالجة مشكلة جمعية نادي القضاة، فقد نصت المادة (22) من قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية على أنه إذا تعذر اجتماع مجلس الإدارة بسبب الاستقالة أو الوفاة، يتولى من تبقى من مجلس الإدارة (باعتبارهم لجنة مؤقتة) مهمة المجلس لمدة أقصاها شهر، وتتم دعوة الجمعية العمومية خلال نفس المدة لاختيار مجلس إدارة جديد.

إذا كانت الاستقالة جماعية أو لم تقم اللجنة المؤقتة بمهامها المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة، يُعيّن الوزير لجنة مؤقتة من بين أعضاء الجمعية العمومية لتقوم بمهام مجلس الإدارة لمدة أقصاها شهر، ولدعوة الجمعية العمومية للانعقاد خلال ذات الأجل لاختيار مجلس إدارة جديد.

وزارة الداخلية تأخرت، وكان يجب أن تشكل لجنة على الفور ليتم الدعوة لانتخابات جديدة خلال شهر واحد من تشكيل لجنة مؤقتة، وهذا التأخير أثار حفيظة القضاة، واعتبره البعض منهم تعديًا على صلاحيات القضاء، لكن المفارقة أن القضاء ذاته هو من عزز في قراراته القضائية التي أصدرها خلال الأعوام السابقة من صلاحيات وزير الداخلية فيما يتعلق بالجمعيات، وفي تعيين اللجنة المؤقتة.

القضاء ذاته هو من عزز في قراراته القضائية التي أصدرها خلال الأعوام السابقة من صلاحيات وزير الداخلية فيما يتعلق بالجمعيات

فقد أصدرت محكمة العدل العيا الموقرة قرارها في القضية رقم 76/2012 بتاريخ 23 نيسان/إبريل 2014. وباستقراء القرار الصادر عن المحكمة الموقرة نجد أن القضاء قد توسع في إعطاء الصلاحية لوزير الداخلية لتعيين لجنة مؤقتة، حيث ورد في القرار المذكور: "...أما فيما يتعلق بالقرار الصادر عن المستدعى ضده بشأن تشكيل لجنة مؤقتة ودراسة الطلبات المقدمة للانتساب ودعوة الهيئة العامة للانعقاد خلال مدة شهر فهذا من صلاحية المستدعى ضده الأساسية المستمدة من المواد 11 و15 و16 و17 و18 و19 و22 من القانون المذكور، وبالتالي فإن المحكمة تجد أن قرارات المستدعى ضده جاءت متفقة وأحكام القانون...". وبالعودة إلى نصوص المواد التي استندت إليها المحكمة الموقرة في قرارها، نجد أن كل المواد باستثناء المادة 22 هي مواد تنظيمية لم يتضمن القانون أي جزاء على مخالفتها، ولم يورد المشرع أي صلاحية لوزير الداخلية بالتدخل في الجمعية الخيرية والهيئة الأهلية.  

اقرأ/ي أيضًا: الرسالة الحقوقية تنمر أم تغيير؟

قرارات المحاكم لم تأتِ في كل الحالات معززة لسلطة وزارة الداخلية، فقد جاء في قرار محكمة العدل العليا رقم 163/2003: "إذا لم يثبت أن الجمعيات المستدعية خالفت قانون الجمعيات أو خالفت شروط الترخيص التي أنشئت بناءً عليه ومن أجله، وإذا لم تثبت النيابة وهي الممثلة للمستدعى ضده الأول أن الجمعيات قد حصلت على أموالها من أي مصدر غير مشروع، وإذا لم يثبت لهذه المحكمة أن الجمعيات المستدعية أو أي أحد من مسؤوليها قد نسب إليه أي فساد أو سوء في التوزيع أو خروج عن قانون الجمعيات وإخلال بمصلحة المواطنين أو إضرار للمصلحة الوطنية، وفضلاً عما تقدم فإن قانون الجمعيات أضفى على هذه الجمعيات حماية خاصة حتى تتمكن من أداء واجبها على الوجه الأكمل ما دامت لم تخرج عن القانون ووفقًا لنص المادة (41) من قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية التي نصّت على أنه: (لا يجوز وضع اليد على أموال أي جمعية أو هيئة أو إغلاق أو تفتيش مقرها أو أي من مراكزها وفروعها إلا بعد صدور قرار من جهة قضائية مختصة) الأمر الذي تطبقه الجهة المستدعى ضدها الأولى، و يتبين مما تقدم أن القرار المطعون فيه إداريًا قد جاء مخالفا لصريح نص القانون، وأن فيه تعسف لاستخدام السلطة، وإضرار بالمستدعين، مما يتعين إلغاؤه عدلاً".

وجاء في قرار محكمة العدل العليا رقم 218/2008 بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2009، "إن وزير الداخلية يملك صلاحية إلغاء تسجيل جمعية وحلها إذا ما توفرت الأسباب الموجبة لذلك، وبعد اتخاذ الإجراءات التي رسمها القانون، ولكنه لا يستطيع أن يصدر قرارًا بإغلاق الجمعية، لأنّ ذلك الأمر يجب أن يصدر من السلطة القضائية فقط، وإنّ قرار الإغلاق من قبل وزير الداخلية يكون قرارًا منعدمًا، وصادرًا عن جهة لا تملك إصداره أساسًا".

إن ما سبق يشير إلى أن على وزارة الداخلية أن تسارع على الفور من أجل تشكيل لجنة لنادي القضاة، وما دامت الوزارة لم تشكل اللجنة حتى هذه اللحظة، أعتقد أن من حق الهيئة العامة أن تعقد اجتماعًا غير عادي بموجب المادة 24 من قانون الجمعيات الخيرية التي تنص أنه يجوز لثلث أعضاء الجمعية العمومية لأية جمعية أو هيئة طلب دعوتها لاجتماع غير عادي. وأن تقوم بحضور ثلثي أعضاء الهيئة العامة بتعديل النظام الداخلي بما يتيح لها تشكيل مجلس إدارة، وبذلك يخرج ملف الجمعية من الجمود الذي حل به.

كما يشير إلى أن القضاء يجب أن يكون حاميًا للحقوق والحريات من سيطرة السلطة التنفيذية، ومن ضمنها الجمعيات، فالقرارات القضائية التي عززت سلطة وزارة الداخلية على الجمعية، وحالة الصراع والانقسام التي سادت القضاة إبان الانتخابات الأخيرة للجمعية، هي من وضعت رقبة القضاة في يد وزارة الداخلية، وليس تعدي وزارة الداخلية على القضاء.


اقرأ/ي أيضًا: 

لا تكسروا شوكة مؤسسات المجتمع المدني

جرّح القضاء

إنهم يخشون إصلاح القضاء