09-مايو-2019

شابة فلسطينية من بيت لحم تعمل على فسيفساء في بيت لحم - gettyimages

كثيرون من فلسطين يعرفون قصة اللداوي المقدسي أحد نشطاء الانتفاضة الاولى، مواليد حي المغاربة، ابن حارة باب السلسلة عماد أبو خديجة "أبو محمد"، لكن القليل جدًا ممن تابعوا وكتبوا عن قصة صمود عماد وحكايته يعرفون أن زوجته "أم محمد" شاركت زوجها برموش العينين وأظافر اليد وبحة الصوت اكتشاف وحماية القاعة الأيوبية العثمانية المملوكية عام 1990، بعد رحلة حفرٍ مضنيةٍ وعنيدةٍ وطويلةٍ، أجبرهما عليها فأرٌ كان يزعجهما في حركاته خلف جدار البقالة الصغيرة التي ورثها عن والده.

معظم قصص بطولات  الفلسطينيين الرجال في  بلادنا تم فصلها عن دور امرأةٍ ما شاركت في هذا المجد، بل وحمته أحيانًا.

بالطبع مطلوبٌ دعم حكاية عماد مع الصمود والمثابرة، ومقاومة مضايقات المحتلين ومحاولتهم المستمرة لشراء القاعة، ومطلوبٌ تشجيع  الفلسطينيين على زيارته وإقامة أمسياتٍ أدبيةٍ وفنيةٍ في قاعته الأثرية المبهرة. إن كل خطوةٍ قدمٍ عربيةٍ في القاعة أو أمامها في الحارة ضروريةٌ جدًا، لأن غياب هذه الخطوة تعني أن خطوة مستوطن ستحل محلها. مقالاتٌ عديدةٌ ومقابلاتٌ صحفيةٌ كُتبت وأجريت مع عماد لم تنتبه لدور زوجته "أم محمد" في القصة. معظم قصص بطولات  الفلسطينيين الرجال في  بلادنا تم فصلها عن دور امرأة ما شاركت في هذا المجد، بل وحمته أحيانًا.

اقرأ/ي أيضًا: نساء يعرقلن البلاد

الكثيرون يعرفون  قصص بطولات المربي والمثقف الفلسطيني الكبير خليل السكاكيني، بطولاته في محاولات تعريب الكنيسة اليونانية، وفي وضع منهاجٍ  تربويٍ مختلفٍ يخاطب الروح والقلب قبل العقل، وفي فضح مخططات الصهيونية العالمية، لكن القليل يعرف  دور سلطانة زوجة خليل، وميليا  شقيقته، اللتين وقفتا معه وجدانيًا ومعرفيًا وماليًا وساندتاه في أزماته وشاركتا في مشاريعه التحررية من ظلمات العثمانيين والبريطانيين، ومخاطر الصهيونية والجهل.

في رام الله ظاهرةٌ لافتةٌ بطلاتها نساءٌ وبناتٌ فلسطينياتٌ عشرينياتٌ وثلاثينياتٌ من مختلف المحافظات، يتجولن في المدن، يقتحمن المقاهي الشعبية، يُدخّن الأرجيلة، يتحدثن مع الشباب عن مشاريع ثقافية، ويسلمونهم دعواتٍ لحضور فعالياتٍ ثقافيةٍ هنا وهناك. ميسر أبو خليل ناشطةٌ فلسطينية، أقامت قبل أيامٍ مع مجموعةٍ من رفيقاتها معرضًا للكتب المستعملة في مركز البيرة الثقافي، وعلى هامشه أقيمت ندواتٍ فكريةٍ - ثقافيةٍ. زار المعرض المئات من المهتمين والمثقفين والقراء ممن لا يملكون ثمن شراء الكتب، حاملين كتبهم المستعملة، تبادلوها مع كتبٍ مستعملةٍ أخرى فيما يشبه تبادلاً للخبرات والأذواق، والذكريات، كل هذا  حدث بعيدًا عن  أي تماساتٍ أو علاقاتٍ مع مؤسساتٍ أو وزاراتٍ أو فصائل سياسية.

تجربة اختراق أخرى في جنين، شذا حنايشة إعلاميةٌ  فلسطينية، افتتحت مع رفيقاتها مقهى ثقافيًا أسمينه كافكا (هذا يحدث لأول مرة في فلسطين، بناتٌ فلسطينياتٌ يبادرن إلى افتتاح مقهى ثقافيٍ بجهدٍ فرديٍ وأهدافٍ ثقافيةٍ صرفة) في جنين المعزولة والمهمشة ثقافيًا. جاءت الفكرة إنصافًا لمدينةٍ تعج بالموهوبين الضائعين المتناثرين، الذين لا يجدون مكانًا  يتنفسون فيه بشكلٍ طبيعيٍ هواء الفضفضة و الإبداع والاختلاط مع تجارب أخرى وحساسياتٍ إبداعيةٍ مجاورة.

في بيت لحم افتتحت الناشطة تمارا الصوص مكتبة ومقهى ثقافي "تنوين" وسط المدينة. تستقبل "تنوين" المثقفين والقُرَّاء لإقامة ندواتٍ فكريةٍ وأدبية. المكتبة تقدم الجديد دائمًا في حقول الأدب والمعرفة وتشكل متنفسًا للقراء والمثقفين، وتضم أعمالاً متميزة لفناناتٍ فلسطينياتٍ، مثل أعمال نادية حزبون التي تبدع تصميماتٍ بالحروف العربية على خشب الزيتون، وصابرين الحاج أحمد بفواصلها المرسومة بإتقانٍ مبهر، وكلوديا صليبي التي تصنع من الخشب أغراضًا تعليمية.

في مدن  أو قرى أو مخيمات أخرى من فلسطين ثمة نساءٌ وبناتٌ فلسطينياتٌ يتحركن  الآن بنقاءٍ عجيبٍ غير معتادٍ ودون استعراضٍ أو ضجيجٍ أو صورٍ لافتتاح مقهى أو ربما لإقامة معرض كتبٍ أو لإدارة أمسيةٍ أو لمناقشة كتاب.

لنقل لهن مرحبًا أو شكرًا.


اقرأ/ي أيضًا: 

شمس تخطئ اختيار إخوتها

عقدة سندريلا الفلسطينية

لسن بنات عم أحد